الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ نَجِسٌ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
فَاقْتَضَى أَنَّ الْغُسْلَ فِيهِ، كَالْبَوْلِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَهَارَةً وَالطَّهَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ نَجَاسَةٍ، إذْ تَطْهِيرُ الطَّاهِرِ لَا يُعْقَلُ. وَلَنَا: عَلَى طَهَارَتِهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ «وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَبَّ عَلَى جَابِرٍ مِنْ وَضُوئِهِ إذْ كَانَ مَرِيضًا»
وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَجُزْ فِعْلُ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ وَنِسَاءَهُ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي الْأَقْدَاحِ وَالْأَتْوَارِ وَيَغْتَسِلُونَ فِي الْجِفَانِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَسْلَمُ مِنْ رَشَاشٍ يَقَعُ فِي الْمَاءِ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ، وَلِهَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ نَجِسًا لَنَجَّسَ الْمَاءَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَدَّمَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ قَصْعَةً لِيَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: إنِّي غَمَسْت يَدِي فِيهَا، وَأَنَا جُنُبٌ. فَقَالَ: الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ» ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي " الْمُسْنَدِ ":" الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ ".
وَعِنْدَهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ وَلِأَنَّهُ مَاءٌ طَاهِرٌ لَاقَى مَحَلًّا طَاهِرًا، فَكَانَ طَاهِرًا، كَاَلَّذِي غُسِلَ بِهِ الثَّوْبُ الطَّاهِرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ طَاهِرٌ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جُنُبٌ، فَانْخَنَسْت مِنْهُ فَاغْتَسَلْت ثُمَّ جِئْت، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْت يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كُنْت جُنُبًا، فَكَرِهْت أَنْ أُجَالِسَكَ، فَذَهَبْت فَاغْتَسَلْت ثُمَّ جِئْت. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛
وَلِأَنَّهُ لَوْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يُنَجِّسْهُ، وَلَوْ مَسَّ شَيْئًا رَطْبًا لَمْ يُنَجِّسْهُ، وَلَوْ حَمَلَهُ مُصَلٍّ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ نَهَى عَنْ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، كَنَهْيِهِ عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ.
قُلْنَا: النَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ التَّوَضُّؤِ بِهِ، وَالِاقْتِرَانُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ، لَا فِي تَفْصِيلِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ طَهَارَةً لِكَوْنِهِ يُنَقِّي الذُّنُوبَ وَالْآثَامَ، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالدَّلِيلُ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مَنَعَ مِنْ الْغُسْلِ فِيهِ كَمَنْعِهِ مِنْ الْبَوْلِ فِيهِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ يُفِيدُهُ مَنْعًا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ أُزِيلَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةٍ أُخْرَى، كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
[فَصْلٌ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]
(15)
فَصْلٌ: وَجَمِيعُ الْأَحْدَاثِ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ، وَالْجَنَابَةُ، وَالْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ، وَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ إذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ، وَاخْتَلَفْت الرِّوَايَةُ فِي الْمُنْفَصِلِ عَنْ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ؛ فَرُوِيَ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ، أَشْبَهَ مَاءً تَبَرَّدَ بِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ؛ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ