الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، أُبِيحَ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ؛ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، أَشْبَهَ سَلَسَ الْبَوْلِ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُبْتَلَى بِسَلَسِ الْبَوْلِ وَكَثْرَةِ الْمَذْيِ]
(486)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمُبْتَلَى بِسَلَسِ الْبَوْلِ، وَكَثْرَةِ الْمَذْيِ، فَلَا يَنْقَطِعُ، كَالْمُسْتَحَاضَةِ، يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَوْ الْمَذْيُ، أَوْ الْجَرِيحَ الَّذِي لَا يَرْقَأُ دَمُهُ، وَأَشْبَاهَهُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِرُّ مِنْهُ الْحَدَثُ وَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ طَهَارَتِهِ، عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَ غَسْلِ مَحَلِّ الْحَدَثِ، وَشَدِّهِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ خُرُوجِ الْحَدَثِ بِمَا يُمْكِنُهُ. فَالْمُسْتَحَاضَةُ تَغْسِلُ الْمَحَلَّ، ثُمَّ تَحْشُوهُ بِقُطْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، لِيَرُدَّ الدَّمَ؛ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِحَمْنَةَ، حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ كَثْرَةَ الدَّمِ: أَنْعَتُ لَك الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ. فَإِنْ لَمْ يَرْتَدَّ الدَّمُ بِالْقُطْنِ، اسْتَثْفَرَتْ بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ، تَشُدُّهَا عَلَى جَنْبَيْهَا وَوَسَطُهَا عَلَى الْفَرْجِ» ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ " لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ.
وَقَالَ لِحَمْنَةَ " تَلَجَّمِي ". لَمَّا قَالَتْ: إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ لِرَخَاوَةِ الشَّدِّ، فَعَلَيْهَا إعَادَةُ الشَّدِّ وَالطَّهَارَةُ، وَإِنْ كَانَ لِغَلَبَةِ الْخَارِجِ وَقُوَّتِهِ وَكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ تَبْطُلْ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَتُصَلِّي وَلَوْ قَطَرَ الدَّمُ، قَالَتْ عَائِشَةُ:«اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي حَدِيثٍ:«صَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» . وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، أَوْ كَثْرَةُ الْمَذْيِ، يَعْصِبُ رَأْسَ ذَكَرِهِ بِخِرْقَةٍ، وَيَحْتَرِسُ حَسَبَ مَا يُمْكِنُهُ، وَيَفْعَلُ مَا ذُكِرَ.
وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ جُرْحٌ يَفُورُ مِنْهُ الدَّمُ، أَوْ بِهِ رِيحٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْدَاثِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَصْبُهُ، مِثْلُ مَنْ بِهِ جُرْحٌ لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ، أَوْ بِهِ بَاسُورٌ أَوْ نَاصُورٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَصْبِهِ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ حِينَ طُعِنَ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا.
(487)
فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْوُضُوءُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَرَبِيعَةَ.
وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ الْبَرْدُ، فَإِنْ آذَاهُ قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ ضِيقٌ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ:«فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» . وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْوُضُوءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَادٍ، وَلَنَا مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي «الْمُسْتَحَاضَةِ: تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ
، وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ خَبَرَهَا، ثُمَّ قَالَ: اغْتَسِلِي، ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ، فَنَقَضَ الْوُضُوءَ، كَالْمَذْيِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ طَهَارَةَ هَؤُلَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِالْوَقْتِ؛ لِقَوْلِهِ:" تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ". وَقَوْلِهِ: " ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ ". وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ، كَالتَّيَمُّمِ.
(488)
فَصْلٌ: فَإِنْ تَوَضَّأَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ يَخْرُجُ بِهِ الْوَقْتُ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ مُبْطِلٌ لِهَذِهِ الطَّهَارَةِ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَثَ مُبْطِلٌ لِلطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الطَّهَارَةِ. وَإِنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ صَحَّ، وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِهِ، أَوْ أَخَّرَهَا لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، كَلُبْسِ الثِّيَابِ، وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، جَازَ. وَإِنْ أَخَّرَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ أُرِيدَتْ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَأَشْبَهَتْ التَّيَمُّمَ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ، كَالتَّيَمُّمِ.
وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا. وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ، أَوْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا سِوَى هَذَا الْخَارِجِ، بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَتَتَوَضَّأُ أَيْضًا. وَهَذَا يَقْتَضِي إلْحَاقَهَا بِالتَّيَمُّمِ، فِي أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ الْوَقْتِ، يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِهَا، وَتَقْضِيَ بِهَا الْفَوَائِتَ، وَتَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، مَا لَمْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ، أَوْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ.