الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ حَاجَةٍ إلَى الْغُسْلِ، وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِي بَيْتِهَا؛ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهَا، أَوْ خَوْفِهَا مِنْ مَرَضٍ، أَوْ ضَرَرٍ، فَيُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ، إذَا غَضَّتْ بَصَرَهَا، وَسَتَرَتْ عَوْرَتَهَا. وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ، فَلَا لِمَا رُوِيَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا حَمَّامَاتٍ، فَامْنَعُوا نِسَاءَكُمْ، إلَّا حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ» . وَرُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، فَقَالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنْ النِّسَاءِ اللَّائِي يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَلَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا هَتَكَتْ سِتْرَهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل» .
[فَصْلٌ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا بَيْنَ النَّاسِ]
(325)
فَصْلٌ: وَمَنْ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا بَيْنَ النَّاسِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَشْفَهَا لِلنَّاسِ مُحَرَّمٌ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ خَالِيًا جَازَ؛ لِأَنَّ مُوسَى عليه السلام، اغْتَسَلَ عُرْيَانًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَيُّوبُ عليه السلام، اغْتَسَلَ عُرْيَانًا. وَإِنْ سَتَرَهُ إنْسَانٌ بِثَوْبٍ فَلَا بَأْسَ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ، وَيَغْتَسِلُ، وَيُسْتَحَبُّ التَّسَتُّرُ، وَإِنْ كَانَ خَالِيًا؛ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ.»
[فَصْلٌ الْغُسْلُ بِمَاءِ الْحَمَّامِ]
(326)
فَصْلٌ: وَيُجْزِئُهُ الْغُسْلُ بِمَاءِ الْحَمَّامِ. قَالَ الْخَلَّالُ: ثَبَتَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ مَاءَ الْحَمَّامِ يُجْزِئُ أَنْ يُغْتَسَلَ بِهِ، وَلَا يُغْتَسَلُ مِنْهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ الْحَمَّامِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْأُنْبُوبَةِ. وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: مَاءُ الْحَمَّامِ عِنْدِي طَاهِرٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْأَثْرَمُ، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ النَّاسِ مَنْ يُشَدِّدُ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي؛ لِأَنَّهُ يُنْزَفُ، يَخْرُجُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ. قُلْت: يَكُونُ كَالْجَارِي، وَهُوَ يَسْتَقِرُّ فِي مَكَان قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ؟ ، فَقَالَ: قَدْ قُلْت لَك فِيهِ اخْتِلَافٌ. وَأَرَاهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْتَاطَ بِمَاءٍ آخَرَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ ذَلِكَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا التَّغَيُّرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَتَنَجَّسُ لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهِ جَارِيًا أَثَرٌ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ الِاحْتِيَاطَ مَعَ الْحُكْمِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْحَمَّامِ طَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي إذَا كَانَ الْمَاءُ يَفِيضُ مِنْ الْحَوْضِ وَيَخْرُجُ، فَإِنَّ الَّذِي يَأْتِي أَخِيرًا يَدْفَعُ مَا فِي الْحَوْضِ، وَيَثْبُتُ فِي مَكَانِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا فِي الْحَوْضِ كَدِرًا، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْهِ دَفَعَ مِنْ الْمَاءِ صَافِيًا، لَزَالَتْ كُدُورَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ ذِكْرُ اللَّهِ فِي الْحَمَّامِ]
(327)
فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي الْحَمَّامِ؛ فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَسَنٌ فِي كُلِّ مَكَان، مَا لَمْ يَرِدْ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يُبْنَ لِهَذَا. وَكَرِهَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِيهِ أَبُو وَائِلٍ،