الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُحْتَمَلٍ مُتَرَدِّدٍ، وَعَلَى قَوْلِنَا: الْعَوْرَةُ الْفَرْجَانِ اللَّذَانِ فِي قُبُلِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْجٌ حَقِيقِيٌّ، وَلَيْسَ يُمْكِنُهُ تَغْطِيَتُهُ يَقِينًا إلَّا بِتَغْطِيَتِهِمَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَمَا يَجِبُ سَتْرُ مَا قَرُبَ مِنْ الْفَرْجَيْنِ، ضَرُورَةَ سَتْرِهِمَا.
[فَصْلٌ إذَا تَلَبَّسَتْ الْأَمَةُ بِالصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَعَتَقَتْ فِي أَثْنَائِهَا]
(843)
فَصْلٌ: إذَا تَلَبَّسَتْ الْأَمَةُ بِالصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، فَعَتَقَتْ فِي أَثْنَائِهَا، فَهِيَ كَالْعُرْيَانِ يَجِدُ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ، إنْ أَمْكَنَهَا أَوْ أَمْكَنَهُ السُّتْرَةُ، مِنْ غَيْرِ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ، سَتَرَ، وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ، كَأَهْلِ قُبَاءَ لَمَّا عَلِمُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إلَيْهَا وَبَنَوْا. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السَّتْرُ إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، أَوْ زَمَنٍ طَوِيلٍ، بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُضِيُّ فِيهَا لِكَوْنِ السُّتْرَةِ شَرْطًا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَوُجِدَتْ الْقُدْرَةُ، وَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ فِي الصَّلَاةِ كَثِيرًا، لِأَنَّهُ يُنَافِيهَا فَيُبْطِلُهَا.
وَالْمَرْجِعُ فِي الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ إلَى الْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِالْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ وَجَدَتْ مَنْ يُنَاوِلُهَا السُّتْرَةَ فَانْتَظَرَتْ، احْتِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ صَلَاتُهَا. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ انْتِظَارٌ وَاحِدٌ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ: طَالَ عَلَيْهَا وَهِيَ بَادِيَةُ الْعَوْرَةِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّتْرِ، فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُنْتَظِرَةً. فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ حَتَّى أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا، لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ عَارِيَّةً جَهْلًا بِوُجُوبِ السَّتْرِ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَلِمَتْ الْعِتْقَ وَجَهِلَتْ الْحُكْمَ. وَإِنْ عَتَقَتْ وَلَمْ تَجِدْ مَا تَسْتَتِرُ بِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْحُرَّةِ الْأَصْلِيَّةِ الْعَاجِزَةِ عَنْ الِاسْتِتَارِ.
[مَسْأَلَة يُسْتَحَبُّ لِأُمِّ الْوَلَدِ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا فِي الصَّلَاةِ]
(844)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ لِأُمِّ الْوَلَدِ أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا فِي الصَّلَاةِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَالْأَمَةِ فِي صَلَاتِهَا وَسُتْرَتِهَا، صَرَّحَ بِهَا الْخِرَقِيِّ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَقَالَ: وَإِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ وَأَجْزَأَهَا.
وَمِمَّنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا تَغْطِيَةَ رَأْسِهَا النَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَدْ نَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَأَلَهُ كَيْفَ تُصَلِّي أُمُّ الْوَلَدِ؟ قَالَ: تُغَطِّي شَعَرَهَا وَقَدَمَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ، وَهِيَ تُصَلِّي كَمَا تُصَلِّي الْحُرَّةُ. فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَيَكُونَ كَمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ، وَلَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهَا، فَأَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ، وَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ حُرِّيَّتِهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، فَغَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَمَةٌ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ، إلَّا فِي أَنَّهَا لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهَا، فَهِيَ كَالْمَوْقُوفَةِ، وَانْعِقَادُ السَّبَبِ لِلْحُرِّيَّةِ لَا يُوجِبُ السَّتْرَ، كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا السَّتْرُ، وَيُكْرَهُ لَهَا كَشْفُ الرَّأْسِ، لِمَا فِيهَا مِنْ الشَّبَهِ بِالْحَرَائِرِ.
[مَسْأَلَة ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً وَهُوَ فِي أُخْرَى]
(845)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً وَهُوَ فِي أُخْرَى، أَتَمَّهَا، وَقَضَى الْمَذْكُورَةَ، وَأَعَادَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ مُبْقًى وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد
فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ سَنَةٍ: يُصَلِّيهَا، وَيُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِمَا تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَنَحْوُهُ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْفَرِيضَةِ فَائِتَةٌ، فَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهِ، كَالصِّيَامِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ، فَقَضَاهُنَّ مُرَتَّبَاتٍ. وَقَالَ:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي جُمُعَةَ حَبِيبِ بْنِ سِبَاعٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتَهَا. فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ.»
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لِيُعِدْ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ» . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ، فِي مُسْنِدِهِ، بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُؤَقَّتَتَانِ، فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهِمَا. كَالْمَجْمُوعَتَيْنِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهَا وَإِنْ كَثُرَتْ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَشُقُّ، وَيُفْضِي إلَى الدُّخُولِ فِي التَّكْرَارِ، فَسَقَطَ، كَالتَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ صِيَامِ رَمَضَانَ. وَلَنَا أَنَّهَا صَلَوَاتٌ وَاجِبَاتٌ، تُفْعَلُ فِي وَقْتٍ يَتَّسِعُ لَهَا، فَوَجَبَ فِيهَا التَّرْتِيبُ كَالْخَمْسِ، وَإِفْضَاؤُهُ إلَى التَّكْرَارِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ، كَتَرْتِيبِ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ أَخَلَّ بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمُعَةَ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ تَرْتِيبٌ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ، فَكَانَ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا، كَتَرْتِيبِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا عُدْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَهِيَ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَاضِرَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً، وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ، فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا، وَيَقْضِي الْفَائِتَةَ، ثُمَّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا، سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ، فِي الْمَأْمُومِ.
وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَأْمُومِ، وَنَقَلَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ فِي الْمُنْفَرِدِ، أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَقْضِي الْفَائِتَةَ. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ فِي الْمُنْفَرِدِ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْإِمَامِ: يَنْصَرِفُ، وَيَسْتَأْنِفُ الْمَأْمُومُونَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَنْقُلُهَا غَيْرُ حَرْبٍ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ فِي الْمَأْمُومِ، أَنَّهُ يَقْطَعُ، وَفِي الْمُنْفَرِدِ، أَنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ. وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْإِمَامِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ، فَيَكُونَ فِي الْجَمِيعِ أَدَاءً رِوَايَتَانِ