الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ عَلِيٍّ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ إنْ رَجَا وُجُودَ الْمَاءِ، وَإِنْ يَئِسَ مِنْ وُجُودِهِ اُسْتُحِبَّ تَقْدِيمُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَاثِقًا بِوُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ، لِأَمْرٍ مَظْنُونٍ. وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْجُنُبِ: يَتَلَوَّمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ. وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ لِلصَّلَاةِ إلَى بَعْدِ الْعِشَاءِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَيْ لَا يَذْهَبَ خُشُوعُهَا وَحُضُورُ الْقَلْبِ فِيهَا، وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، فَتَأْخِيرُهَا لِإِدْرَاكِ الطَّهَارَةِ الْمُشْتَرَطَةِ أَوْلَى
[مَسْأَلَة تَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّى]
(347)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ تَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّى، أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَصَابَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَادِمَ لِلْمَاءِ فِي السَّفَرِ إذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ، إنْ وَجَدَهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، أَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الْوَقْتِ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا إعَادَةٌ، سَوَاءٌ يَئِسَ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُهُ فِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمَكْحُولٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، «أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا، فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَصَبْت السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْك صَلَاتُك. وَقَالَ لِلَّذِي أَعَادَ: لَك الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ» . وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَيَمَّمَ، وَهُوَ يَرَى بُيُوتَ الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ؛ وَلِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ عُذْرٌ مُعْتَادٌ، فَإِذَا تَيَمَّمَ مَعَهُ يَجِبُ أَنْ يُسْقِطَ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَالْمَرَضِ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْقَطَ فَرْضَ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَعُدْ إلَى ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ.
[مَسْأَلَة التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ]
(348)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ) الْمَسْنُونُ عِنْدَ أَحْمَدَ التَّيَمُّمُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ جَازَ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْإِجْزَاءُ يَحْصُلُ بِضَرْبَةٍ، وَالْكَمَالُ ضَرْبَتَانِ. وَالْمَنْصُوصُ مَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَمَنْ قَالَ ضَرْبَتَيْنِ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ زَادَهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ؛ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَعَمَّارٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ إلَّا
بِضَرْبَتَيْنِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِهِ سَالِمٍ، وَالْحَسَنِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ الصِّمَّةِ «، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَيَمَّمَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ» . وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو أُمَامَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» ؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ يُؤْتَى بِهِ فِي مَحَلِّ مُبْدَلِهِ، وَكَانَ حَدُّهُ عَنْهُمَا وَاحِدًا كَالْوَجْهِ. وَلَنَا مَا «رَوَى عَمَّارٌ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْت، فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛
وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ عَلَى مُطْلَقِ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الذِّرَاعُ، كَقَطْعِ السَّارِقِ، وَمَسِّ الْفَرْجِ، وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَذَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6] وَقَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَكَانَتْ السُّنَّةُ فِي الْقَطْعِ مِنْ الْكَفَّيْنِ، إنَّمَا هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. يَعْنِي التَّيَمُّمَ. وَأَمَّا أَحَادِيثُهُمْ فَضَعِيفَةٌ. قَالَ الْخَلَّالُ: الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ جِدًّا، وَلَمْ يَرْوِ مِنْهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ يُعْرَفُ، وَمِنْ أَجْلِهِ يَضْعُفُ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ الصِّمَّةِ صَحِيحٌ، لَكِنْ إنَّمَا جَاءَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ:
فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ. فَيَكُونُ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ مَا عُلِّقَ عَلَى مُطْلَقِ الْيَدَيْنِ لَا يَتَنَاوَلُ الذِّرَاعَيْنِ. ثُمَّ أَحَادِيثُهُمْ لَا تُعَارِضُ حَدِيثَنَا؛ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِضَرْبَتَيْنِ، وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِضَرْبَةٍ، كَمَا أَنَّ وُضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا ثَلَاثًا لَا يَنْفِي الْإِجْزَاءَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ: إلَى الْمِرْفَقَيْنِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَفَّيْنِ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. قُلْنَا: أَمَّا حَدِيثُهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، إنَّمَا رَوَاهُ سَلَمَةُ، وَشَكَّ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَنْصُورٌ: مَا تَقُولُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ الذِّرَاعَيْنِ أَحَدٌ غَيْرُك؟ فَشَكَّ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي، أَذَكَرَ الذِّرَاعَيْنِ، أَمْ لَا؟ قَالَ ذَلِكَ النَّسَائِيّ. فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ، وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَخَالَفَ بِهِ سَائِرَ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ، فَكَيْفَ يُلْتَفَتُ إلَى مِثْلِ هَذَا؟ وَهُوَ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُحْتَجَّ بِهِ.
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَبَاطِلٌ؛ لِوُجُوهٍ: