الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْل الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ فِي الصَّلَاة]
(545)
فَصْلٌ: وَالْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ قَدْرُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْرُ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّهُ إدْرَاكٌ تَعَلَّقَ بِهِ إدْرَاكُ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ كَإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: خَمْسُ رَكَعَاتٍ. وَلَنَا أَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ تَجِبُ بِهِ الثَّانِيَةُ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْأُولَى، كَالرَّكْعَةِ وَالْخَمْسِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلِأَنَّهُ إدْرَاكٌ فَاسْتَوَى فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ، كَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، فَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الرَّكْعَةُ بِكَمَالِهَا؛ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ شَرْطًا فِيهَا فَاعْتُبِرَ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ كَيْ لَا يَفُوتَهُ شَرْطُهَا فِي مُعْظَمِهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[فَصْلٌ أَدْرَكَ الْمُكَلَّفُ مِنْ وَقْتِ الْأُولَى مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ قَدْرًا تَجِبُ بِهِ ثُمَّ جُنَّ]
(546)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُكَلَّفُ مِنْ وَقْتِ الْأُولَى مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ قَدْرًا تَجِبُ بِهِ، ثُمَّ جُنَّ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً فَحَاضَتْ، أَوْ نَفِسَتْ، ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ بَعْدَ وَقْتِهَا، لَمْ تَجِبْ الثَّانِيَةُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ. وَالْأُخْرَى: يَجِبُ وَيَلْزَمُ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا إحْدَى صَلَاتَيْ الْجَمْعِ، فَوَجَبَتْ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ وَقْتِ الْأُخْرَى، كَالْأُولَى.
وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ وَقْتِهَا، وَلَا وَقْتِ تَبَعِهَا، فَلَمْ تَجِبْ، كَمَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ وَقْتِ الْأُولَى شَيْئًا، وَفَارَقَ مُدْرِكَ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ أَدْرَكَ وَقْتَ تَبَعِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْأُولَى تُفْعَلُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مَتْبُوعَةً مَقْصُودَةً يَجِبُ تَقْدِيمُهَا، وَالْبِدَايَةُ بِهَا، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْأُولَى، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْجَمْعَ إلَّا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ وَقْتُ الْأُولَى عِنْدَهُ وَقْتًا لِلثَّانِيَةِ بِحَالٍ، فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لَشَيْءٍ مِنْ وَقْتِهَا، وَوَقْتُ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لَهُمَا جَمِيعًا، لِجَوَازِ فِعْلِ الْأُولَى فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ جَوَّزَ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ تَقْدِيمَ الثَّانِيَةِ رُخْصَةً تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ، وَتَرْكِ التَّفْرِيقِ، وَمَتَى أَخَّرَ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ كَانَتْ مَفْعُولَةً لَا وَاجِبَةً، لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا، وَلَا يَجِبُ نِيَّةُ جَمْعِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَرْكُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَجِبَ صَلَاةٌ إلَّا بِإِدْرَاكِ وَقْتِهَا.
[فَصْل الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا كَافِرٍ وَلَا حَائِضٍ]
(547)
فَصْلٌ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا كَافِرٍ، وَلَا حَائِضٍ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْقَضَاءِ بِهَذِهِ الْحَالِ مَعْنًى، وَهَذَا الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ. فَأَمَّا الْحَائِضُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهَا فِي بَابِهَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنْ كَانَ أَصْلِيًّا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي حَالِ كُفْرِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَأَسْلَمَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَبَعْدَهُ، فَلَمْ يُؤْمَرْ
أَحَدٌ مِنْهُمْ بِقَضَاءٍ، وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ تَنْفِيرًا عَنْ الْإِسْلَامِ، فَعُفِيَ عَنْهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي خِطَابِهِ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ فِي حَالِ كُفْرِهِ، مَعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ، فَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا عَنْ أَحْمَدَ، فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي حَالِ كُفْرِهِ، وَلَا فِي حَالِ إسْلَامِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ. وَلَوْ كَانَ قَدْ حَجَّ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَدْ حَبِطَ بِكُفْرِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] . فَصَارَ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ. وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ، وَإِسْلَامِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ إنَّمَا يَحْبَطُ بِالْإِشْرَاكِ مَعَ الْمَوْتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 217] . فَشَرَطَ الْأَمْرَيْنِ لِحُبُوطِ الْعَمَلِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهِ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى التَّسَبُّبِ إلَى أَدَائِهَا، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ، كَالْمُحْدِثِ. وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ لَمْ يَلْزَمْهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً ثَالِثَةً، أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِمَا تَرَكَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ فِي حَالٍ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهَا لِكُفْرِهِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي إسْلَامِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَمُخَاطَبًا بِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَبَقِيَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ. قَالَ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْحَجِّ إنْ كَانَ قَدْ حَجَّ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ مِنْهُ بِفِعْلِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَالصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّاهَا فِي إسْلَامِهِ؛ وَلِأَنَّ الرِّدَّةِ لَوْ أَسْقَطَتْ حَجَّهُ وَأَبْطَلَتْهُ، لَأَبْطَلَتْ سَائِرَ عِبَادَاتِهِ الْمَفْعُولَةِ قَبْلَ رِدَّتِهِ.
(548)
فَصْلٌ: فَأَمَّا الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرًا وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَعَلَى قَوْلِنَا إنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، مَتَى صَلَّى فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ بَلَغَ فِيهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَفِي أَثْنَائِهَا، فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا، كَالْبَالِغِ. وَلَنَا، أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَقَبْلَ سَبَبِ وُجُوبِهَا، فَلَمْ تَجْزِهِ عَمَّا وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ،