الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَائِرُ الصَّلَوَاتِ يُدْرِكُهَا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا فِي وَقْتِهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا
[فَصْل هَلْ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ بِإِدْرَاكِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ]
(523)
فَصْلٌ: وَهَلْ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ بِإِدْرَاكِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا لَا يُدْرِكُهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ الْإِدْرَاكَ بِرَكْعَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ لَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ إدْرَاكٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ كَإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ. وَالثَّانِيَةُ، يُدْرِكُهَا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْهَا، أَيِّ جُزْءٍ كَانَ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ.
وَلِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِلنَّسَائِيِّ «فَقَدْ أَدْرَكَهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْإِدْرَاكَ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ فِي الصَّلَاةِ اسْتَوَى فِيهِ الرَّكْعَةُ وَمَا دُونَهَا، كَإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، وَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ، وَالْمَنْطُوقُ أَوْلَى مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ يَبْطُلُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ دُونَ تَشَهُّدِهَا.
[فَصْل الصَّلَاةُ الْوُسْطَى]
(524)
فَصْلٌ: وَصَلَاةُ الْعَصْرِ هِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَأَبُو سَعِيدٍ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ.
وَبِهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] » رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَتْ عَائِشَةُ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَرَأَ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّافِعِيُّ: هِيَ الصُّبْحُ لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَالْقُنُوتُ طُولُ الْقِيَامِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالصُّبْحِ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَثْقَلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلِهَذَا اُخْتُصَّتْ بِالْوَصِيَّةِ وَبِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ نَظَرَ إلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: أَمَّا إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تَغْلِبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ (فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» يُرِيدُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ. وَقَالَ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.
وَقِيلَ: هِيَ الْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى هِيَ الظُّهْرُ، فَتَكُونُ الْمَغْرِبُ الثَّالِثَةَ، وَالثَّالِثَةُ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ هِيَ الْوُسْطَى؛ وَلِأَنَّهَا وُسْطَى فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَوُسْطَى فِي الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِهَا ثَلَاثٌ، فَهِيَ وُسْطَى بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَالِاثْنَيْنِ، وَوَقْتُهَا فِي آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ اللَّيْلِ، وَخُصَّتْ مِنْ بَيْنِ الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا وِتْرٌ، وَاَللَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، وَبِأَنَّهَا تُصَلَّى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ.
وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمَيْنِ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ لِذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَا تَزَالُ أُمَّتِي، أَوْ قَالَ: هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ، مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقِيلَ: هِيَ الْعِشَاءُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «مَكَثْنَا لَيْلَةً نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ