الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(759)
فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهِ، إذْ لَوْ جَهَرَ بِهِ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَتْ الْقِرَاءَةُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مِنْ السُّنَّةِ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ غَيْرُ الْقِرَاءَةِ لَا يُنْتَقَلُ بِهِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ، فَاسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ، كَالتَّسْبِيحِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
فَصْلٌ (760) : وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ التَّشَهُّدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي التَّكْبِيرِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ تَشَهَّدَ بِلِسَانِهِ، كَقَوْلِنَا فِي التَّكْبِيرِ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَنْ لَا يَتَشَهَّدَ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَخْرَسِ. وَمَنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، فَلَزِمَهُ كَالْقِرَاءَةِ.
فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ تَعَلُّمِهِ مَعَ إمْكَانِهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ، أَوْ عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهِ، أَتَى بِمَا يُمْكِنُهُ مِنْهُ، وَأَجْزَأَهُ؛ لِلضَّرُورَةِ. وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ، سَقَطَ كُلُّهُ.
(761)
فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ تَرْتِيبُ التَّشَهُّدِ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَأَتَى بِهِ مُنَكَّسًا مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ، وَلَا إخْلَالٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ فِيهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُجْزِئُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى، وَقَدْ حَصَلَ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ رَتَّبَهُ. وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ فِي ذِكْرٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مُرَتَّبًا، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْأَذَانِ.
[مَسْأَلَة يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذ مِنْ أَرْبَعٍ بَعْد التَّشَهُّد]
(762)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنْ أَرْبَعٍ. فَيَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ أَرْبَعٍ» وَذَكَرَهُ.
[مَسْأَلَة الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ]
(763)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ دَعَا فِي تَشَهُّدِهِ بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَخْبَارِ فَلَا بَأْسَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ جَائِزٌ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إنَّ هَؤُلَاءِ
يَقُولُونَ: لَا يَدْعُو فِي الْمَكْتُوبَةِ إلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ. فَنَفَضَ يَدَهُ كَالْمُغْضَبِ، وَقَالَ: مَنْ يَقِفُ عَلَى هَذَا، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ مَا قَالُوا، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إذَا جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ يَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِمَا شَاءَ؟ قَالَ: بِمَا شَاءَ لَا أَدْرِي، وَلَكِنْ يَدْعُو بِمَا يَعْرِفُ وَبِمَا جَاءَ. فَقُلْت: عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ: إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ، ثُمَّ لِيَقُلْ:" اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَك عِبَادُك الصَّالِحُونَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عِبَادُك الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِك وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ". رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ «قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك، وَارْحَمْنِي، إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَك، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ: حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُمْ التَّشَهُّدَ، فَقَالَ فِي آخِرِهِ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ» . وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَخْبَارِ. يَعْنِي أَخْبَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَالسَّلَفِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَدْعُو بِمَا جَاءَ وَبِمَا يَعْرِفُ.
وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ فِي سُجُودِهِ:
اللَّهُمَّ كَمَا صُنْتَ وَجْهِي عَنْ السُّجُودِ لِغَيْرِك فَصُنْ وَجْهِي عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِغَيْرِك. وَقَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُولُهُ فِي سُجُودِهِ. وَقَالَ: سَمِعْت الثَّوْرِيَّ يَقُولُهُ فِي سُجُودِهِ.
(764)
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي صَلَاتِهِ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُّ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا، بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَأَمَانِيَّهُمْ، مِثْلُ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ، وَدَارًا قَوْرَاءَ، وَطَعَامًا طَيِّبًا، وَبُسْتَانًا أَنِيقًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام، فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي التَّشَهُّدِ:" ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ أَرْبَعٍ، ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ» . وَلَنَا قَوْلُهُ عليه السلام: «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَلِأَنَّهُ كَلَامُ آدَمِيٍّ يُخَاطَبُ بِمِثْلِهِ، أَشْبَهَ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلَامِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
(765)
فَصْلٌ: فَأَمَّا الدُّعَاءُ بِمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل مِمَّا لَيْسَ بِمَأْثُورٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُّ الدُّنْيَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ؛ لِقَوْلِهِ: وَلَكِنْ يَدْعُو بِمَا جَاءَ وَبِمَا يَعْرِفُ. وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ؛ مِنْ حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ "، وَقَوْلُهُ:" ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ ". وَقَوْلُهُ: " ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ ". وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:«جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. فَقَالَ: احْمَدِي اللَّهَ عَشْرًا، وَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، ثُمَّ سَلِي مَا شِئْتِ. يَقُولُ: نَعَمْ نَعَمْ نَعَمْ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ
،
وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَدْعُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِمَا لَمْ يَتَعَلَّمُوهُ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلرَّجُلِ:" مَا تَقُولُ فِي صَلَاتِك؟ " قَالَ: أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ. فَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَلَّمَهُ إيَّاهُ، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ» . لَمْ يُعَيِّنْ لَهُمْ مَا يَدْعُونَ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ كُلَّ الدُّعَاءِ، إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ بِالدَّلِيلِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ إذَا قَرَأَتْ:«فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ» . قَالَتْ: مُنَّ عَلَيْنَا، وَقِنَا عَذَابَ السَّمُومِ.
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النِّفَاقِ. وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَشْبَهَ الدُّعَاءَ الْمَأْثُورَ.
(766)
فَصْلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ لَإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فِي صَلَاتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يَجُوزُ. قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِابْنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَا أَدْعُو لِقَوْمٍ مُنْذُ سِنِينَ فِي صَلَاتِي؛ أَبُوك أَحَدُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ «؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قُنُوتِهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» . وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ:" رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ". وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ.
وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ؛ لِشَبَهِهِ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِمُعَيَّنٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ.
(767)
فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي نَافِلَةً إذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا، أَوْ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا؛ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ، «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ، وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَتَعَوَّذَ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:«قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ. قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ. وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي فَرِيضَةٍ، مَعَ كَثْرَةِ مَنْ وَصَفَ قِرَاءَتَهُ فِيهَا.