الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، وَلَفْظُ حَدِيثِ غَيْرِهِ:«مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» .
وَهَذَا الْأَمْرُ وَالتَّأْدِيبُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِتَمْرِينِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، كَيْ يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا، وَلَا يَتْرُكَهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: تَجِبُ عَلَيْهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تُشْرَعُ. إلَّا لِتَرْكِ وَاجِبٍ، وَلِأَنَّ حَدَّ الْوَاجِبِ: مَا عُوقِبَ عَلَى تَرْكِهِ، وَلِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ نُقِلَ عَنْهُ فِي ابْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ: إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ يُعِيدُ.
وَلَعَلَّ أَحْمَدَ، رحمه الله أَمَرَ بِذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» . وَلِأَنَّهُ صَبِيٌّ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ ضَعِيفُ الْعَقْلِ وَالْبِنْيَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ يَضْبِطُ الْحَدَّ الَّذِي تَتَكَامَلُ فِيهِ بِنْيَتُهُ وَعَقْلُهُ، فَإِنَّهُ يَتَزَايَدُ تَزَايُدًا خَفِيَّ التَّدْرِيجِ، فَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَالْبُلُوغُ ضَابِطٌ لِذَلِكَ، وَلِهَذَا تَجِبُ بِهِ الْحُدُودُ، وَتُؤْخَذُ بِهِ الْجِزْيَةُ مِنْ الذِّمِّيِّ إذَا بَلَغَهُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ، فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلَغَ، وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِابْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَلَوْ أَرَادَ مَا قَالُوا لَمَا اُخْتُصَّ بِابْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ دُونَ غَيْرِهِ. وَهَذَا التَّأْدِيبُ هَاهُنَا لِلتَّمْرِينِ وَالتَّعْوِيدِ، كَالضَّرْبِ عَلَى تَعَلُّمِ الْخَطِّ وَالْقُرْآنِ وَالصِّنَاعَةِ وَأَشْبَاهِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ يَعْتَبِر لِصَلَاةِ الصَّبِيّ مِنْ الشُّرُوط مَا يَعْتَبِر فِي صَلَاة الْبَالِغ]
(856)
فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ لِصَلَاةِ الصَّبِيِّ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يُعْتَبَرُ فِي صَلَاةِ الْبَالِغِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ غَيْرِ الْحَائِضِ بِغَيْرِ الْخِمَارِ.
[مَسْأَلَة سُجُودُ الْقُرْآن أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَجْدَة]
(857)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَسُجُودُ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ عَزَائِمَ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ فِي الْمُفَصَّلِ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ. وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقُ،، وَعَنْ أَحْمَدَ، رحمه الله، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً مِنْهَا سَجْدَةُ (ص) . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ، وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ» . وَقَالَ مَالِكٌ، فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: عَزَائِمُ السُّجُودِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمَالِكٍ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ
أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: «سَجَدْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إحْدَى عَشْرَةَ لَيْسَ فِيهَا مِنْ الْمُفَصَّلِ شَيْءٌ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ، قَالَ:«صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ، فَقَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] . فَسَجَدَ، فَقُلْت: مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ؟ قَالَ: سَجَدْت بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ» .
رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْأَثْرَمُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:«سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] /وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] » وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ، فَسَجَدَ فِيهَا، وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ إلَّا سَجَدَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد.
وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ. ثُمَّ إنَّ تَرْكَ السُّجُودِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَالسُّجُودَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَسْنُونٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ أَبُو دَاوُد إسْنَادُهُ وَاهٍ. ثُمَّ لَا دَلَالَةَ فِيهِ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُجُودُ غَيْرِ الْمُفَصَّلِ إحْدَى عَشْرَةَ فَيَكُونَ مَعَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.
(858)
فَصْلٌ: فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لَيْسَتْ " ص " مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ مِنْ الْعَزَائِمِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعُثْمَانَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ فِيهَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِيهَا. وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَجَدَ فِيهَا. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ:«قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ص فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ، فَسَجَدَ، وَسَجَدُوا» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِي ص، وَقَالَ: سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً، وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا» . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ " ص " مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِيهَا، فَيَكُونُ سُجُودًا لِلشُّكْرِ، كَمَا بَيَّنَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(859)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فِي الْحَجِّ مِنْهَا سَجْدَتَانِ) وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَمِمَّنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو مُوسَى، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَزِرٌّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ،