الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاق فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] . يَعْنِي مُسَافِرِينَ لَا يَجِدُونَ مَاءً، فَيَتَيَمَّمُونَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَلْبَثُ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ.
وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ فَوَجَبَ التَّيَمُّمُ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا، كَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ مَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ. قُلْنَا: إلَّا أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فِي إبَاحَةِ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ.
[فَصْل حُكْم اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْجَنْبِ إذَا تَوَضَّأَ]
(198)
فَصْلٌ: إذَا تَوَضَّأَ الْجُنُبُ فَلَهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ؛ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَحَدَّثُونَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ جُنُبًا فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَدْخُلُ، فَيَتَحَدَّثُ. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ خَفَّ حُكْمُ الْحَدَثِ، فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَدَلِيلُ خِفَّتِهِ أَمْرُ النَّبِيِّ الْجُنُبَ بِهِ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ، وَاسْتِحْبَابُهُ لِمَنْ أَرَادَ الْأَكْلَ وَمُعَاوَدَةَ الْوَطْءِ.
فَأَمَّا الْحَائِضُ إذَا تَوَضَّأَتْ فَلَا يُبَاحُ لَهَا اللُّبْثُ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهَا لَا يَصِحُّ.
[مَسْأَلَة لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا طَاهِرٌ]
(199)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا طَاهِرٌ يَعْنِي طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ جَمِيعًا. رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُمْ إلَّا دَاوُد فَإِنَّهُ أَبَاحَ مَسَّهُ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ فِي كِتَابِهِ آيَةً إلَى قَيْصَرَ.» وَأَبَاحَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ مَسَّهُ بِظَاهِرِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ آلَةَ الْمَسِّ بَاطِنُ الْيَدِ، فَيَنْصَرِفُ النَّهْيُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] . وَفِي «كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو
بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ.» وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ، فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي كَتَبَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّمَا قَصَدَ بِهَا الْمُرَاسَلَةَ، وَالْآيَةُ فِي الرِّسَالَةِ أَوْ كِتَابِ فِقْهٍ أَوْ نَحْوِهِ لَا تَمْنَعُ مَسَّهُ، وَلَا يَصِيرُ الْكِتَابُ بِهَا مُصْحَفًا، وَلَا تَثْبُتُ لَهُ حُرْمَتُهُ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّهُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَسَدِهِ، فَأَشْبَهَ يَدَهُ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِبَاطِنِ الْيَدِ؛ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَاقَى شَيْئًا فَقَدْ مَسَّهُ. (200) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ وَأَبِي وَائِلٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْمُصْحَفَ بِعَلَّاقَتِهِ وَلَا فِي غِلَافِهِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ؛ وَلِيس ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُدَنِّسُهُ، وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْدِثٌ قَاصِدٌ لِحَمْلِ الْمُصْحَفِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ حَمَلَهُ مَعَ مَسِّهِ.
وَلَنَا: أَنَّهُ غَيْرُ مَاسٍّ لَهُ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ حَمَلَهُ فِي رَحْلِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَسَّ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ بِمَسٍّ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّهْيُ، وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ مَسُّهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ، وَالْحَمْلُ لَا أَثَرَ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ حَمَلَهُ بِعَلَّاقَةٍ أَوْ بِحَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِمَّا لَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ، جَازَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ.
وَوَجْهُ الْمَذْهَبَيْنِ مَا تَقَدَّمَ. وَيَجُوزُ تَقْلِيبُهُ بِعُودٍ وَمَسُّهُ بِهِ، وَكَتْبُ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ، وَفِي تَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ رِوَايَتَانِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي مَسِّ غِلَافِهِ وَحَمْلِهِ بِعَلَّاقَتِهِ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ بِنَاءً عَلَى مَسِّهِ بِكُمِّهِ. وَالصَّحِيحُ: جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَسَّهُ، وَالْحَمْلُ لَيس بِمَسٍّ.
(201)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا، وَالرَّسَائِلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى قَيْصَرَ كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ؛ وَلِأَنَّهَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ مُصْحَفٍ، وَلَا تَثْبُتُ لَهَا حُرْمَتُهُ. وَفِي مَسِّ صِبْيَانِ الْكَتَاتِيبِ أَلْوَاحَهُمْ الَّتِي فِيهَا الْقُرْآنُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَلَوْ اشْتَرَطْنَا الطَّهَارَةَ أَدَّى إلَى تَنْفِيرِهِمْ عَنْ حِفْظِهِ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ الْآيَةِ. وَفِي الدَّرَاهِمِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ وَالْقَاسِمُ وَالشَّعْبِيُّ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا، فَأَشْبَهَتْ الْوَرَقَ. وَالثَّانِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُصْحَفِ، فَأَشْبَهَتْ كُتُبَ الْفِقْهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الِاحْتِرَازِ مِنْهَا مَشَقَّةٌ، أَشْبَهْت أَلْوَاحَ الصِّبْيَانِ.
(202)
فَصْلٌ: وَإِنْ احْتَاجَ الْمُحْدِثُ إلَى مَسِّ الْمُصْحَفِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، تَيَمَّمَ، وَجَازَ مَسُّهُ. وَلَوْ غَسَلَ الْمُحْدِثُ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مَسُّهُ بِهِ قَبْلَ إتْمَامِ وُضُوئِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَهِّرًا إلَّا بِغَسْلِ الْجَمِيعِ.
(203)
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْمُسَافَرَةُ بِالْمُصْحَفِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ.»