الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهِيَ مَكْشُوفَةٌ عَادَةً، بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَإِنْ أَخَلَّ بِالسُّجُودِ بِعُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، سَجَدَ عَلَى بَقِيَّتِهَا، وَقَرَّبَ الْعُضْوَ الْمَرِيضَ مِنْ الْأَرْضِ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ؛ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ السُّجُودَ هُوَ الْهُبُوطُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمَسْجُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَقَطَ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ، لِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ، فَإِذَا سَقَطَ الْأَصْلُ سَقَطَ التَّبَعُ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَرِيضِ يَرْفَعُ إلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ: إنَّهُ يُجْزِئُهُ.
(719)
فَصْلٌ: وَفِي الْأَنْفِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ؛ الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِشَارَتُهُ إلَى أَنْفِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُ، وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» .
وَرَوَى عِكْرِمَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا تُصِيبُ الْجَبْهَةُ.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَادِ مُتَّصِلًا، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» .
وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَنْفَ فِيهَا، وَرُوِيَ أَنَّ جَابِرًا قَالَ:«رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بِأَعْلَى جَبْهَتِهِ عَلَى قِصَاصِ الشَّعَرِ.» رَوَاهُ تَمَّامٌ، فِي " فَوَائِدِهِ "، وَغَيْرُهُ، وَإِذَا سَجَدَ بِأَعْلَى الْجَبْهَةِ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْأَنْفِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ إنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ جَبْهَتِهِ، أَجْزَأَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ عُضْوٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَكَرَ الْجَبْهَةَ أَشَارَ إلَى أَنْفِهِ، وَالْعُضْوُ الْوَاحِدُ يُجْزِئُهُ السُّجُودُ عَلَى بَعْضِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَالْإِجْمَاعَ الَّذِي قَبْلَهُ، فَلَا يَصِحُّ.
[فَصْلٌ إذَا سَجَدَ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ ذَيْلِهِ]
(720)
فَصْلٌ: وَلَا تَجِبُ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ قَالَ الْقَاضِي: إذَا سَجَدَ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ أَوْ كُمِّهِ
أَوْ ذَيْلِهِ، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرَخَّصَ فِي السُّجُودِ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ الْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ. وَسَجَدَ شُرَيْحٌ عَلَى بُرْنُسِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجِبُ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِشَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ إلَّا الْجَبْهَةَ، فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ، قَالَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ السُّجُودِ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ؟ فَقَالَ: لَا يَسْجُدُ عَلَى كُورِهَا، وَلَكِنْ يَحْسُرُ الْعِمَامَةَ.
وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ:«شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا. فَلَمْ يُشْكِنَا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى مَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ، أَشْبَهَ مَا إذَا سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ. وَلَنَا مَا رَوَى أَنَسٌ، قَالَ:«كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الصَّامِتِ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ مُلْتَفٌّ بِهِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ، يَقِيهِ بَرْدَ الْحَصَى» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَرَأَيْته وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى قَرْنِهِ إذَا سَجَدَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَرُوِيَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ سَجَدَ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ» ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَيَدُهُ فِي كُمِّهِ. وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، فَجَازَ السُّجُودُ عَلَى حَائِلِهِ، كَالْقَدَمَيْنِ. فَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ، أَوْ تَسْقِيفَ الْمَسْجِدِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا يُزِيلُ عَنْهُمْ ضَرَرَ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ، أَمَّا الرُّخْصَةُ فِي السُّجُودِ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا طَلَبَهُ الْفُقَرَاءُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَمَائِمُ، وَلَا أَكْمَامٌ طِوَالٌ يَتَّقُونَ بِهَا الرَّمْضَاءَ، فَكَيْفَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ الرُّخْصَةَ فِيهَا؟ وَلَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ، فَلَمْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ؟ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي الْأَكُفِّ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَشْفُهُمَا.
قَالَ: وَقَدْ قِيلَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، إنَّهُ يَجِبُ. وَإِنْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يَصِحَّ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، فَالسُّجُودُ يُؤَدِّي إلَى تَدَاخُلِ السُّجُودِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ ": لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا