الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ. فَقَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ قَالَ: هَذَا لِلَّهِ. فَمَا لِي؟ قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَارْزُقْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي» .
وَلَا يَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسِ الْأُوَلِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اقْتَصَرَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا زَادَهُ عَلَيْهَا حِينَ طَلَبَ الزِّيَادَةَ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ كَلِمَتَيْنِ، حَتَّى تَكُونَ مَقَامَ سَبْعِ آيَاتٍ. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ ذَلِكَ جَوَابًا لِقَوْلِهِ: عَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي.
وَالسُّؤَالُ كَالْمُعْتَادِ فِي الْجَوَابِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُجْزِئُكَ هَذَا. وَتُفَارِقُ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ كُلَّهَا، قَالَ مَا يُحْسِنُ مِنْهَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ تَكْرَارُ مَا يُحْسِنُ مِنْهَا بِقَدْرِهَا، كَمَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ التَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَهَلِّلْهُ، وَكَبِّرْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
[مَسْأَلَة التَّأْمِينَ عِنْد فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاة]
(676)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا قَالَ: وَلَا الضَّالِّينَ، قَالَ: آمِينَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ التَّأْمِينَ عِنْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ سُنَّةٌ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: لَا يَحْسُنْ التَّأْمِينُ لِلْإِمَامِ؛ لِمَا رَوَى مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ» . وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقُولُهَا. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَالَ: وَلَا الضَّالِّينَ. قَالَ: آمِينَ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ. وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
، وَقَدْ قَالَ بِلَالٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ) . وَحَدِيثُهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ تَعْرِيفُهُمْ مَوْضِعَ تَأْمِينِهِمْ، وَهُوَ عَقِيبَ قَوْلِ الْإِمَامِ:(وَلَا الضَّالِّينَ) . لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَأْمِينِ الْإِمَامِ، لِيَكُونَ تَأْمِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُوَافِقًا لِتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُصَرَّحًا بِهِ، كَمَا قُلْنَا، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فِي " مُسْنَدِهِ ". عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا الضَّالِّينَ. فَقُولُوا: آمِينَ. فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ. وَالْإِمَامُ يَقُولُ: آمِينَ. فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ:(إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ) .
يَعْنِي إذَا شَرَعَ فِي التَّأْمِينِ
(677)
فَصْلٌ: وَيُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِخْفَاؤُهَا فِيمَا يُخْفِي فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: يُسَنُّ إخْفَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ. فَاسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ كَالتَّشَهُّدِ.
وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آمِينَ. وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالتَّأْمِينِ عِنْدَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ، فَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ لَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ، كَحَالَةِ الْإِخْفَاءِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِآخِرِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ دُعَاءٌ وَيُجْهَرُ بِهِ، وَدُعَاءُ التَّشَهُّدِ تَابِعٌ لَهُ. فَيَتْبَعُهُ فِي الْإِخْفَاءِ، وَهَذَا تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ فَيَتْبَعُهَا فِي الْجَهْرِ.
فَصْلٌ: فَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ؛ لِيُذَكِّرَ الْإِمَامَ، فَيَأْتِيَ بِهِ، لِأَنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلِيَّةٌ إذَا تَرَكَهَا الْإِمَامُ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ، كَالِاسْتِعَاذَةِ، وَإِنْ أَخْفَاهَا الْإِمَامُ جَهَرَ بِهَا الْمَأْمُومُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ تَرَكَ التَّأْمِينَ نِسْيَانًا، أَوْ عَمْدًا، حَتَّى شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ، لَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا.
(679)
فَصْلٌ: فِي " آمِينْ " لُغَتَانِ: قَصْرُ الْأَلِفِ، وَمَدُّهَا، مَعَ التَّخْفِيفِ فِيهِمَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
تَبَاعَدَ مِنِّي فُطْحُلٌ إذْ دَعْوَتُهُ
…
أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا
وَأَنْشَدُوا فِي الْمَمْدُودِ:
يَا رَبِّ لَا تَسْلُبَنِّي حُبَّهَا أَبَدًا
…
وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا
وَمَعْنَى " آمِينَ " اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِي. قَالَهُ الْحَسَنُ.
وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عز وجل. وَلَا يَجُوزُ التَّشْدِيدُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يُحِيلُ مَعْنَاهَا، فَيَجْعَلُهُ بِمَعْنَى قَاصِدِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] .
(680)
فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ عَقِيبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ سَكْتَةً يَسْتَرِيحُ فِيهَا، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَنْ خَلْفَهُ الْفَاتِحَةَ، كَيْ لَا يُنَازِعُوهُ فِيهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ، سَمُرَةَ، حَدَّثَ، أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَكْتَتَيْنِ؛ سَكْتَةً إذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ، فَكَتَبَا فِي ذَلِكَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إلَيْهِمَا، أَنَّ سَمُرَةَ قَدْ حَفِظَ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ، فَاغْتَنِمُوا فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ.