الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَبِيبَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّمِ؟ فَقَالَ لَهَا «اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُك حَيْضَتُك، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَصَلِّي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي «الْمُسْتَحَاضَةِ: تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الْعَادَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهَا.
[فَصْلٌ الْعَادَةُ فِي الْحَيْضِ لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ]
(456)
فَصْلٌ: وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي اسْتَفْتَتْ لَهَا أَمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا إلَى الشَّهْرِ الَّذِي يَلِي شَهْرَ الِاسْتِحَاضَةِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَيْهَا، فَوَجَبَ رَدُّهَا إلَيْهِ، وَلَنَا أَنَّ الْعَادَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ، وَلَا تَحْصُلُ الْمُعَاوَدَةُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ «لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا» .
" وَكَانَ " يُخْبَرُ بِهَا عَنْ دَوَامِ الْفِعْلِ وَتَكْرَارِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مَرَّةً: كَانَ يَفْعَلُ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» . وَالْأَقْرَاءُ جَمْعٌ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَادَةِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا، وَلَا نَفْهَمُ مِنْ اسْمِ الْعَادَةِ فِعْلَ مَرَّةٍ بِحَالٍ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ: هَلْ تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ؟ فَعَنْهُ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ، وَقَدْ عَاوَدْتهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ. وَعَنْهُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثٍ؛ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى مَا كَثُرَ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُعْتَبَرُ لَهُ التَّكْرَارُ اُعْتُبِرَ ثَلَاثًا، كَأَيَّامِ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ.
[فَصْلٌ تَثْبُتُ الْعَادَةُ فِي الْحَيْضِ بِالتَّمْيِيزِ]
(457)
فَصْلٌ: وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ، فَإِذَا رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ صَارَ، أَحْمَرَ، وَاتَّصَلَ، ثُمَّ صَارَ فِي سَائِرِ الْأَشْهُرِ دَمًا مُبْهَمًا، كَانَتْ عَادَتُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ.
[فَصْلٌ الْعَادَةُ فِي الْحَيْضِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُتَّفِقَةٍ وَمُخْتَلِفَةٍ]
(458)
فَصْلٌ: وَالْعَادَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُتَّفِقَةٍ، وَمُخْتَلِفَةٍ، فَالْمُتَّفِقَةُ أَنْ تَكُونَ أَيَّامًا مُتَسَاوِيَةً، كَأَرْبَعَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِذَا اُسْتُحِيضَتْ جَلَسَتْ الْأَرْبَعَةَ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى تَرْتِيبٍ، مِثْلُ إنْ كَانَتْ تَرَى فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي أَرْبَعَةً، وَفِي الثَّالِثِ خَمْسَةً، ثُمَّ تَعُودُ إلَى ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ إلَى أَرْبَعَةٍ عَلَى مَا كَانَتْ، فَهَذِهِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ فِي شَهْرٍ فَعَرَفَتْ نَوْبَتَهُ عَمِلَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَلَى الَّذِي بَعْدَهُ، ثُمَّ عَلَى الَّذِي بَعْدَهُ عَلَى الْعَادَةِ.
وَإِنْ نَسِيَتْ نَوْبَتَهُ حَيَّضْنَاهَا الْيَقِينَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتُصَلِّي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ. وَإِنْ أَيْقَنَتْ أَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَشَكَّتْ؛ هَلْ هُوَ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثُ؟ جَلَسَتْ أَرْبَعَةً؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، ثُمَّ تَجْلِسُ مِنْ الشَّهْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، ثُمَّ تَجْلِسُ فِي الرَّابِعِ أَرْبَعَةً ثُمَّ تَعُودُ إلَى الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ أَبَدًا، وَيُجْزِئُهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي جَلَسَتْهَا، كَالنَّاسِيَةِ إذَا جَلَسَتْ أَقَلَّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْيَقِينِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا نُوجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلَ بِالشَّكِّ، وَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ الْغُسْلِ عَلَيْهَا أَيْضًا عِنْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ عَادَتِهَا؛ لِأَنَّ يَقِينَ الْحَيْضِ ثَابِتٌ، وَحُصُولُ الطَّهَارَةِ بِالْغُسْلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا تَزُولُ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ مُتَيَقِّنَةٌ وُجُوبَ الْغُسْلِ عَلَيْهَا فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهَا، وَصِحَّةُ صَلَاتِهَا تَقِفُ عَلَى الْغُسْلِ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِتَخْرُجَ عَلَى الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا.
وَهَذَا الْوَجْهُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَتُفَارِقُ النَّاسِيَةَ، فَإِنَّهَا لَا تَعْلَمُ لَهَا حَيْضًا زَائِدًا عَلَى مَا جَلَسَتْهُ، وَهَذِهِ تَتَيَقَّنُ لَهَا حَيْضًا زَائِدًا عَلَى مَا جَلَسَتْهُ تَقِفُ صِحَّةُ صَلَاتِهَا عَلَى غُسْلِهَا مِنْهُ، فَوَجَبَ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا غُسْلٌ ثَانٍ، عَقِيبَ الْيَوْمِ الْخَامِسِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنْ جَلَسَتْ فِي رَمَضَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَضَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ كَانَ فِي ذِمَّتِهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ صَامَتْهُمَا أَسْقَطَا الْفَرْضَ مِنْ ذِمَّتِهَا، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ: غُسْلٌ عَقِبَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَغُسْلٌ عَقِبَ الرَّابِعِ، وَغُسْلٌ عَقِبَ الْخَامِسِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا عَقِيبَ الرَّابِعِ غُسْلًا فِي أَحَدِ الْأَشْهُرِ، وَكُلُّ شَهْرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الشَّهْرَ الَّذِي يَجِبُ الْغُسْلُ فِيهِ بَعْدَ الرَّابِعِ، فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِي الْخَامِسِ.
وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبٍ، مِثْلُ أَنْ تَحِيضَ مِنْ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَمِنْ الثَّانِي خَمْسَةً، وَمِنْ الثَّالِثِ أَرْبَعَةً، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَيَعْتَادُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَلِفُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَضْبُوطٍ، جَلَسَتْ الْأَقَلَّ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَقَلُّ مِنْهَا، وَاغْتَسَلَتْ عَقِيبَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ، أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةً ثَانِيَةً، وَهِيَ إجْلَاسُهَا أَكْثَرَ عَادَتِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ، كَالنَّاسِيَةِ لِلْعَدَدِ، تَجْلِسُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ، إذْ فِيهِ أَمْرُهَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَإِسْقَاطُهَا عَنْهَا مَعَ يَقِينِ وُجُوبِهَا عَلَيْهَا، فَإِنَّنَا مَتَى أَمَرْنَاهَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ وُجُوبَهَا عَلَيْهَا، فِي يَوْمَيْنِ مِنْهَا فِي شَهْرٍ، وَفِي يَوْمٍ فِي شَهْرٍ آخَرَ فَقَدْ أَمَرْنَاهَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ يَقِينًا، فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ، وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ الْوَاجِبَةُ بِالِاشْتِبَاهِ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، وَفَارَقَ النَّاسِيَةَ، فَإِنَّنَا لَا نَعْلَمُ عَلَيْهَا صَلَاةً وَاجِبَةً يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيْضِ، وَسُقُوطُ الصَّلَاةِ، فَتَبْقَى عَلَيْهِ.