الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْآنِيَةِ] [
مَسْأَلَةٌ نَجَاسَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ]
(73)
مَسْأَلَةٌ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ رحمه الله:(وَكُلُّ جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ فَهُوَ نَجِسٌ) لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدَّبْغِ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَجِسٌ أَيْضًا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ يَطْهُرُ مِنْهَا جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ.
وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا هُوَ طَاهِرٌ فِي الْحَيَاةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ يَرَى طَهَارَةَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا، إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ، فَيَطْهُرُ عِنْدَهُ كُلُّ جِلْدٍ إلَّا جِلْدَهُمَا. وَلَهُ فِي جِلْدِ الْآدَمِيِّ وَجْهَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَطْهُرُ كُلُّ جِلْدٍ بِالدَّبْغِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يَطْهُرُ كُلُّ جِلْدٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَمَذْهَبُ مَنْ حَكَمَ بِطَهَارَةِ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «وَجَدَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟ قَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا.» وَفِي لَفْظٍ: «أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا نَجُسَ بِاتِّصَالِ الدِّمَاءِ وَالرُّطُوبَاتِ بِهِ بِالْمَوْتِ، وَالدَّبْغُ يُزِيلُ ذَلِكَ، فَيَرْتَدُّ الْجِلْدُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ.
وَلَنَا مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فِي " سُنَنِهِ "، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي " مُسْنَدِهِ " وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إسْنَادٌ جَيِّدٌ، يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ. وَفِي لَفْظٍ:«أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ» وَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي آخِرِ عُمُرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَفْظُهُ دَالٌّ عَلَى سَبْقِ التَّرْخِيصِ، وَأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ " كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ " وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كِتَابٍ لَا يُعْرَفُ حَامِلُهُ. قُلْنَا: كِتَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَلَفْظِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكْتُبْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى أَحَدٍ، وَقَدْ كَتَبَ إلَى مُلُوكِ الْأَطْرَافِ، وَإِلَى غَيْرِهِمْ فَلَزِمَتْهُمْ الْحُجَّةُ بِهِ، وَحَصَلَ لَهُ الْبَلَاغُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ تَلْزَمْهُمْ الْإِجَابَةُ، وَلَا حَصَلَ بِهِ بَلَاغٌ، وَلَكَانَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِجَابَة؛ لِجَهْلِهِمْ بِحَامِلِ الْكِتَابِ وَعَدَالَتِهِ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: