الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ، فَمَنْ قَدَّمَ الْعَادَةَ قَالَ: تَجْلِسُ خَمْسَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ، كَمَا كَانَتْ تَجْلِسُ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ. وَمَنْ قَدَّمَ التَّمْيِيزَ جَعَلَ حَيْضَهَا الثَّلَاثَةَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ الْأَسْوَدَ فِيهَا، إلَّا أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ إلَّا بِتَجَاوُزِ الدَّمِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَلَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا عَبَرَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ عَلِمْنَا أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ.
فَلَا تَجْلِسُ فِي الثَّانِي مَا زَادَ عَلَى الدَّمِ الْأَسْوَدِ. فَإِنْ رَأَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةً دَمًا أَسْوَدَ، ثُمَّ صَارَ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، فَمَنْ قَالَ: إنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ حَتَّى تَتَكَرَّرَ. لَمْ يُحَيِّضْهَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ إلَّا خَمْسَةً، قَدْرَ عَادَتِهَا. وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا إذَا زَادَتْ عَلَى الْعَادَةِ جَلَسَتْهُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ. أَجْلَسَهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَفِي الثَّانِي تَجْلِسُ أَيَّامَ الْعَادَةِ، وَهِيَ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُ الْعَادَةَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَمَنْ قَدَّمَ التَّمْيِيزَ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ التَّكْرَارَ، أَجْلَسَهَا الْعَشَرَةَ كُلَّهَا.
فَإِذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ، فَقَالَ الْقَاضِي: تَجْلِسُ الْعَشَرَةَ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْعَادَةِ تَثْبُتُ بِتَكَرُّرِ الْأَسْوَدِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجْلِسَ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُقَدِّمُ الْعَادَةَ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ التَّمْيِيزِ حَيْضًا بِتَكَرُّرِهِ، لَجَعَلْنَا النَّاقِصَ عَنْهَا اسْتِحَاضَةً بِتَكَرُّرِهِ، فَكَانَتْ لَا تَجْلِسُ فِيمَا إذَا رَأَتْ ثَلَاثَةً أَسْوَدَ ثُمَّ صَارَ أَحْمَرَ، أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ.
وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ (462) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسًا مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ فَاسْتُحِيضَتْ، فَصَارَتْ تَرَى خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ يَصِيرُ أَحْمَرَ، وَيَتَّصِلُ، فَالْأَسْوَدُ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِمُوَافَقَتِهِ زَمَنَ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ، وَإِنْ رَأَتْ مَكَانَ الْأَسْوَدِ أَحْمَرَ، ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ، وَعَبَرَ، سَقَطَ حُكْمُ الْأَسْوَدِ؛ لِعُبُورِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَكَانَ حَيْضُهَا الْأَحْمَرُ، لِمُوَافَقَتِهِ زَمَنَ الْعَادَةِ. وَإِنْ رَأَتْ مَكَانَ الْعَادَةِ أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ صَارَ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، فَمَنْ قَدَّمَ الْعَادَةَ حَيَّضَهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ. وَإِذَا تَكَرَّرَ الْأَسْوَدُ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَصِيرُ حَيْضًا، وَأَمَّا مَنْ يُقَدِّمُ التَّمْيِيزَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْأَسْوَدَ وَحْدَهُ حَيْضًا.
[مَسْأَلَةٌ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ تَحِيضُ فِيهَا ثُمَّ نَسِيَتْهَا]
(463)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ أُنْسِيَتْهَا، فَإِنَّهَا تَقْعُدُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي كُلِّ شَهْرٍ) هَذِهِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَهِيَ مَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ وَهَذَا الْقِسْمُ نَوْعَانِ: أَحَدَهُمَا النَّاسِيَةُ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا، أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِوَقْتِهَا وَعَدَدِهَا وَهَذِهِ يُسَمِّيهَا الْفُقَهَاءُ الْمُتَحَيِّرَةَ.
وَالثَّانِيَةُ، أَنْ تَنْسَى عَدَدَهَا، وَتَذْكُرَ وَقْتَهَا.
وَالثَّالِثَةُ، أَنْ تَذْكُرَ عَدَدَهَا، وَتَنْسَى وَقْتَهَا.
فَالنَّاسِيَةُ لَهُمَا، هِيَ الَّتِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ حُكْمَهَا، وَأَنَّهَا تَجْلِسُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، يَكُونُ ذَلِكَ حَيْضَهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ، تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَطُوفُ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَعْرِفُ شَهْرَهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ، جَلَسَتْ ذَلِكَ مِنْ شَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ شَهْرَهَا، جَلَسَتْ مِنْ الشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي النَّاسِيَةِ لَهُمَا: لَا حَيْضَ لَهَا بِيَقِينٍ، وَجَمِيعُ زَمَنِهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي وَتَصُومُ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّهَا تَجْلِسُ الْيَقِينَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهَا إلَى غَيْرِهَا، فَجَمِيعُ زَمَانِهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، لِكُلِّ صَلَاةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَنَا مَا رَوَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، قَالَتْ: كُنْت أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْتَفْتِيهِ، فَوَجَدْته فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً. فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا؟ قَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ، قَالَ: «أَنْعَتُ لَك الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ. قُلْت: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. إنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَآمُرُك أَمْرَيْنِ، أَيَّهُمَا صَنَعْت أَجْزَأَ عَنْك، فَإِنْ قَوِيت عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ، فَقَالَ إنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ فَتَحِيضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي فَإِذَا رَأَيْت أَنَّك قَدْ طَهُرْت وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُك وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، فَإِنْ قَوِيت أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ حَتَّى تَطْهُرِينَ وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَتَغْتَسِلِينَ لِلصُّبْحِ، فَافْعَلِي، وَصُومِي إنْ قَوِيت عَلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إلَيَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا.
وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يُثْبِتُ الْحُكْمَ فِي حَقِّ النَّاسِيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا، هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَوْ نَاسِيَةٌ؟ وَلَوْ افْتَرَقَ الْحَالُ لَاسْتَفْصَلَ وَسَأَلَ. وَاحْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً أَكْثَرُ، فَإِنَّ حَمْنَةَ امْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ، كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ. وَلَمْ يَسْأَلْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَمْيِيزِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى مِنْ كَلَامِهَا، مِنْ تَكْثِيرِ الدَّمِ وَصِفَتِهِ مَا أَغْنَى عَنْ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَلَمْ يَسْأَلْهَا هَلْ لَهَا عَادَةٌ فَيَرُدُّهَا إلَيْهَا؟ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ ذَلِكَ، لِعِلْمِهِ إيَّاهُ، إذْ كَانَ مُشْتَهِرًا، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ أُخْتَهَا أُمَّ حَبِيبَةَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً؛ وَلِأَنَّ لَهَا حَيْضًا لَا تَعْلَمُ قَدْرَهُ، فَيُرَدُّ إلَى غَالِبِ عَادَاتِ النِّسَاءِ، كَالْمُبْتَدَأَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، فَأَشْبَهَتْ الْمُبْتَدَأَةَ.
وَقَوْلُهُمْ: لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ. قُلْنَا: قَدْ زَالَتْ الْمَعْرِفَةُ، فَصَارَ وُجُودُهَا كَالْعَدَمِ. وَأَمَّا أَمْرُهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ، كَأَمْرِهِ لِحَمْنَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَإِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ كَانَتْ مُعْتَادَةً رَدَّهَا إلَى عَادَتِهَا، وَهِيَ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَنْكَرَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَتْهُ هِيَ.
(464)
فَصْلٌ: قَوْلُهُ: " سِتًّا أَوْ سَبْعًا " الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَدَّهَا إلَى اجْتِهَادِهَا وَرَأْيِهَا، فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى عَادَتِهَا أَوْ عَادَةِ نِسَائِهَا، أَوْ مَا يَكُونُ أَشْبَهَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ خَيَّرَهَا بَيْنَ سِتٍّ وَسَبْعٍ، لَا عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، كَمَا خُيِّرَ وَاطِئُ الْحَائِضِ بَيْنَ التَّكْفِيرِ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَرْفَ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ. وَالْأَوَّلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا مُخَيَّرَةً أَفْضَى إلَى تَخْيِيرِهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَاجِبَةً وَبَيْنَ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً، وَلَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ خِيرَةٌ بِحَالٍ.
أَمَّا التَّكْفِيرُ فَفِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ، يُمْكِنُ التَّخْيِيرُ فِيهِ بَيْنَ إخْرَاجِ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ، وَالْوَاجِبُ نِصْفُ دِينَارٍ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ. قُلْنَا: وَقَدْ يَكُونُ لِلِاجْتِهَادِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] . وَ " إمَّا "" كَأَوْ " فِي وَضْعِهَا، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَسْرَى إلَّا فِعْلُ مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ.