الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ النَّفَلَ مِنْ أَوَّلِهَا.
وَالثَّانِيَةُ، يَصِحّ؛ لِأَنَّهُ لِفَائِدَةٍ، وَهِيَ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ فِي الْجَمَاعَةِ مُضَاعَفَةً لِلثَّوَابِ، بِخِلَافِ مَنْ نَقَلَهَا لِغَيْرِ غَرَضٍ، فَإِنَّهُ أَبْطَلَ عَمَلَهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا فَائِدَةٍ.
[مَسْأَلَة تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيرِ]
(655)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَبَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَا لَمْ يَفْسَخْهَا أَجْزَأَهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيرِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ فَسَخَ نِيَّتَهُ بِذَلِكَ، لَمْ يُجْزِئْهُ. وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى هَذَا، وَفَسَّرَهُ بِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] . فَقَوْلُهُ (مُخْلِصِينَ) حَالٌ لَهُمْ فِي وَقْتِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ الْحَالَ وَصْفُ هَيْئَةِ الْفَاعِلِ وَقْتَ الْفِعْلِ، وَالْإِخْلَاصُ هُوَ النِّيَّةُ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . وَلِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْلُوَ الْعِبَادَةُ عَنْهَا، كَسَائِرِ شُرُوطِهَا.
وَلَنَا، أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَجَازَ تَقْدِيمُ نِيَّتِهَا عَلَيْهَا، كَالصَّوْمِ، وَتَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الْفِعْلِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَنْوِيًّا، وَلَا يُخْرِجُ الْفَاعِلَ عَنْ كَوْنِهِ مُخْلِصًا، بِدَلِيلِ الصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ إذَا دَفَعَهَا إلَى وَكِيلِهِ، كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ.
[مَسْأَلَة رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ]
(656)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، أَوْ إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي رَفْعِهِمَا إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ أَوْ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَبْلُغَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَالرَّفْعُ إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ؛ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ عَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَالرَّفْعُ إلَى حَذْوِ الْأُذُنَيْنِ. رَوَاهُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، وَمَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَيْلُ أَحْمَدَ إلَيَّ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إلَى أَيْنَ يَبْلُغُ بِالرَّفْعِ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَذْهَبُ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إلَى حَذْوِ أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ رُوَاةَ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَأَقْرَبُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَوَّزَ الْآخَرَ لِأَنَّ صِحَّةَ رِوَايَتِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً.
(657)
فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمُدَّ أَصَابِعَهُ وَقْتَ الرَّفْعِ، وَيَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -
كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يُفَرِّقَ أَصَابِعَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْشُرُ أَصَابِعَهُ لِلتَّكْبِيرِ» . وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، وَحَدِيثُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَيْنَاهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ مَدَّ أَصَابِعِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا: هَذَا الضَّمُّ. وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. وَهَذَا النَّشْرُ. وَمَدَّ أَصَابِعَهُ. وَهَذَا التَّفْرِيقُ. وَفَرَّقَ أَصَابِعَهُ. وَلِأَنَّ النَّشْرَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ كَنَشْرِ الثَّوْبِ، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَلَا تَفْرِيقَ فِيهِ.
(658)
فَصْلٌ: وَيَبْتَدِئُ رَفْعَ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، وَيَكُونُ انْتِهَاؤُهُ مَعَ انْقِضَاءِ تَكْبِيرِهِ، وَلَا يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيرُ حَطَّ يَدَيْهِ، فَإِنْ نَسِيَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ، لَمْ يَرْفَعْهُمَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا.
وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّ مَحِلَّهُ بَاقٍ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُ يَدَيْهِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى رَفَعَهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُمَا إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَزِيَادَةٍ مَغْلُوبٍ عَلَيْهَا. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ جَمِيعِهِ.
(659)
فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ فِي ثَوْبِهِ، رَفَعَهُمَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ؛ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ:«أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الشِّتَاءِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابَهُ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ فِي الصَّلَاةِ» . وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ فِي زَمَانٍ فِيهِ بَرْدٌ شَدِيدٌ فَرَأَيْتُ النَّاسَ عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ، تَتَحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ تَحْتَ الثِّيَابِ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَةٍ؛ فَرَأَيْتُهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَى صُدُورِهِمْ.
(660)
فَصْلٌ: وَالْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ لَا تَفْرِيقَ فِيهَا.
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ إحْدَاهُمَا، تَرْفَعُ؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَحَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَتَا تَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَلِأَنَّ مَنْ شُرِعَ فِي حَقِّهِ التَّكْبِيرُ شُرِعَ فِي حَقِّهِ الرَّفْعُ كَالرَّجُلِ، فَعَلَى هَذَا تَرْفَعُ قَلِيلًا. قَالَ أَحْمَدُ: رَفْعٌ دُونَ الرَّفْعِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُشْرَعُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّجَافِي، وَلَا يُشْرَعُ ذَلِكَ لَهَا، بَلْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَائِرِ صَلَاتِهَا.