الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ» . وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ؛ وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ، فَكَانَ مُحَرَّمًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] فَلَمْ يَطْهُرْ بِالدَّبْغِ كَاللَّحْمِ؛ وَلِأَنَّهُ حَرُمَ بِالْمَوْتِ، فَكَانَ نَجِسًا كَمَا قَبْلَ الدَّبْغِ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ إنَّمَا نَجِسَ لِاتِّصَالِ الدِّمَاءِ وَالرُّطُوبَاتِ بِهِ، غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لِذَلِكَ لَمْ يَنْجُسْ ظَاهِرُ الْجِلْدِ، وَلَا مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسِيُّ وَالْوَثَنِيُّ، وَلَا مَا قُدَّ نِصْفَيْنِ، وَلَا مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ؛ لِعَدَمِ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ، وَلَوَجَبَ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الصَّيْدِ الَّذِي لَمْ تَنْسَفِحْ دِمَاؤُهُ وَرُطُوبَاتُهُ. ثُمَّ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ يَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْعَظْمِ؟ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُطَهِّرُ جِلْدَ الْكَلْبِ وَهُوَ نَجِسٌ فِي الْحَيَاةِ. (74) فَصْلٌ: هَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ» وَقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَانْتَفَعُوا بِهِ» .
وَفِي لَفْظٍ: «أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ؛» وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم، لَمَّا فَتَحُوا فَارِسَ، انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، أَشْبَهَ الِاصْطِيَادَ بِالْكَلْبِ، وَرُكُوبَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ.
[فَصْلٌ دَبْغُ جُلُودِ السِّبَاعِ]
(75)
فَصْلٌ: فَأَمَّا جُلُودُ السِّبَاعِ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا بَعْدَهُ. وَبِذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، كَرَاهِيَةُ الصَّلَاةِ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ، وَكَرِهَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمُ، وَمَكْحُولٌ، وَإِسْحَاقُ وَكَرِهَ الِانْتِفَاعَ بِجُلُودِ السَّنَانِيرِ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ. وَرَخَّصَ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ جَابِرٌ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَعُرْوَةَ أَنَّهُمْ رَخَّصُوا فِي الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ النُّمُورِ، وَرَخَّصَ فِيهَا الزُّهْرِيُّ وَأَبَاحَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ: لِأَنَّ الثَّعَالِبَ تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ، فَكَانَتْ مُبَاحَةً، وَلِمَا ثَبَتَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ. وَلَنَا: مَا رَوَى أَبُو رَيْحَانَةَ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ.» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ، وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ افْتِرَاشِ جُلُودِ السِّبَاعِ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ «صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ.» مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءِ مِنْ الْمَيْتَةِ.