الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السابع
في الحقيقة
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
الحقيقة هي: اللفظ المستعمل في موضوعه الأصلي كالأسد يطلق على الحيوان المفترس.
* * *
المسألة الثانية:
أقسام الحقيقة هي:
القسم الأول: حقيقة لغوية وضعية، وهي: الثابتة بالوضع اللغوي.
أي: أن يضع الواضع لفظاً لمعنى إذا أطلق ذلك اللفظ فُهم ذلك المعنى الموضوع له، مثل لفظ " الأسد " يفهم منه الحيوان المفترس فلا ينقدح في الذهن - عند إطلاقه - إلا هذا المعنى، فيكون حقيقة، وهذا هو المقصود بالحقيقة، وهي الأسبق إلى الذهن من الحقيقة العرفية والشرعية.
القسم الثاني: حقيقة عرفية وهي: قول خُصَّ في العُرف ببعض مسمَّياته وإن كان وضعها للجميع حقيقة، وهي:
إما أن يكون للاسم معنيان، فيستعمله أهل اللغة لمعنى واحد فقط دون الآخر أو يخصصونه به، ويعرف بينهم، مثل لفظ " الدابة "، فإنه خصِّص في العرف للفرس ولكل ذات حافر، مع أنه يطلق في اللغة على كل ما يدب على الأرض.
وإما إن يشيع استعمال الاسم في غير ما وضع له أصلاً بحيث لا ينكره أحد، كلفظ " الغائط " فإنه يطلق لغة على المطمئن والمنخفض من الأرض، ثم استعمل عرفاً في الخارج المستقذر من الإنسان، وهذا الاستعمال وإن كان مجازاً إلا أنه اشتهر وشاع حتى صار هو المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق، ونُسي الأول.
القسم الثالث: حقيقة شرعية، وهي: اللفظ المستعمل في الشريعة على غير ما كان عليه في وضع اللغة، كالصلاة - مثلاً - فإنها في اللغة: الدعاء، فاستعمل هذا اللفظ في الشريعة على الأقوال والأفعال المخصوصة، فصارت حقيقة فيها.
والشارع نقل لفظ " الصلاة " وغيرها كالصوم، والزكاة، والحج عن مسمياتها ومعانيها اللغوية إلى معانِ أخر بينها وبين تلك المسمَّيات - بحسب اللغة - مناسبة معتبرة، واشتهرت بعد أن كانت لغوية، فصارت حقائق شرعية.
فالصلاة لغة: الدعاء، والزكاة لغة: النماء، والصوم لغة: الإمساك، والحج لغة: القصد، فنقل الشارع هذه الألفاظ من معانيها اللغوية السابقة واستعملها في معان أُخر شرعية، وليس هذا نقلاً مطلقاً، بل مع وجود علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي.
دل على ذلك: الاستقراء والتتبع للألفاظ الشرعية التي
استعملها الشارع، حيث إنه ثبت - بعد هذا الاستقراء - أن الشارع قد استعمل لفظ " الحج " و " الصوم " و " الإيمان " و " الزكاة " و " الصلاة " في معان لها علاقة بمعناها اللغوي - كما سبق بيانه - وثبت أنه ليس نقلاً كلياً للفظ، بل يوجد ارتباط بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي.
وبناء على ذلك: فإن تلك الألفاظ - وهي: الصلاة والزكاة ونحوها - إذا وجدت في كلام الشارع مجردة عن القرينة، تحمل على الحقيقة الشرعية دون اللغوية، ويكون المعنى واضحاً لا إجمال فيه.