الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب العشرون
في المنطوق
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
المنطوق هو: ما دل عليه اللفظ في محل النطق، أي: أن يكون حكماً للمذكور وحالاً من أحواله سواء ذكر ذلك الحكم ونطق به أو لا، مثل: وجوب الزكاة في الغنم السائمة الذي دل عليه منطوق قوله صلى الله عليه وسلم: " في سائمة الغنم الزكاة ".
* * *
المسألة الثانية:
ينقسم المنطوق إلى قسمين:
القسم الأول: منطوق صريح وهو: دلالة اللفظ على الحكم بطريق المطابقة أو التضمن.
مثاله قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، حيث دل هذا اللفظ بمنطوقه الصريح على نفي المماثلة بين البيع والربا، فالبيع جائز والربا حرام.
القسم الثاني: منطوق غير صريح وهو: دلالة اللفظ على الحكم بطريق الالتزام، أي: أن اللفظ لم يوضع لذلك الحكم أصالة، بل لزم مما وضع له.
مثاله: قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فالحكم المنطوق به صراحة هو: أن نفقة الوالدات من رزق وكسوة واجبة على الاباء، فهذا هو المتبادر من صريح اللفظ، ولكن الآية دلت بالالتزام على أن النسب يكون للأب، لا للأم، وعلى أن نفقة الولد على الأب، دون الأم.
* * *
المسألة الثالثة:
ينقسم المنطوق غير الصريح إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: اقتضاء النص، وهي دلالة الاقتضاء، وهي: دلالة اللفظ على معنى لازم مقصود للمتكلم يتوقف عليه صدق الكلام، أو صحته العقلية، أو صحته الشرعية، وهذا القسم أنواع:
النوع لأول: ما يتوقف عليه صدق الكلام، أي: ما وجب تقديره ضرورة صدق الكلام، فلولا تقديره لكان الكلام كذباً ومخالفاً للواقع والحقيقة.
مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "، فإن ظاهر هذا يدل على أن الخطأ والنسيان والإكراه قد وضع عن الأمة أو أنها لا تقع فيها، وهذا غير صحيح، حيث إنه لا يطابق الواقع، حيث إنه يقع من الأمة الخطأ والنسيان والإكراه؛ لأن الأمة ليست معصومة.
وما دام أن الرسول لا يخبر إلا صدقاً فلا بد إذن - لأجل أن يكون الكلام صدقاً - من تقدير محذوف، فتعين أن نقدر شيئاً زائداً عن الذي استفدناه عن طريق العبارة، وهو:" الإثم " فيكون تقدير الكلام بعد هذا: " رفع عن أمتي إثم الخطأ، وإثم النسيان، وإثم ما استكرهوا عليه ".
مثله: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا صيام لمن لم يبيِّت الصيام من الليل "، والمقصود:" لا صيام صحيح "، فلا بد من تقدير ذلك؛ لأن صورة الصيام تقع.
النوع الثاني: ما توقف عليه صحة الكلام شرعاً، أي: ما وجب تقديره ضرورة تصحيح الكلام شرعاً، فتمتنع صحة الملفوظ به شرعاً بدون ذلك المقدَّر.
مثاله: قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فظاهر هذا يدل على أن المسافر يصوم عدة من أيام أخر مطلقاً، أي: سواء صام في سفره أو لم يصم، ولكن الشرع دل على أن المسافر إذا أفطر في سفره فعليه القضاء في أيام أخر، أما إذا صام في سفره فلا موجب للقضاء عليه، لذلك وجب أن نقدر شيئاً لأجل تصحيح الكلام شرعاً فنقول:" أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر ".
النوع الثالث: ما توقف عليه صحة الكلام عقلاً، أي: ما وجب تقديره لتصحيح الكلام من جهة العقل، فيمتنع وجود الملفوظ عقلاً بدون ذلك المقدر.
مثاله: قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) فإن العقل يمنع من إضافة التحريم إلى ذات الأمهات، فوجب إضمار فعل يتعلق به الحكم وهو هنا:" الوطء "؛ نظراً إلى أن العقل يقتضيه فيكون التقدير: حرم وطء أمهاتكم، كذلك قوله تعالى:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)، والمقصود: أكل الميتة، وقولك:" حرمت عليك هذه الدار " أي: دخولها.
القسم الثاني: إيماء النص، وهو دلالة الإيماء، وهي: دلالة اللفظ على لازم مقصود للمتكلم لا يتوقف عليه صدق الكلام ولا صحته عقلاً أو شرعاً، في حين أن الحكم المقترن بوصف لو لم
يكن للتعليل لكان اقترانه به غير مقبول ولا مستساغ، فذكر الحكم مقروناً بوصف مناسب يفهم منه أن علة ذلك الحكم هو ذلك الوصف.
مثاله قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)، فالشارع هنا قد أومأ إلى أن علة قطع اليد هي: السرقة.
كذلك قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)).
إيماء أن هؤلاء ما صاروا في النعيم إلا لبرهم، وهؤلاء ما صاروا في الجحيم إلا لفجورهم.
ودلالة الإيماء تتنوع إلى أنواع كثيرة، وهو من مسالك العلة، وسيأتي الكلام عنها في القياس إن شاء الله.
القسم الثالث: إشارة النص، وهي دلالة الإشارة وهي: دلالة اللفظ على لازم غير مقصود من اللفظ، لا يتوقف عليه صدق الكلام ولا صحته.
أي: ما يتبع اللفظ من غير تجريد قصد إليه، فكما أن المتكلم قد يفهم بإشارته وحركته في أثناء كلامه ما لا يدل عليه نفس اللفظ فيسمى إشارة، فكذلك قد يتبع اللفظ ما لم يقصد به، ويبنى عليه.
مثاله: قوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)، فقد دل هذا مع قوله تعالى:(وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر بدلالة الإشارة.
وهذا الحكم غير مقصود من لفظ الآيتين، بل المقصود من الآية الأولى هو: بيان حق الوالدة، لما تقاسيه من الآلام في الحمل وفي الفصال، والمقصود من الثانية هو: بيان أكثر مدة الفصال، ولكن لزم منهما: أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهذه دلالة إشارة.