الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالنبيذ، فإنه فرع والخمر أصل، لأن الجميع مسكر.
وقلنا ذلك؛ لأن الفرع هو المفتقر إلى غيره والمردود إليه، وهذا إنما يتحقق على المحل وهو النبيذ؛ حيث إنه مقيس على الخمر ومشبه به بوجه شبه، وهو الإسكار، فلولا الخمر لما عرفنا حكم النبيذ.
الثالث: العلة، وهي: الوصف المعرف للحكم.
وينبغي أن يكون هذا الوصف: ظاهراً منضبطاً مجاوزاً، مشتملاً على معنى مناسب للحكم كالإسكار بالنسبة لتحريم الخمر، والاقتيات والادخار بالنسبة لتحريم البُر، والسرقة بالنسبة لقطع اليد وهكذا.
الرابع: حكم الأصل، وهو: الحكم الشرعي الذي ورد به نص من كتاب أو سنة، أو إجماع، ويراد إثبات مثله في الفرع كحرمة الخمر؛ فإنا أثبتنا مثله في الفرع وهو النبيذ أو حرمة الربا في البُر، فإنا قد أثبتنا مثله في الفرع وهو: الأرز أو الذرة.
* * *
المسألة الثالثة:
القياس حجة
، أي: أن القياس دليل من الأدلة الشرعية المعتبرة لإثبات أحكام شرعية؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك.
بيانه: أنه ثبت عن كثير من الصحابة القول بالقياس والعمل به في الوقائع التي لا نص فيها، كقياسهم خلافة أبي بكر على الإمامة في الصلاة وقالوا في ذلك:" رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا ".
وقياس عمر رضي الله عنه في مسألة المشركة، وقياس علي حد شارب الخمر على حد القاذف؛ حيث قال:" إذا شرب سكر، وإذا شكر هذى، وإذا هذى افترى، فعليه حد المفتري "، وقياس ابن عباس الجد على ابن الابن في حجب الأخ، وقياس زيد الأخ على الجد في أن كلاً منهما يرث، وقياس ابن مسعود في مسألة المفوِّضة وغير ذلك مما لا يحصى يدل على أنهم قد استدلوا بالقياس وعملوا بما ينتج عنه، بدون أن ينكر عليهم أحد، فكان إجماعاً سكوتياً منهم على حجيته، والمجمع عليه بين الصحابة حجة يجب العمل به.
ولقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)، حيث إن الاعتبار عند أهل اللغة هو تمثيل الشيء بغيره، وإجراء حكمه عليه، ومساواته به وهذا هو القياس. فقد أمر الشارع - هنا - بالقياس، والأمر إذا تجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، إذن: القياس واجب، والوجوب يستلزم الجواز.
ولقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا)، حيث إن القياس حقيقة هو: تمثيل الشيء بالشيء، وتشبيه أحدهما بالآخر.
ولحديث معاذ وهو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قاضياً قال: " كيف تقضي إن عرض عليك قضاء؟ "، قال: بكتاب الله، قال:" فإن لم تجد "، قال: بسنة رسول الله، قال:" فإن لم تجد "، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فصوبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. وهذا يدل على جواز أخذ الأحكام عن طريق الاجتهاد، والقياس نوع من أنواع الاجتهاد، فيكون القياس دليلاً من أدلة الشرع.
ولأننا لو لم نعمل بالقياس لأدى ذلك إلى خلو أكثر الحوادث بدون أحكام؟ لقلة النصوص، وكثرة الحوادث والصور التي لا نهاية لها.
وبناء على ذلك: فإنه يقاس على البر في تحريم الربا كل شيء من الأرز والذرة بجامع الادخار والاقتيات.
وكذلك يُقاس على الفواسق الخمس التي أمر الشارع بقتلهن - وهي: الحية، والكلب العقور، والحدأة، والفأرة، والغراب الأبقع - كل ما شابهها: بجامع الإيذاء.
وكذلك يقاس على قول الرجل لزوجته: " أنت عليَّ كظهر أمي "، كل لفظ يشبه ذلك، كقوله: أنت علي كيد أمي، أو كرجلها أو نحو ذلك من تشبيه الزوجة بمن تحرم عليه فإنه يثبت به الظهار؛ قياساً على لفظ الظهار الصريح.
وكذلك إذا دخل اللبن إلى جوف الصبي - دون السنتين - عن طريق الأنف، أو صب اللبن في الحلق ودخل الجوف فإنه يثبت الرضاع، قياساً على التقام الثدي، والجامع: أن كلاً منهما يقوي العظم وُينبت اللحم.