الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع عشر
في حروف المعاني
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في " الواو " تأتي للمعاني التالية:
أولاً: أنها تأتي عاطفة، وهي لمطلق الجمع من غير إشعار بخصوصية المعية أو الترتيب. فالواو تدل على جمع المعطوف والمعطوف عليه في حكم واحد من غير ملاحظة حصولهما معاً، أو أن أحدهما قبل الآخر، فإذا وجد ترتيب أو معيَّه فإنما هو من خارج دلالة الواو؛ لأن أهل اللغة يستعملون الواو في أبنية يمتنع فيها الترتيب كقولهم:" تقاتل زيد وعمرو "، فلو كانت للترتيب لما حسن هذا، حيث لا ترتيب فيه، وكذلك قولهم:" جاء زيد وعمرو قبله "، فلو كانت للترتيب: للزم التناقض.
ولأنه لو قال قائل: " رأيت زيداً وعمراً "، فإنه يسبق إلى فهم السامع أنه رآهما معاً، ولا يسبق إلى فهمه أنه رأى زيداً قبل عمرو، وسبق الفهم يدل على الحقيقة، فلا تكون الواو للترتيب حقيقة.
وبناء على ذلك: فإن الزوج لو قال: " إن دخلت الدار وكلمت زيداً فأنت طالق "، فإنه لا يقع الطلاق حتى تدخل وتكلم، ولا فرق في أيهما المقدم.
ثانياً: أن الواو تأتي بمعنى " مع "، مثل:" سرت والليل ".
ثالثاً: أن الواو تأتي بمعني " أو "، كقوله تعالى:(فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ).
رابعاً: أن الواو تأتي للاستئناف، كقوله تعالى:(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ).
خامساً: تأتي الواو بمعنى " رب " كقول الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس. . . إلا اليعافير وإلا العيس
أي: ورب بلدة.
سادساً: تأتي الواو للقسم، كقوله تعالى:(وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)).
سابعاً: تأتي الواو بمعنى الحال، كقولك:" جاء زيد وهو يضحك ".
وإذا أطلقت الواو فإنها تكون عاطفة متضمنة مطلق الجمع، ولا تستعمل في غير ذلك من المعاني إلا بقرينة.
المسألة الثانية:
في " الفاء " تأتي للمعاني الآتية:
أولاً: أنها تأتي عاطفة، وهي للترتيب والتعقيب؛ حيث إنها تفيد لغة: إن ما بعدها ثبت له الحكم بعد ثبوته لما قبلها من غير مهلة، فإذا قلت:" جاء زيد فعمرو"، أفاد هذا: أن عمراً ثبت له المجيء بعد مجيء زيد من غير تراخ بينهما في الزمان.
والوقوع هذا دل على أنها للترتيب، ودل على أنها للتعقيب وقوعها في جواب الشرط كقولك:" إن دخلت الدار فأنت طالق "، فالطلاق يقع بعد الدخول مباشرة.
وبناء على هذا: فإنه لو قال الزوج: " إن دخلت هذه الدار فدخلت هذه الدار الأخرى فأنت طالق "، فإنه يلزم أنها لا تطلق حتى تدخل الدار الأولى قبل الثانية، فلو عكست لم تطلق؛ لأن الفاء للترتيب.
ثانياً: تأتي الفاء بمعنى " الواو "، كقول امرئ القيس:
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
والفاء عند التجرد تستعمل حقيقة في العطف والترتيب، والتعقيب، ولا تستعمل في غيره إلا بقرينة.
المسألة الثالثة:
في " ثم ": تفيد التشريك في الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه، والترتيب بينهما بمهلة كقولك:" جاء زيد ثم عمرو "، دل على ذلك الاستقراء والتتبع لكلام العرب، والاستعمال كقوله تعالى:(ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ).
وبناء على ذلك: فإنه إذا قال: " وقفت على أولادي ثم على أولادهم "، فإنه لا يستحق أحد من البطن الثاني مع وجود أحد من البطن الأول.
* * *
المسألة الرابعة:
في " أو " تأتي للمعاني التالية:
أولاً: أنها تفيد أحد الشيئين أو الأشياء، وهي تقع بين اسمين، كقولك:" جاء زيد أو عمرو "، وبين فعلين كقولك:" خُط هذا الثوب أو ابن هذا الجدار ".
ثانياً: أنها تأتي للشك، وهي المختصة بالخبر، كقولك:" جاء زيد أو عمرو "، دل على ذلك الاستقراء لكلام العرب، كقوله تعالى:(لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
ثالثاً: أنها تأتي للإباحة، كقولك:" جالس الفقهاء أو الأدباء ".
رابعاً: أنها تأتي للتخيير، وهي التي يمتنع فيه الجمع، كقولك:" تزوج هنداً أو أختها "، أما الإباحة فيجوز الجمع بينهما.
خامساً: أنها تأتي بمعنى " الواو " فتكون لمطلق الجمع، كقوله تعالى:(إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ).
سادساً: أنها تأتي للإضراب، بمعنى " بل "، كقوله تعالى:(وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147))، أي: بل يزيدون.
سابعاً: أنها تأتي بمعنى " إلا "، كقولك:" لأقتلن الكافر أو يُسلم "، أي: إلا أن يسلم.
ثامناً: أنها تأتي بمعنى " إلى "، كقولك:" لألزمنك أو تقضيني حقي ".
تاسعاً: أنها تأتي للتقسيم بين الأشياء، كقولك:" الكلمة اسم أو فعل أو حرف ".
والأصل في: " أو " هو المعنى الأول وهي: تفيد أحد الشيئين أو الأشياء، فإن كانت في أمر أفادت التخيير بينهما، وإن كانت في نهي أفادت العموم، وحظر كل واحد منهما منفرداً أو هما معاً مجتمعين، كقولك:" لا تكلم زيداً أو عمراً " ولا تفيد غير ذلك من المعاني إلا بقرينة.
وبناء على ذلك: فلو قال في النفي: " والله لا أكلم زيداً أو عمراً "، فإنه لو كلَّم واحداً منهما أو كلمهما معاً: حنث.
ولو قال في الإثبات: " والله لأدخلن هذه أو هذه الدار " برَّ بدخول إحدى الدارين.
المسألة الخامسة:
في " الباء " تأتي للمعاني التالية:
أولاً: أنها تأتي للإلصاق، وهو: إضافة الفعل إلى الاسم فيلصق به بعد ما كان لا يضاف إليه لولا دخولها، وهو قسمان:
القسم الأول: إلصاق حقيقي، كقولك:" مسحت برأسي "، و " مسكت بالقلم ".
القسم الثاني: إلصاق مجازي، كقولك:" مررت بزيد ".
ثانياً: أنها تأتي بمعنى الاستعانة، وهي: الداخلة على آلة الفعل، كقولك:" قطعت بالسكين ".
ثالثاً: تأتي بمعنى المصاحبة، وهي التي يصلح في موضعها " مع "، كقولك:" جاء زيد بسلاحه ".
رابعاً: تأتي بمعنى البدل كقوله صلى الله عليه وسلم: " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم "، أي: ما أحب أن يكون لي بديلاً عنه حمر النعم.
خامساً: تأتي بمعنى " عن " التي للمجاوزة، كقوله تعالى:(فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا).
سادساً: تأتي للقسم، كقولك:" بالله لأقومن ".
سابعاً: تأتي بمعنى " إلى "، كقولك:" قد أحسن بي "، أي: إليَّ.
ثامناً: تأتي بمعنى " على " كقوله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) أي: على قنطار.
تاسعاً: أنها تأتي بمعنى " في " الظرفية الزمانية، كقوله تعالى:(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ)، أي: وفي
الليل، والظرفية المكانية كقوله تعالى:(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) أي: في بدر.
عاشراً: أنها تأتي بمعنى السبب كقوله تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ) أي: بسبب ذنبه.
والأصل في استعمال " الباء " هو الأول وهو: أنها للإلصاق ولا تستعمل في غيره من المعاني إلا بقرينة.
* * *
المسألة السادسة:
في " اللام " وتأتي للمعاني التالية:
أولاً: تأتي للاختصاص حقيقة؛ وتستعمل للملك مجازاً؛ لأمرين:
أولهما: أن الاختصاص معنى عام لجميع موارد استعمالها.
ثانيهما: أن الملك اختصاص، وليس كل اختصاص ملكاً، أي: كل مالك مختص بملكه، مثال ذلك:" المال لزيد "، و " الباب للمسجد ".
ثانياً: أنها تأتي للملك، كقولك:" هذا المال لزيد ".
ثالثاً: أنها تأتي للاستحقاق، كقولك:" النار للكافرين " والفرق بين الاختصاص، والاستحقاق، والملك هو: أن ما صح أن يقع فيه التملك، وأضيف إليه ما ليس بمملوك له فاللام معه لام الاختصاص، كقولك:" الباب للمسجد "، أما ما لا يصح
له التملك فاللام معه لام الاستحقاق كقولك: " النار للكافرين "، أما ما عدا ذلك فاللام لام الملك.
رابعاً: أنها تأتي للتعدية، كقولك:" ما أضرب زيداً لعمر ".
خامساً: أنها تأتي للصيرورة، كقوله تعالى:(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)، أي: ليصير لهم، وهذا عند البصريين.
سادساً: أنها تأتي للتعليل، كقوله تعالى:(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا).
والفرق بينهما: أن لام التعليل تأتي للتعليل، والترتيب، أما لام الصيرورة، فليس فيها إلا الترتيب.
سابعاً: أنها تأتي بمعنى " في "، كقوله تعالى:(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)، أي: في يوم القيامة.
ثامناً: أنها تأتي بمعنى " من " كقولك: " سمعت له صراخاً " أي: منه.
تاسعاً: أنها تأتي بمعنى " على "، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة لما أرادت شراء بريرة وإعتاقها:" خذيها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق "، أي: اشترطي عليهم.
عاشراً: أنها تأتي بمعنى التمليك، كقولك:" وهبت لزيد ديناراً "، أي: ملَّكت الدينار زيداً.
حادي عشر: أنها تأتي بمعنى " إلى "، كقوله تعالى:(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)، أي: إليها.
ثاني عشر: أنها تأتي بمعنى " عند " الزمانية، كقوله تعالى:
(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)، وكقوله صلى الله عليه وسلم:" صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ".
والأصل في استعمال " اللام " أنها للاختصاص حقيقة، ولا تستعمل لأي معنى آخر من المعاني المذكورة إلا بقرينة.
* * *
المسألة السابعة:
في " في " وتأتي للمعاني الآتية:
أولاً: أنها تأتي ظرفية مكانية، كقولك:" تعلمت في الكلية، وتأتي ظرفية زمانية كقولك: " جئتك في المساء ".
ثانياً: أنها تأتي بمعنى " على "، كقوله تعالى:(وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ).
ثالثاً: أنها تأتي للسببية والتعليل، كقوله صلى الله عليه وسلم:" دخلت امرأة الجنة في هرَّة ".
رابعاً: أنها تأتي بمعنى: " إلى "، كقوله تعالى:(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ) أي: إليها.
خامساً: أنها تأتي مؤكدة - وهي: التي يفيد الكلام بدونها - كقوله تعالى: (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا)، أي: اركبوها.
سادساً: أنها تأتي بمعنى " مع "، كقوله تعالى:(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ)، أي ادخلوا مع أمم.
وتستعمل " في " للظرفية حقيقة، ولا تستعمل في غير ذلك إلا بقرينة.
المسألة الثامنة:
في " مِنْ " وتأتي للمعاني الآتية:
أولاً: إنها تأتي لابتداء الغاية في المكان وفي الزمان، كقولك في المكان:" لك من الأرض من هذا إلى هذا "، وكقولك في الزمان:" زرتك من الصباح إلى المساء ".
ثانياً: أنها تأتي للتبعيض، كقولك:" كُل من هذا الطعام ".
ثالثاً: أنها تأتي لتبيين الجنس. كقولك: " اشتريت متراً من الأرض "، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:" التمس ولو خاتماً من حديد ".
رابعاً: أنها تأتي بمعنى " على "، كقوله تعالى:(وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) أي: على القوم.
خامساً: أنها تأتي بمعنى " الباء "، كقوله تعالى:(يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) أي: بطرف.
سادساً: أنها تأتي بمعنى البدل، كقوله تعالى:(وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)) أي: بدلكم.
سابعاً: أنها تأتي بمعنى " في "، كقوله تعالى:(أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) أي: في الأرض.
ثامناً: أنها تأتي بمعنى " عند "، كقوله تعالى:(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) أي: عند الله.
تاسعاً: أنها تأتي للتعليل، كقوله تعالى:(يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ)، أي: لأجل الصواعق.
وتستعمل " مِنْ " لابتداء الغاية لكثرة استعمالها فيه، والكثرة يرجح بها، وعلى ذلك فلا تستعمل في غير ابتداء الغاية من المعاني إلا مجازاً فتحتاج إلى قرينة.