الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة التاسعة
وقفات مع حديث: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ الله: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِه أَجْرَهُ»
(1)
.
قال ابن التين: «هو سبحانه خصم لجميع الظالمين، إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح»
(2)
.
هذا الحديث اشتمل على أمور ثلاث:
الأولى: قوله في الحديث: رجل أعطى بي ثم غدر: المراد أعطى بيمينه أي عاهد عهدًا وحلف عليه بالله ثم نقضه، والغدر من الصفات الذميمة، لا يتحلى بها إلا فاقد الإيمان من كافر مشرك، ويهودي، ونصراني ومنافق، ومن أخذ صفاتهم من المسلمين.
(1)
. برقم 2227.
(2)
. فتح الباري (4/ 418).
روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»
(1)
. وقال مسلم في صحيحه: «إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ»
(2)
مكان: إذا اؤْتُمن خان.
والغادر يحمل لواء غدره يوم القيامة خزيًا وعارًا بين الخلائق، ويكفيه أن الله خصمه يوم القيامة، روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ»
(3)
. وفي رواية مسلم: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
(4)
.
والغادر يعامله الله بعكس مقصوده، فلا يتم له أمر، والجزاء من جنس العمل، لما حلف محمد الأمين للمأمون في بيت الله الحرام وهما وليا عهد طالبه جعفر بن يحيى أن يقول: خذلني الله إن خذلته، فقال ذلك ثلاث مرات، قال الفضل بن الربيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله الحرام: يا أبا العباس أجد نفسي أن أمري لا يتم، فقلت له: ولم ذلك أعز الله الأمير؟ قال: لأني
(1)
. صحيح البخاري برقم 34، وصحيح مسلم برقم 58.
(2)
. صحيح مسلم برقم 58.
(3)
. صحيح البخاري برقم 3188، وصحيح مسلم برقم 1735 واللفظ له.
(4)
. برقم 1738.
كنت أحلف وأنا أنوي الغدر، وكان كذلك لم يتم أمره
(1)
.
(2)
، ويكفي الغادر سخطًا وغضبًا أن يكون الله خصمه يوم القيامة.
الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل باع حرًا فأكل ثمنه» : قال ابن حجر رحمه الله: «خص الأكل بالذكر لأنه أعظم مقصود»
(3)
(4)
.
الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» : قال ابن حجر رحمه الله: «وهو في معنى من باع حرًّا فأكل ثمنه؛ لأنه استوفى منفعته بغير عوض، وكأنه أكلها؛ ولأنه استخدمه بغير أجرة وكأنه استعبده»
(5)
.
ولذلك نجد أن بعض الناس عنده أُناس يعملون عنده، إما خدم أو سائقين أو موظفين، أو غير ذلك من المهن الأخرى، ويمكث
(1)
. المستطرف (1/ 301).
(2)
. المستطرف (1/ 299).
(3)
. فتح الباري (4/ 418).
(4)
. فتح الباري (4/ 418).
(5)
. فتح الباري (4/ 418).
بعضهم أشهر أو ربما سنوات وله استحقاقات مالية من رواتبه لم تُصرف له، وربما تحايل عليه، أو هدده بإرجاعه إلى بلده إذا اشتكى إلى الجهات المختصة .. أو غير ذلك من الحيل، كل هذا سحت يأكله صاحبه سحتًا.
وعلى خلاف ذلك، فإن الله يبارك لمن وفى الأُجراء أجرهم ويخلف عليهم أفضل مما أنفقوا.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ،
…
فَقَالَ أَحَدُهم: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّه، أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ؛ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ»
(1)
.
(1)
. صحيح البخاري برقم 2272، وصحيح مسلم برقم 2743.