الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثغامة بياضًا، قال:«غَيِّرُوا هَذَا بِشَيءٍ»
(1)
، وفي رواية:«واجْتَنِبُوا السَّوَادَ»
(2)
؛ ولذلك على المسلم أن يغير هذا الشيب بالحناء والكتم، كما ورد بذلك الحديث حتى تحصل المخالفة لليهود والنصارى.
أحكام التشبه:
قد يصل التشبه بصاحبه إلى الكفر، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
قال الشنقيطي رحمه الله: «ذُكر في هذه الآية الكريمة أن من تولى اليهود والنصارى من المسلمين، فإنه يكون منهم بتوليه إياهم»
(3)
.
وبين في موضع آخر: «أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آلعمران: 28]، فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقًا، وإيضاح أن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم بقدر المداراة
(1)
. صحيح مسلم برقم (2101).
(2)
. صحيح مسلم برقم (2101).
(3)
. أضواء البيان للشنقيطي (2/ 132).
التي يُكتفى بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة:
ومَنْ يَأَتِي الأُمُورَ على اضْطِّرارٍ
…
فَلَيْسَ كَمْثِلِ آتَيِهَا اخِتْيارًا
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمدًا اختيارًا رغبة فيهم أنه كافر مثلهم»
(1)
.
وقد يصل التشبه إلى البدعة، فكل من جاء بعبادة لم يأت بها الشرع فقد شابه اليهود والنصارى، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله:«وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعدهم التحذير من البدع، والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]»
(2)
. ومثال ذلك بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وقد تشبه مبتدعوها بالنصارى حذو القذة بالقذة.
ومن التشبه ما يكون كبيرة من الكبائر، مثل تهنئة الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم بأعيادهم، لما في ذلك من إعانتهم
(1)
. أضواء البيان للشنقيطي رحمه الله (2/ 133).
(2)
. رسالة للشيخ بعنوان التحذير من البدع ص 11.
وإقرارهم على ما هم عليه من الفجور والضلال.
(1)
.أهـ
ومن التشبه ما يدخل به المتشبه في المعصية للَّه ورسوله، وإن كان لا يُستطاع الجزم بوقوعه في الكبيرة، فقد روى الترمذي في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ، وَلَا بِالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ»
(2)
.
ومن التشبه ما لا يقطع بتحريمه إلا أن تركه أولى، والآثار
(1)
. أحكام أهل الذمة (1/ 144).
(2)
. برقم (2848)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن الترمذي برقم (2168).
على ذلك من السلف الصالح كثيرة جدًّا، فقد كره بعضهم الرمي بالقوس الفارسية، وكان بعضهم يكره الشرب في الكأس الذي له ساق، وكان بعضهم يكره الصمت عند الأكل حتى لا يتشبه بالأعاجم .. وغير ذلك كثير.
سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، يقول السائل: شاع في كثير من بلاد المسلمين لبس البدلة؛ ذلك اللباس المكون من جاكيت وبنطلون، وقد تقتصر الملابس على بنطلون وقميص أو فانيلا بكم أو بنصف كم في الصيف لشدة الحر، فهل لبس هذا اللباس يدخل تحت باب التشبه بغير المسلمين؟ أو لا؟
الجواب: الأصل في أنواع اللباس الإباحة؛ لأنه من أمور العادات، قال تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ويستثنى من ذلك ما دل الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال، والذي يصف العورة؛ لكونه شفافًا يُرى من ورائه لون الجلد، أو لكونه ضيقًا يحدد العورة؛ لأنه حينئذ في حكم كشفها وكشفها لا يجوز، وكالملابس التي هي من سيما الكفار الخاصة بهم، فلا يجوز لبسها لا للرجال ولا للنساء؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وكلبس الرجال ملابس النساء ولبس النساء ملابس الرجال؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال. وليس اللباس المسمى بالبنطلون والقميص مما يختص لبسه بالكفار، بل هو لباس عام في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول، وإنما تنفر النفوس من لبس ذلك في بعض البلاد لعدم الألف ومخالفة عادة سكانها في اللباس، وإن كان ذلك موافقًا لعادة غيرهم من المسلمين،
لكن الأولى بالمسلم إذا كان في بلد لم يعتد أهلها ذلك اللباس ألا يلبسه في الصلاة ولا في المجامع العامة ولا في الطرقات»
(1)
.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب الرئيس
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبدالرزاق عفيفي
…
عبدالعزيز بن باز
ومن مظاهر التشبه بالكفار ما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال- وهو كذلك:«لَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا
(2)
.
وفي الصحيحين من حديث عائشة أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهن ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة، رأينها بأرض الحبشة يقال لها: مارية، وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّه»
(3)
.
(1)
. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (24/ 38 - 39) برقم (1620.
(2)
. صحيح البخاري برقم (435)، وصحيح مسلم برقم (531).
(3)
. صحيح البخاري برقم (1341)، وصحيح مسلم برقم (528).
(1)
.
ومن مظاهر التشبه بالكفار ما يحصل من شباب وفتيان المسلمين من التشبه بالكفار في ملابسهم وهيئاتهم ولبس السلاسل، ووصل الشعر، وكذلك قصات الشعر الخاصة بهم، ومشاهدة حياتهم اليومية في الأفلام والمسلسلات، والإعجاب بهم والتحدث بلغتهم من غير حاجة إلى ذلك.
روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ، فَلا تَلْبَسْهَا»
(2)
.
«علل النهي عن لبسها بأنها من ثياب الكفار، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم يستمتعون بخلاقهم في الدنيا، أو مما يعتاده الكفار لذلك، كما في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَا
(1)
. مختصر اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بتحقيق: د. ناصر العقل ص 106، 107.
(2)
. صحيح مسلم برقم (2077).
تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ»
(1)
.ولهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة تشبهًا بالكفار»
(2)
.
ومنها التشبه بالكفار في إقامة الأعياد، فمن الاحتفال بالمولد النبوي، إلى الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وهذه كلها أحدثت محاكاة للكفار، وكذلك الأعياد الوطنية والقومية، ورأس السنة، وعيد الميلاد، ومن آخرها ما يسمى بعيد الحب، يرتدي فيها الشباب والفتيات الملابس الحمراء، ويتبادلون الورود الحمراء.
ومنها الاعتماد في التاريخ على الميلاد والأشهر الإفرنجية، أي ميلاد عيسى عليه السلام متابعة للنصارى، ويريدون من المسلمين أن يتركوا التاريخ الهجري، ويعتمدون على التاريخ الميلادي النصراني.
ومنها تربية الكلاب واقتناؤها لغير حاجة، ولا شك في حرمة ذلك، إلا كلب الصيد والماشية والحرث، كما وردت بذلك النصوص، بل ويشترون هذه الكلاب بأثمان غالية؛ كل هذا تقليدًا ومحاكاة للكفار.
ومنها حلق اللحى، وفيه تشبه بالمشركين والمجوس واليهود والنصارى، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من
(1)
. صحيح البخاري برقم (5426)، صحيح مسلم برقم (2067).
(2)
. مختصراقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، للمحقق: د. ناصر العقل ص 120.
حديث ابن عمر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»
(1)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ»
(2)
.
ومما يشبه الأمر بمخالفة الكفار، الأمر بمخالفة الشياطين، لما روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَأْكُلنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا»
(3)
.
فإنه علل النهي عن الأكل والشرب بالشمال، بأن الشيطان يفعل ذلك، فعلم أن مخالفة الشيطان أمر مقصود مأمور به، ونظائره كثيرة
(4)
.
والمظاهر كثيرة، وما ذكرته غيض من فيض، وقليل من كثير، ومن أراد الاستزادة فعليه بمراجعة كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم]، فإنه كتاب عظيم النفع والفائدة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. صحيح البخاري برقم (5892)، وصحيح مسلم برقم (259).
(2)
. برقم (260).
(3)
. برقم (2020).
(4)
. مختصر اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 147 بتحقيق د. ناصر العقل.