الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الواحدة والأربعون
صفات أهل الفردوس
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فإن الله أنزل هذا القرآن العظيم لتدبره والعمل به، قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} [ص]. وقد ذكر الله في كتابه صفات أهل الفردوس في أول سورة المؤمنون، فما هي يا ترى صفاتهم؟ وكيف وصلوا إلى هذه المرتبة العظيمة؟
قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} أي: قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف.
«قوله: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} قال علي بن أبي
طالب رضي الله عنه: الخشوع، خشوع القلب، قال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم وخفضوا الجناح، والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها.
وحينئذ تكون راحة له وقرة عين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه النسائي في سننه من حديث أنس رضي الله عنه:«حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»
(1)
(2)
.
(3)
.
روى أبو داود في سننه من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ، وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلا عُشْرُ صَلاتِهِ،
(1)
. تفسير ابن كثير رحمه الله (10/ 107)
(2)
. سنن النسائي برقم (3939) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن النسائي (3/ 827) برقم (3680).
(3)
. الوابل الصيب من الكلم الطيب، ص 11.
تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُها، خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا»
(1)
.
قال بعضهم: «إن الرجلين ليكونان في الصلاة، وإن ما بينهما كما بين السماء والأرض»
(2)
.
قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} قال ابن كثير رحمه الله: «أي عن الباطل وهو يشمل الشرك كما قاله بعضهم، والمعاصي كما قاله آخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)} [الفرقان]، ومن مرورهم به كرامًا: إعراضهم عنه وعدم مشاركتهم أصحابه فيه، قال قتادة: أتاهم والله من أمر الله ما وقذهم عن ذلك»
(3)
.
قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} «الأكثرون على أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأموال، ويحتمل أن يكون المراد بالزكاة ها هنا زكاة النفس من الشرك والدنس كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} [الشمس]، وكقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6 - 7]، على أحد القولين في تفسيرها، وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادًا وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا. والله أعلم»
(4)
.
(1)
. سنن أبي داود برقم (796)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 151) برقم (714).
(2)
. مدارج السالكين (1/ 567).
(3)
. تفسير ابن كثير رحمه الله (10/ 108) بتصرف.
(4)
. تفسير ابن كثير رحمه الله (10/ 108) بتصرف.
قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} «أي الذين قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من الفواحش، ومن تمام حفظ الفروج، تجنب ما يدعو إلى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، وما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال:{فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} أي غير الأزواج والإماء {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} أي المعتدون.
وعموم هذه الآية يدل على تحريم نكاح المتعة، فإنها ليست زوجة حقيقية مقصودًا بقاؤها، ولا مملوكة، وتحريم نكاح المحلل لذلك»
(1)
.
قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)} «أي إذا ائتمنوا لم يخونوا، بل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»
(2)
.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: «{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)} أي: مراعون لها، ضابطون حافظون
(1)
. تفسير ابن كثير رحمه الله (10/ 108 - 109) وتفسير ابن سعدي رحمه الله ص (520).
(2)
. صحيح البخاري برقم (33)، وصحيح مسلم برقم (59).
حريصون على القيام بها وتنفيذها، وهذا عام في جميع الأمانات التي هي حق للَّه، والتي هي حق للعباد، قال تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} [الأحزاب: 72]. فجميع ما أوجبه الله على عبده أمانة، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين، كأمانات الأموال، والأسرار ونحوهما، فعلى العبد مراعاة الأمرين وأداء الأمانتين، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} »
(1)
] النساء: 58].
(2)
.
قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)} «أي يداومون عليها في أوقاتها وحدودها وأشراطها وأركانها، فمدحهم بالخشوع بالصلاة، وبالمحافظة عليها؛ لأنه لا يتم أمرهم إلا بأمرين، فمن يداوم على الصلاة من غير خشوع أو على الخشوع من دون محافظة عليها فإنه مذموم ناقص»
(3)
.
قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)} أي من عمل بما ذكر في هذه الآيات فهم الوارثون، أي يرثون منازل أهل النار من الجنة، روى
(1)
. تفسير ابن كثير رحمه الله (10/ 109 - 110).
(2)
. تفسير الشيخ ابن سعدي ص (520).
(3)
. تفسير الشيخ ابن سعدي ص (520).
ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَهُ مَنْزِلَانِ، مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}»
(1)
.
(2)
.
وفي الحديث الآخر، قال صلى الله عليه وسلم:«إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عز وجل إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ»
(3)
.
والآية السابقة {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} مثل قوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)} [مريم]، وكقوله تعالى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)}
(1)
. سنن ابن ماجه برقم (4341)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم (2279).
(2)
. برقم (2767).
(3)
. صحيح مسلم برقم (2766).