الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة التاسعة والثلاثون
الإحداد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
والمقصود بالإحداد: اجتناب المرأة المتوفى عنها زوجها الزينة والطيب والتجمل، وقيل: اجتناب كل ما تتزين به النساء، والعبرة بما يعتبر زينة عادة من الثياب والحلي والطيب والخضاب ونحو ذلك
(1)
.
وكان الحداد في الجاهلية في غاية الصعوبة والمشقة والعنت على المرأة، فجاء الإسلام بسماحته ويسره فأبطل ذلك كله، روى البخاري في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَا» ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ:«لَا» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ»
(2)
.
قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس
(1)
. الفقه الميسر لمجموعة من المشايخ (5/ 174).
(2)
. صحيح البخاري برقم (5336).
الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا
(1)
، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبًا حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة، حمار، أو شاة، أو طائر فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فَتُعطى بعرة، فترمي، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره، سُئل مالك: ما تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها
(2)
.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «هذا من تمام محاسن هذه الشريعة وحكمتها ورعايتها لمصالح العباد على أكمل الوجوه، فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة .... وتمكث المرأة في أضيق بيت وأوحشه لا تمس طيبًا ولا تدهن ولا تغتسل إلى غير ذلك مما هو تسخط على الرب وأقداره، فأبطل الله سبحانه برحمته ورأفته سنة الجاهلية، وأبدلنا بها الصبر والحمد والاسترجاع، ولما كانت مصيبة الموت لابد أن تُحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن مما تتقاضاه الطباع، سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك -يعني لغير الزوجة- وهو ثلاثة أيام، تجد بها نوع راحة وتقضي بها وطرًا من الحزن
…
وما زاد على الثلاث، فمفسدته راجحة، فمنع منه، والمقصود أنه أباح للنساء الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام، وأما الإحداد على
(1)
. الحفش: البيت الصغير الذليل القريب السَّمْك، سُمي به لضيقه، النهاية في غريب الحديث (1/ 407).
(2)
. صحيح البخاري برقم (5337)، وصحيح مسلم برقم (1489).