الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الرابعة والعشرون
من آداب الضيافة واستقبال الضيوف والزوار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فقد ذكر أهل العلم آدابًا للضيافة واستقبال الضيوف ينبغي تعلمها وتطبيقها لأنها مستمدة من الوحيين (الكتاب والسنة) والعادات الكريمة التي توارثها العرب وتمسكوا بها جيلًا بعد جيل دفعهم إلى ذلك حبهم إكرام الضيف وتنافسهم في ذلك، وهي مكارم جاء الإسلام بإتمامها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاقِ»
(1)
، وهي كثيرة أطال العلماء في ذكر تفاصيلها، فليرجع إليها من أراد الاستزادة، حيث إنني اقتصرت في هذه الكلمة على بعضها تنبيهًا على ما سواها، فمن ذلك:
أولًا: إكرام الضيف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»
(2)
. ومدة الضيافة ثلاثة أيام لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي شريح العدوي أن
(1)
. أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الأدب برقم 207.
(2)
. صحيح البخاري برقم 6018، وصحيح مسلم برقم 48.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ»
(1)
.
وفي الحديث الآخر: «وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ، قَالَ: يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ»
(2)
.
ثانيًا: استحباب الترحيب بالضيوف لما روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم وفد عبد القيس قال: «مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ الذينَ جَاءوا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى»
(3)
.
ثالثًا: قال أبو الليث السمرقندي: «على الضيف أربعة أشياء، أولها: أن يجلس حيث يُجلس، وثانيها: أن يرضى إذا جاد له صاحب الدار بموجوده، وثالثها: ألا يقوم إلا بإذن رب البيت، ورابعها: أن يدعو له إذا خرج»
(4)
.
قال ابن الجوزي رحمه الله: «ومن آداب الزائر ألَاّ يقترح طعامًا بعينه، وإن خير بين طعامين اختار الأيسر، إلا أن يعلم أن مضيفه يُسر بذلك»
(5)
.
رابعًا: إذا تبع الضيف من لم يدع يستأذن المضيف في
(1)
. صحيح مسلم برقم 48.
(2)
. صحيح مسلم برقم 48.
(3)
. برقم 6176.
(4)
. الفتاوى الهندية -لجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي (5/ 344).
(5)
. الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 208).
حضوره، للحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال: كان من الأنصار رجل يقال له أبو شعيب: وكان له غلام لحام، فقال: اصنع لي طعامًا، وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فتبعهم رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ» ، قَالَ: بَلْ أَذِنْتُ لَهُ
(1)
.
خامسًا: لا ينبغي التكلف للضيف، ومرجع ذلك إلى العرف، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث قيس أن سلمان دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا - أو أنَّا نهينا - أن يتكلف أحدنا لصاحبه، لتكلفنا لك
(2)
.
سادسًا: الاستئذان عند الدخول والانصراف بعد الفراغ من الطعام حتى لا يثقل على مضيفه إلا إذا كان رب البيت يرغب في بقائهم، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53].
سابعًا: دعاء الضيف لمن استضافه بعد الفراغ من الطعام
(1)
. برقم 5434.
(2)
. (39/ 136) برقم 23733 وقال محققوه: حديث محتمل للتحسين بمجموع طرقه.
لما رواه أبو داود في سننه من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ»
(1)
.
ولما رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أطعمهم: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ»
(2)
، وقال صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ! أَطْعِمْ مِنْ أَطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي»
(3)
.
ثامنًا: أن يؤثر الضيف على نفسه وعياله، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلا مَاءٌ، فَقَالَ:«مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رحمه الله؟ » فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ الله، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لا، إِلا قُوتَ صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا أَصْبِحِي السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ
(1)
. برقم 3854.
(2)
. برقم 2042.
(3)
. صحيح مسلم برقم 2055.
حَتَّى تُطْفِئِيهِ، قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«قَدْ عَجِبَ اللَّه مِنْ صَنِيعِكُمَا اللَّيْلَةَ»
(1)
.
تاسعًا: من آداب المضيف أن يخدم أضيافه، ويُظهر لهم بسط الوجه والفرح والسرور بقدومهم، وأن يحدثهم بما تميل إليه أنفسهم، وأن يقرب إليهم الطعام، قال تعالى حاكيًا ضيافة نبي الله إبراهيم عليه السلام:{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات].
عاشرًا: أن يبدأ بالأكبر عند التقديم، ثم الأيمن فالأيمن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سقى قوم قال:«ابْدَءُوا بِالْكَبِيرِ»
(2)
،
أما إذا كانوا متساويين فيقدم الأيمن، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه قال: أَتَانَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي دَارِنَا هَذِهِ، فَاستَسْقَى، فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا، ثُمَّ شُبتُهُ مِنْ مَاء بِئْرِنَا هَذِهِ فَأَعطَيتُهُ، وأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ تُجَاهَهُ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَا فَرِغَ قَال عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْطَى الأعْرَابِي فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ:«الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ، أَلا فَيمِّنوا»
(3)
. قال أنس رضي الله عنه: فهي سنة، فهي سنة ثلاث مرات
(4)
.
(1)
. صحيح البخاري برقم 3798 وصحيح مسلم برقم 2054.
(2)
. مسند أبي يعلى (4/ 315) برقم 2425، قال الحافظ: وسنده قوي، فتح الباري (10/ 89).
(3)
. وذهب بعض أهل العلم إلى تقديم الأيمن مطلقًا، ولتفصيل ذلك انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله (4/ 76).
(4)
. صحيح البخاري برقم 2571، وصحيح مسلم برقم 2029 دون قوله: ألا فيمنوا.
الحادي عشر: استحباب الخروج مع الضيف إلى باب الدار، فقد زار أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام أحمد بن حنبل -رحمهما الله-، قال أبو عبيد: فلما أردت القيام قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله، فقال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ويؤخذ من قصة أبي طلحة -يعني في حديث أنس عن أبي طلحة - سمعت صوت النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع، قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا
…
الحديث، وفيه أن من أدب من يضيف أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار تكرمة له»
(1)
.
الثاني عشر: على المضيف أن يدعو لضيافته الأتقياء دون الفساق، لما رواه الترمذي في سننه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ»
(2)
.
الثالث عشر: السمر مع الضيف والأهل، وترجم له البخاري باب السمر مع الضيف والأهل، وذكر حديث أبي بكر وفيه: أنه
(1)
. فتح الباري (9/ 528).
(2)
. برقم 2395 وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2/ 285) برقم 1952.
ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى أضيافه وتعشى معهم
(1)
.
الرابع عشر: عدم إيذاء الضيف بأي نوع من أنواع الأذى سواء كان قولًا، أو فعلًا، وأن ينصرف الضيف طيب النفس، وأن يغفر لصاحب الدار أي تقصير حدث له
(2)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. برقم 6140.
(2)
. منتقى الآداب الشرعية للشيخ ماجد العوشن ص 108 - 109.