الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الثالثة عشرة
أحكام التعزية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فمن مقاصد الشرع العظيمة تكاتف المسلمين، ومواساتهم لبعضهم البعض، ولذلك شرع للمسلم أن يعزي أخاه المسلم بمصابه، والتعزية هي: الأمر بالصبر والحث عليه، والدعاء للميت والمصاب.
من الأدلة على مشروعيتها العمومات التي تحث المسلم على إعانة أخيه، وبذل المعروف له، وتفريج كربته، قال النووي رحمه الله:«وهي مستحبة، فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أيضًا داخلة في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]. وهذا من أحسن ما يستدل به في التعزية»
(1)
؛ ولأن التعزية مواساة له وجبر لمصيبته، وتخفيف عنه.
ومن الأدلة الخاصة في ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:«أَتُحِبُّهُ؟ » فَقَالَ: يَا
(1)
. الأذكار ص 258 - 259.
رَسُولَ اللَّه، أَحَبَّكَ اللَّه كَمَا أُحِبُّهُ
(1)
، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا فَعَلَ ابْنُ فُلَانٍ؟ » قَالُوا: يَا رَسُولَ الله مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِيهِ:«أَمَا تُحِبُّ أَنْ لَا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ يَنْتَظِرُكَ؟ » فَقَالَ رَجُلُ: يَا رَسُولَ الله، أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّنَا؟ قَالَ:«بَلْ لِكُلِّكُمْ»
(2)
.
وأما ألفاظ التعزية التي تقال للمصاب فهي كثيرة، قال النووي رحمه الله: وأما لفظة التعزية فلا حجر فيها، فبأي لفظ عزاه حصلت
(3)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «وإن عزى بغير هذا اللفظ مثل أن يقول: أعظم الله لك الأجر، وأعانك على الصبر .. وما أشبهه، فلا حرج لأنه لم يرد شيء معين لا بد منه»
(4)
.
ومن ألفاظ التعزية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ. فَأتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلامَ، وَيَقُولُ:«إِنَّ لِلّه مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ
(1)
. قال السندي: قوله: أحبك الله، بيان شدة محبته بابنه، أو أنه كان يعرف قدر محبة الله تعالى لعباده المؤمنين، فضلًا عن الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين، فضلًا عن سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، حاشية السندي على المسند نقلًا عن محققي المسند (24/ 361).
(2)
. (24/ 361) برقم 15595، وقال محققوه: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.
(3)
. الأذكار ص 260.
(4)
. مجموع الفتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (17/ 346).
تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ ابْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الصَّبِيَّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ، قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُول الله، مَا هَذَا؟ قَالَ:«هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّه فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّه مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»
(1)
.
(2)
.
روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَال:«إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ
(1)
صحيح البخاري برقم 1284، وصحيح مسلم برقم 923.
(2)
. الأذكار للنووي ص 261.