الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة السادسة
آداب قضاء الحاجة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
«فإن الدين الإسلامي دين كامل ما ترك شيئًا مما يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم إلا بينه، قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]. ومن ذلك آداب قضاء الحاجة ليتميز الإنسان الذي كرمه الله عن الحيوان، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء].
وقال تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} [التوبة]. وهناك آداب شرعية تُفعل عند دخول الخلاء، وحال قضاء الحاجة، فمن ذلك:
1 -
أن يقول عند دخول الخلاء: «بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» ، فقد روى الترمذي في سننه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ الله»
(1)
.
(1)
. برقم 606 وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير 3610.
وروى البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ
(1)
وَالْخَبَائِثِ»
(2)
.
وروى أبو داود في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ»
(3)
.
2 -
إذا أراد أن يقضي حاجته في فضاء -أي في محل غير مُعد لقضاء الحاجة- فإنه يستحب له أن يبعد عن الناس بحيث يكون في مكان خال، ويستتر عن الأنظار بحائط، أو شجرة، أو غير ذلك.
فقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ
(4)
(5)
.
3 -
عليه ألَاّ يستقبل القبلة أو يستدبرها حال قضاء الحاجة، بل ينحرف عنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا
(1)
. الخبث: ذكران الشياطين وإناثهم، قاله الخطابي، عون المعبود شرح سنن أبي داود (1/ 12)، والخبائث: المعاصي، وقيل مطلق الأفعال المذمومة.
(2)
. صحيح البخاري برقم 142، وصحيح مسلم برقم 375.
(3)
. سنن أبي داود برقم 30 وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 9) برقم 23.
(4)
. برقم 1 وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 4) برقم 1.
(5)
. ومعناه: إذا أراد قضاء حاجته أكثر المشي حتى بعد عن الناس في موضع ذهابه.
الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»
(1)
.
قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت قِبل القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله؟ قال: نعم
(2)
.
4 -
لا يجوز له أن يمس فرجه بيمينه، وكذلك لا يجوز له أن يقضي حاجته في طريق الناس، أو في ظلهم، أو موارد مياههم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما فيه من الأضرار بالناس وأذيتهم، روى البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وَإِذَا أَتَى الْخَلاءَ فَلا يَمَسُّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَمَسَّح بِيَمِينِهِ»
(3)
.
ولما روى أبو داود في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى
(4)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»
(5)
.
ولا يدخل موضع الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل، أو فيه
(1)
. صحيح البخاري برقم 394، وصحيح مسلم برقم 264.
(2)
. صحيح مسلم برقم 264.
(3)
. صحيح البخاري برقم 153، وصحيح مسلم برقم 267.
(4)
. سنن أبي داود برقم 33 وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 9) برقم 26.
(5)
. برقم 269.
قرآن، فإن خاف على ما معه مما فيه ذكر الله جاز له الدخول ويغطيه، ولا ينبغي له أن يتكلم حال قضاء الحاجة، فقد ورد في الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم النهي عن ذلك، ويحرم عليه قراءة القرآن، ولا يشرع له رد السلام، فقد روى أبو داود في سننه من حديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ، فَقَالَ:«إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّه إِلَّا عَلَى طُهْرٍ، أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَة»
(1)
.
5 -
عليه أن ينظف المخرج بالاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالأحجار، أو ما يقوم مقامهما، وإن جمع بينهما فهو أفضل، وإن اقتصر على أحدهما كفى، والاستجمار يكون بالأحجار أو ما يقوم مقامهما من الورق الخشن، أو المناديل أو الخرق ونحوهما مما ينقي المخرج وينشفه.
ويشترط ثلاث مسحات متعينة فأكثر إذا أراد الزيادة، ولا يجوز الاستجمار بالعظام ورجيع الدواب أي: روثها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنها طعام إخواننا من الجن، فقد روى أبو داود في سننه من حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنِ الاسْتِطَابَةِ
(2)
، فَقَالَ:«بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ»
(3)
.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ للجِنِ: «لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ
(1)
. برقم 17 وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود برقم (13).
(2)
. الاستجمار.
(3)
. برقم 41 وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 11) برقم 32.
ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ، يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ، أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ»
(1)
.
6 -
عليه أن يتنزه من البول، ويبحث عن المكان الذي ليس بصلب حتى لا يرتد عليه، فإن عامة عذاب القبر من عدم التنزه من البول، فقد ورد في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ»
(2)
(3)
، وفي رواية:«لَا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ»
(4)
.
وهنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن بعض العوام يظن أن الاستنجاء من الوضوء، فإذا أراد أن يتوضأ بدأ بالاستنجاء، ولو كان قد استنجى سابقًا بعد قضاء الحاجة، وهذا خطأ، فإنه ليس من الوضوء، والاستنجاء فعله بعد الفراغ من قضاء الحاجة، ولا داعي لتكراره، قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. صحيح البخاري برقم 3859، وصحيح مسلم برقم 450.
(2)
. صحيح البخاري برقم 1378، وصحيح مسلم برقم 292.
(3)
. الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان (1/ 29 - 33) بتصرف.
(4)
. صحيح مسلم برقم 292.