الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: «إن سبب تسمية أبي بكر رضي الله عنه بالصديق، إنما هو سبقه الناس إلى تصديقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إتيانه لبيت المقدس من مكة، ورجوعه منه إلى منزله بمكة في تلك الليلة، وإن كان المؤمنون يشهدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك إذا وقفوا عليه»
(2)
.
المثال الثاني: قصة جليبيب:
روى الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قَالَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا، فَقَالَ:
(1)
. مستدرك الحاكم (4/ 25) برقم (4515)، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فإن محمد بن كثير الصنعاني صدوق ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله كما في السلسلة الصحيحة برقم (306).
(2)
. شرح مشكل الآثار (3/ 393).
رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: «زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ» ، فَقَالَ: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللَّه، وَنُعْمَ عَيْنِي. فَقَالَ:«إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي» قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: «لِجُلَيْبِيبٍ» قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه أُشَاوِرُ أُمَّهَا. فَأَتَى أُمَّهَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ ابْنَتَكِ. فَقَالَتْ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنِي. فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ، إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ، فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ إنِيهِ؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنِيهِ؟ أَجُلَيْبِيبٌ إنِيهِ؟ لَا لَعَمْرُ اللَّه، لَا نُزَوَّجُهُ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا، قَالَتِ الْجَارِيَةُ: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا. فَقَالَتْ: أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ، ادْفَعُونِي، فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي. فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: شَأْنُكَ بِهَا. فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا.
قَالَ: فَخَرَجَ رَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ:«هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ » قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا، وَنَفْقِدُ فُلَانًا. قَالَ:«انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ » قَالُوا: لَا. قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا» قَالَ: «فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى» . قَالَ: فَطَلَبُوهُ، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:«قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى سَاعِدَيْهِ، وَحَفَرَ لَهُ، مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ. وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ.
قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا. وَحَدَّثَ
إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا» . قَالَ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا
(1)
.
ومن الأمثلة على خسارة من لم يستجب للحق، ويمتثل لأمر الله ورسوله:
المثال الأول: قال القرطبي: ورُوي أن الزيال بن حرملة قال: ] قال جابر بن عبد الله [: قال الملأ من قريش وأبو جهل: قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلًا عالمًا بالشعر والكهانة والسحر فكلَّمه ثم أتانا ببيان من أمره؛ فقال عتبة بن ربيعة: والله، لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر، وعلمت من ذلك علمًا لا يخفى عليَّ إن كان كذلك، فقالوا: ائته فحدثه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد، أنت خيرٌ أم قصي بن كلاب؟ أنت خيرٌ أم هاشم؟ أنت خيرٌ أم عبد المطلب؟ أنت خيرٌ أم عبد الله؟ فبم تشتم آلهتنا، وتُضلل آباءنا، وتُسفه أحلامنا، وتذم ديننا؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا، فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشر نساء من أي بنات قريش شئت، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًّا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا
(1)
. مسند الإمام أحمد (33/ 29) برقم (19784)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وأصله في صحيح مسلم برقم (2472).
في طلب ما تتداوى به أو نغلب فيك، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما فرغ قال:«أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ » قال: نعم، قال:«اسْمَعْ» : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)} [فصلت]. فوثب عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم، وناشده الله والرحم ليسكُتَنَّ، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش؛ فجاءه أبو جهل فقال: أصبوت إلى محمد؟ أم أعجبك طعامه؟ فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدًا أبدًا، ثم قال: والله، لقد تعلمون أني من أكثر قريش مالًا، ولكني لما قصصت عليه القصة أجابني بشيء -والله- ما هو بشعر ولا
كهانة ولا سحر؛ ثم تلا عليهم ما سمع منه إلى قوله: {مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} وأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب، فوالله، لقد خفت أن ينزل بكم العذاب؛ يعني الصاعقة»
(1)
.
فهذه القصة تدل على أن عتبة عرف أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الحق، لكنه استكبر عن قبوله وأعرض عنه، فقُتل يوم بدرٍ كافرًا، نعوذ بالله من خاتمة السوء.
المثال الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلًا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلْ بِيَمِينِكَ» ، فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ:«لَا اسْتَطَعْتَ» ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ
(2)
.
فهذا الرجل تكبر على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عاقبته أن شُلت يده.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. سيرة ابن هشام (1/ 321 - 322) قال الشيخ الألباني رحمه الله: هذه القصة أخرجها ابن إسحاق في المغازي (1/ 185) من سيرة ابن هشام، بسند حسن عن محمد ابن كعب القرظي مرسلًا، ووصله عبد بن حميد وأبو يعلى البغوي من طريق أخرى من حديث جابر رضي الله عنه كما في تفسير ابن كثير رحمه الله (4/ 9 - 91) وسنده حسن إن شاء الله .. فقه السيرة النبوية للشيخ محمد الغزالي، تحقيق: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، ص 113.
(2)
. برقم (2021).