الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلام، قال ابن القيم رحمه الله: «ومن هديه صلى الله عليه وسلم يبتدئ بركعتين تحية المسجد، ثم يجيء فيسلم على القوم، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله، فإن تلك حق الله تعالى، والسلام على الخلق هو حق لهم، وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم بخلاف الحقوق المالية، فإن فيها نزاعًا معروفًا، والفرق بينهما حاجة الآدمي، وعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين، بخلاف السلام.
وكانت عادة القوم معه هكذا، يدخل أحدهم المسجد فيصلي ركعتين، ثم يجيء فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يومًا -قال رفاعة: ونحن معه، إذ جاء رجل كالبدوي فصلى، فأخف صلاته، ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«وَعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»
(1)
. وذكر الحديث. فأنكر عليه صلاته، ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد الصلاة»
(2)
.
هل يشرع السلام على أهل المعاصي والبدع
؟
قال النووي رحمه الله: «وأما المبتدع ومن اقترف ذنبًا عظيمًا ولم يتب، فينبغي ألا يُسلَّم عليهم ولا يرد عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء»
(3)
.
(1)
. صحيح البخاري برقم (757)، وصحيح مسلم برقم (397).
(2)
. زاد المعاد لابن القيم رحمه الله (2/ 377 - 378).
(3)
. الأذكار للنووي رحمه الله ص 419.
واحتج الإمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه في هذه المسألة بما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك هو ورفيقان له، قال: ونهى صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، قال:«وكُنتَ آتِي رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا؟ »
(1)
.
قال البخاري رحمه الله: «وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: لا تسلموا على شربة الخمر»
(2)
.
وذكر الشيخ تقي الدين في فتاويه: «أنه لا ينبغي أن يسلم على من لا يصلي-يعني تارك الصلاة - ولا يجيب دعوته»
(3)
.
(4)
.
وإن حيَّى المسلم صاحبه بغير السلام كقوله: أسعد الله صباحك أو مساءك .. أو غير ذلك من العبارات ففيه تفصيل.
(1)
. صحيح البخاري برقم (4418)، وصحيح مسلم برقم (769).
(2)
. صحيح البخاري كتاب الاستئذان باب من لم يسلم على من اقترف ذنبًا ولم يرد سلامه حتى تبين توبته.
(3)
. الآداب الشرعية للحجاوي ص 191.
(4)
. الأذكار للنووي رحمه الله ص 419.
قال الإمام أحمد رحمه الله لصدقة وهم في جنازة: يا أبا محمد! كيف أمسيت؟ فقال: مسَّاكَ الله بالخير.
وقال أيضًا للمروذي: كيف أصبحت يا أبا بكر؟ فقال له: صبَّحَكَ الله بخير يا أبا عبد الله
(1)
.
وإن قال (مرحبًا) فلا حرج، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ الذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى»
(2)
.
ولكن ينبغي أن تكون التحية بعد السلام؛ لأن السلام تحية المسلمين.
أما إذا كانت العبارة من تحية أهل الجاهلية كقوله أنعم صباحًا أو أطال الله بقاءك، أو أمتع الله بك .. أو غيرها من العبارات فلا ينبغي التشبه بهم.
ويشرع السلام على الأصم والأبكم، ويجمع بين اللفظ والإشارة في السلام.
أما الموتى فإنه يشرع السلام عليهم، لما روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! كيف أقول لهم - أي: عند زيارة القبور - قال: «قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّه الْمُسْتَقْدِمِينَ
(1)
. الآداب الشرعية للحجاوي ص (209 - 210) بتصرف.
(2)
. صحيح البخاري برقم (5708).
مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ»
(1)
.
فائدة:
روى البخاري في صحيحه تعليقًا: أن عمارًا رضي الله عنه قال: «ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان، الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعَالَم، والإنفاق من الإقتار»
(2)
.
قال النووي رحمه الله: «وقد جمع في هذه الكلمات الثلاث خيرات الآخرة والدنيا، فإن الإنصاف يقتضي أن يؤدي إلى الله تعالى جميع حقوقه وما أُمر به، ويجتنب جميع ما نهاه عنه، وأن يؤدي إلى الناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ينصف أيضًا نفسه فلا يوقعها في قبيح أصلًا.
وأما بذل السلام للعالم - فمعناه لجميع الناس- فيتضمن ألَاّ يتكبر على أحدٍ، وألَاّ يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع بسببه من السلام عليه.
وأما الإنفاق من الإقتار، فيقتضي كمال الوثوق بالله تعالى والتوكل عليه والشفقة على المسلمين
…
وغير ذلك، نسأل الله الكريم التوفيق للجميع»
(3)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. برقم (974).
(2)
. صحيح البخاري كتاب الإيمان، باب إفشاء السلام من الإسلام.
(3)
. الأذكار للنووي ص (398 - 399).