الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الرابع
(تابع علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة)
المحور الثالث من محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد:
فلا يزال حديثنا موصولًا عن المحور الثالث من محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة المطهرة:
وهي أنها تشرِّع وتؤسّس للناس أحكامًا لم يسبق لها ذكرٌ في القرآن الكريم، وهي في هذا واجبة الاتباع تمامًا مثل القرآن الكريم يعني: السنة تُوافق القرآن الكريم، وتُؤكد أحكامه، تُبيِّن القرآن الكريم بأنواع البيان التي أشرنا إليها، وقبل ذلك وبعد ذلك ومع ذلك هي تشرِّع كما يشرِّع القرآن الكريم تمامًا.
بعض الأمثلة لتشريعات السنة المطهرة التي لم يسبق لها ذكر في القرآن الكريم:
من هذه الأحكام التي أسَّستها السنة المطهرة، وشرَّعتها "زكاةُ الفطر" مثلًا، الذي أوجبها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والبخاري -رحمه الله تعالى- روى بسنده إلى عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال:((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحرِّ، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) الذي فرض هو رسول الله، هكذا جاءت الرواية في الصحيحين، الحديث رواه البخاري رحمه الله تبارك وتعالى في كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر، واللفظ الذي أوردناه هنا هو لفظ البخاري رحمه الله تبارك وتعالى من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما.
وزكاة الفطر واجبة تمامًا مثل زكاة المال، ولها تفصيلاتها في كتب الفقه، أبين أهميتها، وأنها واجبة، وتستقر في ذمَّة المسلم، وعليه أن يؤدِّيها؛ بل إن هناك من العلماء من قال: يُقاتل مانعها كما يقاتل مانع الزكاة تمامًا بتمام وسواء بسواء؛
للدلالة على أهميتها، أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم ورغم أن القرآن الكريم في المواريث فصَّل كثيرًا، آيات المواريث في النساء وفي غيرها {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النساء: 11) ذكر الله الميراث بتفصيل موسَّع، وهذه من المواطن في القرآن الكريم التي وسّع وفصّل فيها القرآن الكريم، ومع ذلك أبقى أشياء للسنة، وبينت السنة بعض التشريعات المتعلقة بالميراث، رغم تفصيل القرآن الكريم لأحكام الميراث بتفصيل موسع في آيات سورة النساء.
جاءت الجدَّة تطلب حقَّها في الميراث من أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- هذا مثال آخر لتشريع السنة، فأبو بكر -رضي الله تعالى عنه- قال:"لا أجد لكِ في كتاب الله شيئًا" ولننتبه إلى إجابة أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- لو أن التشريع من القرآن الكريم فقط كان من الممكن أن يقتصر الصديق -رضي الله تعالى عنه- على هذا القدر من الإجابة لكنه يعلم أن السنة تشرّع كما يشرِّع القرآن الكريم تمامًا فقال لها: ولا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لكِ بشيء، إذن الصديق يعلم يقينًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشرّع كما يشرّع القرآن الكريم وهو في هذا واجب الاتباع، كما يجب اتباع القرآن الكريم والأدلة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هي نفسها الأدلة على حُجيّة السنة.
إذن هذان مثالان لتشريع النبي صلى الله عليه وسلم في مجال الإيجاب وهناك أمور كثيرة، في الحديث في الصحيحين في كتاب الحج وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحُجّوا، قال رجل: أفي كل عام يا رسول الله عليه الصلاة والسلام سكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالها الرجل ثلاثًا، ثم قال: بعد ذلك لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم))، محل الشاهد هنا الذي جعلنا نسوقه في مجال العلاقة بين السنة المطهرة والقرآن الكريم هو أنه واضح في الدلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم-
يشرّع لو قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: نعم، يجب في كل عام؛ لكان هذا الأمر واجبًا على المسلمين جميعًا، ولما استطاعوا.
إذن، قوله يُوجب على الأمة، وكان على السائل أن يتفطَّن إلى أن الحج لو كان واجبًا في كل عام لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم من غير سؤال؛ لأن تأخير البيان عن موطن الحاجة لا يجوز، فلو كان الحج واجبًا في كل عام لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم عند الذكر الأول، وكان على السائل أن ينتبِه إلى هذا الأمر؛ ولذلك تركه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات لعله يتذكر، فلما استمر في سؤاله قال:((لو قلت: نعم؛ لوجبت ولما استطعتم)) كأنه قال: كان عليك أن تتنبَّه إلى أن سكوتي يعني: أنه ليس بواجب، فلا تؤدي المسألة إلى مشقة على المسلمين، هذا أمرٌ غير مرغوب في الإسلام، لكن على كل حال المثال لتشريع السنة في مجال الإيجاب، كما ذكر في زكاة الفطر، وكما غيرها من الأحكام التي أشرنا إليها.
في مجال التحريم: حَرَّمت السنة أشياء كثيرة جدًّا جدًّا، في كتاب النكاح، في تحريم نكاح المتعة، في كتب السنة نرجع عند البخاري ومسلم وغيرهما، النبي صلى الله عليه وسلم حرّم نكاح المتعة: وهو أن ينكح الرجل المرأةَ إلى أجل على قدر معلوم بينهما يعني ثلاثة أشهر سنة كيفما يتفقان، المهم أن العقد محددٌ بوقت، وأن النكاح ينتهي بمجرد انتهاء العقد، هذا نكاحٌ كان قد شُرع، ثم نسخ وحرم، المهم أن الذي أباح هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي حرّم بعد ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم.
أيضًا، في نفس حديث نكاح المتعة حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم الحُمُر الأهلية -أي حرم أكلها- وكانت قدورهم تغلي بها في يوم خيبر، فلما بلغهم نهي النبي صلى الله عليه وسلم؛ ألقوا القدور بما فيها، وثبت تحريمها، والذي حرمها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيضًا، النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم أن تُنكح المرأة على عمتها أو خالتها، يعني: القرآن
الكريم في مجال ذكره للمحرمات في النكاح قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ} (النساء: 23) إلى أن قال سبحانه: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} يعني: لا يجوز للرجل أن يجمع تحته في وقت واحد بين المرأة وأختها.
يجوز أن ينكحها واحدة بعد الأخرى، كأن تطلق الأولى أو تموت كما فعل سيدنا عثمان مع بنات النبي صلى الله عليه وسلم تزوج رقية، ثم تزوج أم كلثوم، لكن أن يُجمع بينهما في وقت واحد تحت رجل واحد، هذا حرام، وفاعله يُعاقب بتفصيلات أيضًا في كتب السنة وكتب الفقه، لكن محل الشاهد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم كما حرم القرآن الكريم تمامًا.
إذن هذا تشريع حرمته أيضًا السنة المطهرة.
أيضًا، النبي صلى الله عليه وسلم حرم كلَّ ذي ناب من السباع في أحاديث كثيرة موجودة في كتب السنة، وحرم خطبة الرجل على خطبة أخيه، وحرم بيع الرجل على بيع أخيه، وحرم أن نتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لبادٍ، وهناك تشريعات كثيرة وردت في هذه الأحكام، في البيوع، وفي النكاح، وفي الطلاق، وفي العدة، وفي الرضاع، تفصيلات كثيرة جدًّا جدًّا، المستقر عند العلماء أن السنة المطهرة تشرع كما يشرع القرآن الكريم سواء بسواء.
هذه علاقة ثالثة بين القرآن الكريم وبين السنة المطهرة، السنة المطهرة تُوافق القرآن الكريم، السنة المطهرة تُبين القرآن الكريم، السنة المطهرة تُشرع كما يُشرع القرآن الكريم تمامًا. هكذا تحددت معالم العلاقة بين القرآن الكريم وبين السنة المطهرة.