الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أشار إلى أن جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول -يعني: قبلوا هذا الخبر أو عملوا به- يوجب العلم، وأشار إلى ذلك في (مجموع الفتاوى).
نريد أن نقول من هذا الاستعراض الموجز: أن تقسيم التواتر والآحاد لم يكن في أجيال الأمة السابقة؛ وإنما كان المعوّل عندهم على ثبوت عدالة الرواة وضبطهم؛ فمتى اطمأنوا إلى ذلك حكموا على الخبر بالصحة وإن كان حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به على ما اصطلحوا عليه من قواعد في هذا، إلى أن جاءت بعض الفرق وأرادت أن تُعمِل العقل في النصوص وأن توجد بعض الشبه لبعض الأدلة التي تعارض ثوابت مذهبهم؛ ابتدعوا هذا التقسيم إلى متواتر وآحاد، واشترطوا شروطًا في الآحاد تفاوتوا فيما بينهم؛ لكن -على كل حال- هذا تاريخ هذا الأمر هو أصبح مبحثًا من مباحث علم المصطلح، وأيضًا يبحث في أصول الفقه، ونحن نتكلم عنه اليوم بهذا الاعتبار: أنه تقسيم للحديث باعتبار عدد الرواة في كل حلقة:
التواتر لغة واصطلاحًا
ما هو التواتر وما هو الآحاد في كل من اللغة والاصطلاح:
التواتر في اللغة: مجيء الواحد إثر الواحد بفترة بينهما، وذلك كما ورد في قوله تبارك وتعالى في سورة المؤمنون:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} (المؤمنون: 44) أي: متتابعين، رسولًا بعد رسول بينهما فترة، في (القاموس المحيط) مادة:"وَتَر"، يبين أن التواتر: هو مجيء الشيء بعد الشيء بعضه في إثر بعض، وترًا وترًا، أو فردًا فردًا، يعني: من غير فترة بينهما.
التعريفان يشتركان في أن التواتر: مجيء الشيء بعد الشيء؛ لكن الاختلاف بينهما هو: هل لا بد من التراخي بين مجيئهما، أو أن التراخي غير مطلوب؟
صاحب (القاموس المحيط) ذكر الاثنين معًا، قال: والتواتر التتابع أو مع فترات، أما صاحب (الصحاح)؛ فقد اعتبر التراخي شرطًا في التواتر؛ حيث قال: والمواترة: المتابعة، ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينهما فترة؛ وإلا فهي مداركة ومواصلة.
والخلاصة من كل ذلك: أن التواتر هو التتابع مع التراخي أو بدون التراخي، على قول صاحب (الصحاح): القول بالتراخي هو الأقوى؛ لأنه سمى المواترة التي لا فاصل بينها بأنها مداركة ومواصلة، ويقول بالنص:"ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينهما فترة"
…
كل هذه مناقشة لغوية للمتواتر، خلاصتها: أن التواتر هو مجيء الشيء إثر الشيء بفترة بينهما أو بدون فترة، على التتابع المباشر بدون انقط اع.
إذا انتقلنا إلى الاصطلاح: نجد له تعريفات متعددة: يقول ابن حجر -رحمه الله تعالى- عن المتواتر في (نزهة النظر): فإذا جمع هذه الشروط الأربعة وهي: عددٌ كثير، وأحالت العادة تواطؤهم على الكذب، ورووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء، وكان مستند انتهائهم الحس، ويضاف إلى ذلك أن يصحب خبرَهم إفادةُ العلم لسامعه؛ فهذا هو المتواتر.
ابن حجر -رحمه الله تعالى- نلاحظ أنه عرّف المتواتر هنا من خلال ذكر شروطه، اشترط له أربعة شروط:
- عددٌ كثيرٌ في كل حلقة.
- يستحيلُ في العقل وفي العادة أن يتواطئوا على الكذب.
- الثالث: أن يتوفر ذلك في كل حلقة من حلقات الإسناد، من أوله إلى منتهاه،
وهو ما عبّر عنه بقوله: ورووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء.
- وكان منتهى خبرهم الحس، هذا الشرط الرابع.
- ثم قال: ويضاف إلى ذلك: بأن يصحب خبرهم إفادة العلم لصالحه، وقال: فهذا هو التواتر.
أما الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى- فيعرِّف المتواتر في "كفايته" فيقول: فأما خبر التواتر: فهو ما أخبر به القوم الذين بلغ عددهم حدًّا يُعلَم عند مشاهدتهم بمستقر العادة أن الكذب منهم محال، وأن التواطؤ منهم في مقدار الوقت الذي انتشر الخبر عنهم متعذر، وأن ما أخبروا عنه لا يجوز دخول اللبس والشبهة في مثله، وأن أسباب القهر والغلبة والأمور الداعية إلى الكذب منتفية عنهم؛ فمتى تواتر الخبر عن قوم هذه سبيلهم؛ قُطِع على صدقه، وأوجب وقوع العلم ضرورة.
هو تعريف طويل، وأيضًا ركز فيه الخطيب -رحمه الله تعالى- على عدد الرواة وصفاتهم نلاحظ أنه يركز على أن هؤلاء القوم الذين أخبروا بالخبر المتواتر، يستحيل بمستقر العادة أن يتفقوا على الكذب، وأن الكذب منهم محال، وأن التواطؤ بينهم في مقدار الوقت الذي انتشر فيه الخبر متعذر، وأن الخبر الذي أخبروه لا يجوز دخول اللبس والشبهة في مثله، ولا يوجد عندهم سبب واحد يدعوهم إلى الكذب
…
كل الأسباب التي تؤدي إلى الكذب منفية عنهم من قهر وغلبة ومصلحة وما إلى ذلك
…
أما ابن الصلاح في "مقدمته" رحمه الله يعرف الحديث المتواتر بأنه عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواياته من أوله إلى منتهاه.
وإذا نظرنا أيضًا إلى تعريف ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- نجده يركز على شرطين من شروط المتواتر: وهو أنه لا بد أن يوجد في ناقلي الخبر المتواتر الصدق