الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا عرض موجز لحديث الإسراء والمعراج وهو -كما قلنا-: حديث صحيح، ورد في أصح مصادرنا، وهو عند البخاري في أماكنَ متعددة؛ من بينها كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: هل أتاك حديث موسى، ومن بينها كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، ومن بينها كتاب: مناقب الأنصار، باب: في المعراج، رواه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره.
اقتصرنا هنا على البخاري ومسلم، ل كن كما قلت: هو موجود في كل كتب السنة المطهرة، التي هي مصادرنا التي نرجع إليها في كل أمور السنة، هذا الحديث ثبتت صحته، وه وعند المُحَدِّثين بإجماع، وعند علماء الأمة، وعند أهل السُّنة والجماعة، ثبتت صِحَّته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تفاصيل رحلة الإسراء والمعراج، وبيان ما حدث فيها من معجزات
بدأ بِشَقِّ الصدر، وحادثة شَقّ الصدر تكررت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مرات عديدة، مجمع عند العلماء منها على ثلاثة، وشراح الحديث تكلموا عنها؛ ابن حجر وغيره، أشاروا إلى أنه شُق صدره الشريف وهو طفل في بادية بني سعد، وكان ذلك لنزع حظِّ الشيطان منه، وشُق صدره الشريف عند بدء الوحي، وكان ذلك لِيَتَهَيَّأَ لل تلقي عن الملك.
العلماء يقولون: إن الوحي في جوهره إما أن ينتقل المَلَك إلى الحالة البشرية، وهذه أخف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يأتي المَلَك على هيئة بشر من البشر، كما في حديث جبريل، وكما كان يأتي على هيئة دِحْيَة الكلبي إلى آخره، وإما أن ينتقل المَلَك إلى إلى مرحلة الملائكية ليتم التفاعل، وهذه كانت شاقة وصعبة على النبي صلى الله عليه وسلم:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (المزمل: 5) وفي كتاب: بَدْء الوحي من
حديث أُمِّنا عائشة عند البخاري رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شِدّة)) إلى أن تقول: ((وإنه لَيَتَفَصَّد جبينه بالعرق في اليوم الشديد البرد)).
ي تكلمون كثيرًا من الناحية العقلية في مثل هذه الأمور، ونقرأ الآن أنهم يَظَلُّون شهورًا يُعِدُّون العُدَّة لمن يرتقي أجواز الفضاء العُليا، وفي رحلات الفضاء المعروفة الآن له مَلْبَس خاص، ومَطْعَم خاص، ومَرْكَب خاص؛ لأنه يتجاوز مرحلة الجاذبية، هذه المرحلة أو هذه المنطقة لها قانونها غير الذي يسري على الأرض، هذا كله قام الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم بمعجزة شق الصدر، حكمتها أن يَتَهَيَّأ إلى الصعود إلى الملأ الأعلى على الوجه الذي يريده سبحانه وتعالى.
ثم جاء البُراق، وصفته: أنه دون البغل وفوق الحمار من ناحية الحجم، وهو أبيض، ويضع حافره عند منتهى طرف عينه، يعني: عند أقصى نقطة يصل إليها نظره، إذن خطوته واسعة جدًّا، وهو في حد ذاته معجزة.
وصُعِد بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العُلى، وفي كل سماء قابل نبيًّا من الأنبياء، واستفتح جبريل وفُتح الباب، وسُئِل من معك؟ محمد صلى الله عليه وسلم:((أَوَقَدْ بُعث إليه؟)) كلهم يعرفون نُبوَّته صلى الله عليه وسلم من سؤالهم: ((أَوَقَدْ بُعث إليه؟)) كلهم يعرفون نبوته، ومصداق ذلك قول الله تبارك وتعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران: 81) الآية تثبت أن الله عز وجل قد أخذ العهد والميثاق على الأنبياء جميعًا، أنهم إن أدركوا هذا النبي العظيم الخاتم عليهم أن يؤمنوا به، وأن ينصروه.
وابن عباس حَبْر الأمة وترجمان القرآن يقول: "العهد مأخوذ أيضًا على الأمم
من خلال أنبيائهم"؛ لأن كل خطاب للنبي إنما هو خطاب لأمته، إلا ما قام الدليل على تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم به.
إذن حين أخذ الله العهد والميثاق من الأنبياء فإنه قد أخذه من أممهم في نفس الوقت، أن أحدًا منهم إذا أدرك هذا النبي عليه أن يؤمن به:{لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} وأعطوا العهد والميثاق على ذلك، وشهدوا على أنفسهم، وقامت الحُجّة عليهم، ولذلك عَلِم الأنبياء بنبوته صلى الله عليه وسلم وتطبيق ذلك عمليًّا كان في ليلة الإسراء والمعراج، حين أُسْرِي بالنبي صلى الله عليه وسلم أو عُرِج به إلى السماوات العلى:((أَوَقَدْ بُعث إليه؟)).
هذا سؤال من يعرفون نُبُوَّته، غير أنه يسأل عن الوقت والزمان، هل بُعِث إليه الآن؟ فتكون الإجابة نعم، فيرحبون به، أما آدم عليه السلام فرحب به؛ لأنه ابن له، وآدم أبو الخلق جميعًا، وليس أبا الأنبياء فحسب، وفي السماء السابعة -يعني: في المبتدأ والمنتهى- التقى بأبويه؛ بأبيه البعيد آدم، وبأبيه القريب إبراهيم عليهما السلام وعلى كل الأنبياء والمرسلين- وكلهم رَحَّبوا به، والأبوان قالَا:((مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح))، وبقية الأنبياء قالوا:((مرحبًا بالنبي الصالح وبالأخ الصالح))، رَحَّبوا به، وفرض الله الصلاة ثم نزل، وحدثت المراجعة مع موسى عليه السلام.
كان من الممكن أن يُحْمَل جسده الشريف من غير دابة، لكنها تدريب لنا:
أولًا: الدابة في حد ذاتها معجزة بما تملكه من قدرات وإمكانيات.
ثانيًا: هي أيضًا تدريب لنا في الأخذ بالأسباب، يعني: نتوكل على الله ونفوض الأمر إليه، لكن ذلك لا يعني ترك الأسباب.
إذن شق الصدر، ثم البراق، ثم انطلق به إلى رحلة المعراج، ورحلة الإسراء والمعراج تضمنت معجزات كثيرة:
الإسراء: معناها السير ليلًا، الإسراء والسُّرى هو: السير ليلًا، والماضي في الإسراء أسرى، هذه همزة التعدية، أسرى الله بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما نزلت سورة تحمل هذا الاسم في أول آياتها:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الإسراء: 1).
أما المعراج: اسم آلة على وزن مِفْعَال، وهي آلة الصعود، والمقصود به السُّلَّم الذي نصعد به أو عليه إلى أي مرتفع، هذا يسمى مِعْراجًا، والمقصود: هو رحلة العروج نفسها إلى السماوات العلى؛ لكن المِعْراج على وزن مِفْعَال، مثل: مِحْرَاث ومِنْشَار ومِسْمَار اسم آلة، مقصود بها أداة العروج وهي السُّلم أو المِصْعد، لكن المقصود بها في الشرع: هي الصعود نفسه إلى السماوات العلى؛ للفوائد التي تضمنتها هذه الرحلة المباركة.
بعض الفوائد التي لها صلها بإثباتها؛ لأن الأصل هو إثبات المعجزة:
أولًا: الحديث صحيح، فالكلام من ناحية صحة الحديث لا تحتاج إلى جدال ولا إلى نقاش، هذا من ناحية.
ثانيًا: رحلة الإسراء والمعراج، رحلة هي معجزة، بل إنها معجزة تَضَمَّنَت في طياتها معجزات، من بين ما تضمنته من معجزات؛ شق الصدر أولًا، هذه معجزة، من بين ما تضمنته من معجزات البراق، هذه معجزة، من بين ما تضمنته من معجزات، لقاء الأنبياء بالنبي صلى الله عليه وسلم والترحيب به، هذه معجزة، أيضًا من بين المعجزات كما في التفصيل في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم إمامًا، هذه معجزة أن يأتوا من قبورهم ثم يعودون إلى قبورهم مرة ثانية هذه معجزة.
أيضًا لما رجعوا، وهذا عند البخاري: من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ((لما كذبتني قريش)) حين عاد من رحلة الإسراء والمعراج حَدّث بها كذبوه، يقول:((كُرِبْتُ لذلك)) يعني تَأَلَّم النبي صلى الله عليه وسلم لتكذيبهم، وقالوا: صِفْ لنا بيت المقدس، مع أنهم يعلمون أنه لم يكن ذاهبًا في رحلة سياحية، ليعد عدد الأبواب في المسجد الأقصى، أو عدد الشبابيك أو لون الجدران، هو ذاهب لمهمة نبوية، مهمة دعوية.
لما كرب لذلك النبي صلى الله عليه وسلم ماذا فعل الله له؟ جَلَّا له بيت المقدس، -حمل له بيت المقدس- يقول:((فَطَفِقْت أنظر أخبرهم عن آياته))، يقول:((جَلّا الله)) في رواية يقول: ((جَلَا)، يجوز التخفيف هنا، التشديد:((فَجَلّا الله)) أي: أظهر وأوضح لي بيت المقدس، ((فَطَفِقْتُ أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه)) يخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن علاماته وهو ينظر إليه صلى الله عليه وسلم.
إذن المعجزة بدأت بشق الصدر، والبُراق هي أيضًا معجزة تضمنت في طياتها معجزات، ثابتة من حيث الصحة بأقصى درجات الصحة، وبإجماع الأمة، وبتلقي الأمة لها بالقَبُول، هل العقل له مدخل؟ هذا ما يجعلنا نُلحّ على حدود إعمال العقل.
والمعجزات يُعرفها العلماء: بأنها أمر خارق للعادة، يُظهره الله على يد نبي؛ تأييدًا لدعوته وتأكيدًا لنبوته، وتصديقًا له في كل ما يخبر به عن الله عز وجل إذًا هي أمر خارق للعادة، أمر لا يناقش بالعقل؛ لأنها فوق العقل، وفوق التصور العقلي، وحين يدخل العقل ويُقْحِم نفسه في مناقشة هذه الأمور، هذا ما نُلحّ عليه كثيرًا هو تَدَخُّل فيما ليس من دائرة عمله، وما ليس له فيه، وهو مخطئ أشد الخطأ حين يفعل ذلك، أنت تُصدِّق النبي أو لا تصدقه أنت حر، لكن أن تصدقه