الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (البقرة: 105)، وفي قوله تبارك وتعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (البقرة: 109) إذن القرآن الكريم يسجِّل موقفهم قديمًا وحديثًا، وفي الحقيقة هم انطلقوا من هذه الروح العدائية التي اتجهوا بها ناحية المشرق بغرض الاستعمار، والسيطرة على الأمة الإسلامية، وإبعادها عن دينها، والقضاء عليها اقتصاديًّا وسياسيًّا، وهذا هو الذي حدث فعلًا، وإن شاء الله تبارك وتعالى تخرج هذه الأمة من هذه المعركة منتصرة بإذن الله؛ بعودتها الظافرة إلى كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
ملامح منهج المستشرقين في دراسة الإسلام
نُنَبِّه عن منهج المستشرقين في دراسة الإٍسلام. هم يحاولون أن يُلبسوا دراستهم ثوبَ الدراسة العلمية الدقيقة، يُكثرون جدًّا من استعمال مصطلحات خادعة، مثل قولهم: إن التحقيق والموضوعية والتدقيق والتمحيص هو منهجهم في كل ما يبحثون، لا يُفرِّقون في ذلك بين عدوٍّ أو صديق، أو قريب أو بعيد، ويقولون: إنهم يعتمدون على المنهج العلمي وعلى المنهج التجريبي، وأنهم يدرسون العقائد الدينية على أسسٍ من المبادئ المستمدَّة من العقل والمنطق، هكذا يزعمون. يشهد الله أن هذا كلام بعيد جدًّا عن الحقيقة، ولا هناك أمانة علمية ولا ثوب علمي، ولا يمتُّون إليه بصلة.
حتى من وُصف منهم بالإنصاف والدقة، ومحاولة الحيدة يعني: كثير من علمائنا
الذين درسوا الاستشراق يقطعون بأنه لا يوجد مستشرقٌ محايد ولا نزيه، حتى من أصدر بعض الكلمات التي ظاهرها يُشعر بالإنصاف للإسلام ونبي الإسلام؛ إنما دسَّ السمّ في العسل كما يقولون، وتتبعوا مقالاتهم في ذلك، وبيَّنوا هذا من ذاك.
الآن نبين المنهج الذي اعتمدوا عليه، ومدى بُعده عن الحقائق العلمية، والمناهج العلمية المتبعة عند العلماء في كل مكان، وإثبات زَيْف ما يقولون: إنهم يُوافقون المناهج العلمية.
وكيف نتصوَّر منهجًا علميًّا رصينًا ممن ينطلقون في أبحاثهم من موقف عدائي، كما أسلفنا قبل: الغرض التبشيري، الغرض استعمار البلاد الإسلامية، الغرض السيطرة على مُقَدَّرات الإسلام، هل يصدق العقل أن من ينطلق من هذه الروح العدائية سيكون حياديًّا في دراسته! حتى وإن زيَّف علينا وألبس دراسته ثوب البحث العلمي الدقيق، أو الذي يتَّبِع المناهج العلمية، الأمر أوضح من أن يقول فيه أحد، والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا، فهم انطلقوا في دراستهم من نزعة دينية تحمل الحقد والعداء للإسلام وأهله، ومن نزعة سياسية استعمارية تريد أن تسيطر على العالم الإسلامي، وعلى مقدَّراته، وعلى أرزاقه إلى آخره.
والبحث العلمي المجرد النزيه الخالص لا يمكن أن يكون بهذه الأوصاف حين ينطلق من هذه الروح العدائية، ولذلك عندنا العلم يُبتغى به وجه الله، نطلبه لله، والذي يطلب العلم لله لا يُمكن أن يُزيِّف ولا يمكن أن يظلم؛ لأنه متقي لله {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (البقرة: 282).
إذن، الزعم بأنهم يكتبون بلغة علمية رصينة وباتباع للمناهج العلمية الدقيقة، هذا زعم فاسد وباطل، وهم لن يتخلَّوا أبدًا عن نزعاتهم في هذه الكتابة، وكيف
يكتب بروح محايدة من يُكِنُّ العداء للإسلام وأهله، ليته حتى قدَّم النظرية الإسلامية، ثم انتقدها مثلًا في أي مجال من المجالات في التشريعات وفي غيرها، هو يبدأ بالعداء مباشرة، يبدأ بالاتهام ويسوق القضية في سوق الاتهام في سياق التهمة التي تثير الشكوك حولها، وكتاباتهم تشهد عليهم بذلك، ونحن لا نفتري عليهم.
كثيرٌ من الباحثين لخّص منهج المستشرقين في تناولهم للدراسات الإسلامية تلخيصًا حسنًا دقيقًا، نعتمد عليه.
منهجهم يقوم على القواعد الآتية:
أولًا: يُقدمون على دراسة الإسلام بفكرة مسبَّقة، ما هي الفكرة المسبقة؟ أن الإسلام متهم في تشريعاته، وفي كل شيء، ثم يُقيمون الأدلة على هذا، أظن هذا عداء واضح، قدِّم الإسلام كما هو من خلال مصادره الشرعية، ومن خلال فهم علمائه له! هذه هي الأمانة العلمية، أنا حين أُقدم نظرية غربية في أي مجال، حتى لو لم تعجبني، كيف يكون منهج التناول؟ أقدمها كما هي، وكما قال أصحابها، وكما أقاموا الأدلة عليها، ثم أنقد، لكن أن أسوق الفكرة من وجهة نظري أنا، منطلقة من العقيدة التي تحكمني، وهي عقيدة العداء للإسلام، فأسوقها بهذه الكيفية أولًا، يعني: أصوغها من أول الأمر في موقف الاتهام في قفص الاتهام، وأتخيَّر وأؤوِّلُ النصوص وأقطعها من سياقها حتى النصوص الإسلامية؛ محاولًا الوصول إلى هذه الفكرة وتثبيتها في ذهن المتلقي الغربي.
دور المستشرقين في منتهى الخطورة؛ لأنهم هم الذين صنعوا التصور الغربي عن الإسلام، حتى عند السياسيين الذين يقودون الدول الاستعمارية، ولم يكونوا متخصصين في دراسة الإسلام وأهله؛ أخذوا تصوراتهم عن الإسلام من دراسات المستشرقين، المجتمع نفسه، طلاب الجامعات الذين درسوا على يد هؤلاء المستشرقين في الجامعات، وعلى يد الكُتب التي ألفوها، وانتشرت في مجتمعاتهم، أو في البرامج المتلفزة، التي يَظهرون فيها. هذا المتلقي يتلقى عنهم هذا التصوُّر الذي يقدمونه، المبشِّرُون الذين يملئون العالم الإسلامي محاولين ردَّة أهله عن إسلامهم، هؤلاء انطلقوا من هذه التصورات الاستشراقية التي كتبها الأعداء.
فهم أصلًا وضعوا الإسلام في قفص الاتهام، ثم درسوه من هذه الوجهة، وحاولوا أن يبتعدوا بالنصوص عن سياقها ليؤكدوا هذا الأمر.
من منهجهم أيضًا: تحليل الإسلام ودراسته بعقلية أوروبية، فهم يعتمدون في الحكم على الإسلام على مقاييسهم الغربية، وهذا من أسوأ المناهج في الاحتكام إليها، يعني مثلًا: مجتمع يمجِّد عُرْي النساء، ومجتمع يرفضه انطلاقًا من شريعته، بالضرورة حين يتكلَّم المجتمع الذي يُبيح العري سينتقد هذا المجتمع؛ بينما هو مجتمع أخلاقي يبحث عن العفَّة والطهارة، لكنه حكَّم مقاييسه هو، وليست مقاييسي أنا في الحكم على الشيء، وهذا حقيقة في منتهى الخلل في المناهج العلمية، لا يمكن محاكمة عصر على مناهج عصر آخر، أو محاكمة أشخاص على مناهج أشخاص آخرين، هذا الذي نقوله الآن معروف في المناهج العلمية، يعني مثلًا: يتكلمون عن الديمقراطية الآن يقولون: حكم الخلفاء الراشدين غير ديمقراطي؛ لأنه لم يكن عندهم مجلس نيابي.
هذا خلل، كان عندهم شورى أروع بكثير كانوا يُقال لهم على المنبر وغير المنبر تقول لهم الرعية ما يريدون! إنما الاحتكام إلى مقاييس الواقعية في بيئة غير بيئة هذا خلل في المناهج العلمية؛ مثلًا: النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ببنت صغير، هذا كلام سفيه لا يستحق الرَّدَّ عليه، هل البيئة كانت تنكر؟ هل قرأنا أن أبا جهل وأن أبا لهب وغيرهم من عتاة المعادين للإسلام أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصنيع.
هذا أمر كان مألوفًا في البيئة بل ظلَّ مألوفًا لمئات السنين، ظل هذا الأمر -كما قلت- سنة بين المسلمين، زواج الكبير من الصغيرة أو من الكبيرة التي تكبره؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج الكبيرة التي تكبره بخمسة عشر عامًا، وتزوج الصغيرة
…
إلى آخره، لكن هذا مثال لخلل المناهج.
فالمستشرقون كانوا يحتكمون إلى العقلية الأوروبية وإلى القواعد الأوروبية في الحكم على الإسلام، ومن ثَمَّ يستثيرون الغربيين ضدَّ الإسلام:
هذا مخالف لكم، هذا يأتي بغير ما تعتقدون، هذا يأتي بغير ما تقولون، هذا يريد أن يبطل مجتمعاتكم.
يملئونهم بروح العداء للإسلام مخالفًا للمناهج العلمية، كما قلت: هذا منهج يتبعه المستشرقون، ثم يزعمون أنهم أبناء حيدة وإنصاف في حكمهم على الإٍسلام.
إذن، هم انطلقوا من الفكرة المسبقة، انطلقوا من المقاييس الغربية والمناهج عندهم في الحكم على الأشياء، ولم يحتكموا إلى المناهج الموجودة عند المسلمين.
أيضًا، اعتمدوا على كثير من الروايات الضعيفة والشَّاذَّة، إن شاء الله حين نتعرَّض للشُّبَه بتفصيل سنقف على مثل هذا، أحيانًا يقولون: نحن لم نأتِ ببدع من القول، هذا موجود في مصادركم، وقد يَتصور غير
المتخصص أن هذا كلام دقيق يلبس الثوب العلمي، هم لم يأتوا به من عند أنفسهم، إنما أتوا به من مصادرنا نحن، كيف جئتم به؟ اعتمادهم على الروايات الشاذة والضعيفة، وغض الطرف وترك الأدلة الصحيحة الثابتة منها.
الكتب التي تكلمت عن الاستشراق وأهله ساقت أمثلة لذلك أنا الآن حين أتكلم عن الخوارج -حتى لن أتكلم عن الغربيين- هل أتكلم عن الخوارج إلا من خلال فكره ما قالوه، ومن خلال مصادرهم، أتكلم عن الشيعة من خلال مصادرهم، ثم أنقد؛ إنما أتكلم من وجهة نظري أنا، فهذا غير إنصاف، هذا ليس اتباعًا للمناهج العلمية، إنما هذا يعني تزييف واتباع للمناهج الخاطئة، إذن يعتمد على روايات ضعيفة شاذة رفضها أبناء الإسلام وفقًا لمقاييسهم العلمية في الحكم على الروايات، لكنهم يجعلونها أساسية ليصلوا بها إلى أغراضهم التي يحاولون الوصول إليها.
أيضًا، تحريف النصوص ونقلها نقلًا مبتورًا خارجًا عن سياقه يخدم فكرتهم، وتجربة يسيرة، وحتى ليست من مستشرقين، من كاتب إسلامي وهو كبير، ألف كتابًا في السيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: إنه لم يعتمد على مصادر السيرة، وعلى مصادر السنة في كتابه، مع أننا نقول: إن مصادرنا في دراسة السيرة هي القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكتب السيرة المعتمدة عند علماء التخصص، هو ابتعد عنها، وقال: إنه اتبع المنهج العلمي والمنهج التجريبي، ليكن. لكن حين أراد أن يستدلّ لماذا ترك السنة، فأراد أن يدمِّرها، السنة هذه تأخر تدوينها، يعني: يثير بعض الإشكالات التي يثيرها المستشرقون، لكن محل العجب ماذا قال؟ على سبيل المثال: الإمام النووي -رحمه الله تعالى- شرح مسلمًا، وكتب عدَّة مقدمات دقيقة ونفيسة تُكتب بماء الذهب، كما فعل ابن حجر تمامًا في مقدمته
لشرح البخاري (هدي الساري) من بين ما كتب الإمام النووي كتب فصلًا يردُّ فيه عن الشُّبه التي أثاروها حول (صحيح مسلم)، فبدأها بالآتي قال:"عاب عائبون مسلمًا لروايته عن الضعفاء" يعني: هناك من وجَّه بعض النقد للإمام مسلم لروايته عن بعض الضعفاء من وجهة نظره، ولم يبين كيفية روايته عنهم، هو لا يعتمدهم في الأصول أبدًا، هذا أمر آخر، لكن أن أضرب مثالًا للمنهج العلمي الذي يزعمونه.
الإمام النووي قال هذه القولة: عاب عائبون مسلمًا لروايته عن الضعفاء، ثم شرع يردُّ عليها، والجواب عليها من كذا ومن كذا، هذا الناقل نقل هذه الكلمة فقط بدون الرَّدِّ عليها، وأتى بها في سياقٍ كأن الإمام النووي -رحمه الله تعالى- يُقرُّ بأن الإمام مسلمًا قد روى عن الضعفاء في كتابه، فاكتفى بنقل هذه الجملة يقول: قال الإمام النووي: "عاب عائبون مسلمًا لروايته عن الضعفاء"!! الذي يقرأ هذه الفقرة مبتورة من سياقها، ومقطوعة عما قبلها وعما بعدها يتصور أن الإمام النووي يُقرّ ذلك، هذه هي الأمانة العلمية التي يقولون عنها؛ بينما الإمام النووي أتى بها ليردَّ عليها، هذا كثيرٌ جدًّا في صنيع المستشرقين، يُخرجون النصوص عن سياقها ويبترونها عما قبلها وعما بعدها، يعرضون عرضًا ناقصًا مشوهًا مبتورًا؛ لتخدم فكرتهم، وإذا لم يجدوا سبيلًا إلى تحريف مقولات أساءوا فهمها، كل عداء إما أن يُحرّف في النقل، وإما أن يحرِّف في الفهم، انطلق من روح عدائية.
أيضًا: غُرْبة كثير منهم عن اللغة العربية وعن الإسلام، جعلهم لا يفهمون النصوص على وجهها الدقيق، لا يفهمون ما فيها من بلاغة، ولا يفهمون ما فيها من دِقة وعظمة، ومن أوجه محتَملة؛ فعدم فهمهم وجهلهم
باللغة من بين الأسباب التي أوقعتهم في سوء الفهم، الذي انعكس على كتاباتهم عن الإسلام وأهله. وحتى لو تخصَّص أحدهم في دراسة جزئية من جزئيات الإسلام أيضًا لم تغبْ عنه هذه الروح الضعيفة؛ نظرًا لضعفه في اللغة وفي فهمه الإسلام.
أيضًا: اعتمادهم على مصادر ليست معتمدة، حين أتكلم عن الحديث وعن مصادره أرجع إلى كتب السنة المعتمدة عند أهل العلم، التي طبقت المقاييس العلمية في الحكم على الأحاديث مثل: البخاري ومسلم وغيرهم، لكن تجدونهم يرجعون إلى كتاب (الحيوان) للدميري، (ألف ليلة وليلة)، (الأغاني)؛ بينما في نفس الوقت يُكذِّب ما ورد في مصادرنا الصحيحة مثل: كتب السنة الستة و (الموطأ) وغيرها. كل هذا اتباع للهوى، وكل ذلك يفعله انحرافًا عن الحق الذي يجب أن يكون، ثم هو يخدعنا بعد ذلك بأنه يلبس ثوب العلم والدقة.
إذن اعتمد كما قلت مصادر الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
أيضًا: التركيز على الجوانب المعقّدة والخلافية في المسيرة الإسلامية:
وكأنها هي مسيرة الإسلام، الكلام عن الفرق الإسلامية مثلًا، إحياء الشُّبَه، الكلام عن الخلافات في السياسة، أو في نحوها، وكأن ذلك هو مسيرة الإسلام طوال حياته، لا يذكرون أبدًا الجوانب الإيجابية، وهذه روح العدائية.
هذا حالهم مع الإسلام، الإسلام ليس فيه ما نخجل منه، ليس فيه ما نخشاه، نحمد الله على نعمة الإسلام، ونسأل الله عز وجل أن يثبتنا على إسلامنا حتى نلقاه،
ونحن مسلمين بصدق الإيمان كله، أقول: نفخر، ونعتزّ، ونحمد الله تعالى على نعمته.
مثلًا: حين يتعرَّضون لتاريخ هارون الرشيد أحد خلفاء الإسلام العظام، تجدهم يركزون على مجالس الشعر، أو ما شاكل ذلك، وينسون أنه كان يجاهد عامًا ويحج عامًا، وينسون احترامه للعلماء وحبه لهم، وتقريبه لهم في مجالسه، إلى آخر الإيجابيات العظيمة التي تملأ تاريخ الإسلام.
أيضًا: هذا منهج مختلّ حين يركّز على السلبيات ويترك الإيجابيات.
أيضًا: لأنه يحرِّف الكلم عن مواضعه، ويفهم النصوص على غير وجهها؛ نتيجة للتعصب؛ يصل إلى نتائج خاطئة مخالفة لما يعتقده المسلمون، ويؤكِّد عليها ويثبّتها، ويظلّ يلحّ عليها، النظرية المعروفة:"اكذبْ اكذبْ حتى تصدِّق نفسك في آخر الأمر"؛ لأنه يعلم أن المتلقي عنه لا يملك جهة أخرى يتلقى عنها غير هذه الجهة التي هو منها هذا المستشرق، الكتب، أو البرامج، أو الحلقات الدراسية، أو النقاشية، أو ما إلى ذلك.
يظلُّ يتكلَّم عن أن الإسلام يهمل المرأة، ويسقط حقوق المرأة، ويُعيد ويزيد في هذه القضية حتى يترسَّخ في وجدان المتلقي أن هذه حقيقة من حقائق الإسلام الثابتة، ويتبع ما ذكرناه سلفًا من الاعتماد على الروايات الضعيفة، من تأويل النصوص على غير بابها، هم لا يتحرجون من أي مخالفة أخلاقية أو علمية أو منهجية، ويزعمون في نهاية الأمر أنهم يتابعون المناهج العلمية الدقيقة.
أيضًا: الغرب من سماته أنه عالم مادي يعتمد على الأرقام، الدنيا في نظرهم: يعمل، وينتج، ويكسب، ويستمتع بها، جوانب الإيمان والتذوق والكلام عن الجهاد والجنة، والرجاء في مغفرة الله وفي رضوانه،
وهكذا، أمور بعيدة عن كثير منهم، فحين يكتبون وحين يدرسون أيضًا ينطلقون من هذه الحقائق المادية الجامدة، التي تقتل الأحاسيس، وتُميت المشاعر، وتُبعد الإنسان عن خالقه، وتجعل الشيطان يسيطر عليه في كل أمر من أموره.
أيضًا: تفسير سلوك المسلمين بما يُناسب الأغراض السابقة، المسلمون يُجاهدون طمعًا في الدنيا، طمعًا في المكاسب، يريدون استعمار الدول، مع أنهم هم الذين فعلوا ذلك، لم يذهب المسلمون أبدًا إلى أرض بنيَّة احتلالها، لم ينقلوا خيرات بلد إلى بلدهم أبدًا، لم يُعاملهم أبناء البلاد المفتوحة كمحتلين بل فرحوا ببقاء المسلمين بينهم بدءًا من الصحابة ومن بعدهم لكنهم يصوِّرون الأمر على عكس ذلك، جاءوا ليستمتعوا بالنساء يعني: ما فيهم نقلوه إلى المسلمين، والمسلمون من هذا براء.
هذه بعض ملامح المنهج الذي اتبعه المستشرقون في دراسة الإسلام بشكلٍ عام، ليس الأمر مقصورًا على التفسير في كلامهم عن الجهاد، في كلامهم عن القرآن، عن الحديث، عن السنة، عن الصحابة، عن المسيرة السياسية للإسلام وأهله، عن الخلفاء، عن البلاد التي فتحوها، هذه الأمور التي ذكرتها عشرة أو أكثر أو أقل، هذا المنهج هو الذي سيطر عليهم في كل دراساتهم المتعلقة بالإسلام وأهله، هذا المنهج سيتضح جليًّا حين نتكلم بشكل تطبيقي، وبشكل عملي حين نرى دراستهم للسنة المطهرة.
نقلًا عن الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله تعالى- في كتابه (السنة ومكانتها في التشريع)، وهو قد عقد دراسة مهمة للاستشراق ومنهجه، وهو من المصادر التي نعوِّل عليها في هذا البحث وغيره، ويعتمد عليها الباحثون كثيرًا،
وله كتاب آخر في الاستشراق وغيره (الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم)، يقول -رحمه الله تعالى-: "ترى لو استعمل المسلمون معايير النقد العلمي التي يستعملها المستشرقون في نقد القرآن والسنة وتاريخنا، في نقد كتبهم المقدسة وعلومهم الموروثة، ماذا يبقى لهذه الكتب المقدسة والعلوم التاريخية عندهم من قوة؟ وماذا يكون فيها من ثبوت؟
نعم، سنخرج بنتيجة من الشَّكِّ وسوء الظن أكبر بكثيرٍ مما يخرج به المستشرقون بالنسبة إلى مصادر ديننا وحضارتنا وعظمائنا؛ فحضارتهم مهلهلة رَثَّة الثياب، ورجال هذه الحضارة من علماء وسياسيِّين وأدباء يبدون في صورة باهتة اللون، لا أثر فيها لكرامة ولا خلق ولا ضمير.
نعم، لو فعلنا ذلك -كما يفعلون- لرأوا كيف عاد هذا المنهج الذي زعموا أنهم يستخدمونه لمعرفة الحقيقة في ديننا وتاريخنا وَبَالًا عليهم، لعلهم يخجلون بعدئذٍ من استمرارهم في التحريف والتضليل والهدم".
هذا النقل فيه بعض التصرف لكن هذا خلاصة كلامه -رحمه الله تعالى-.
والشيخ الغزالي -رحمه الله تعالى- يقول: "الاستشراق كهانة جديدة تلبس مسوح العلم والرهبانية في البحث، وهي أبعد ما تكون عن بيئة العلم والتحرر، وجمهرة المستشرقين مستأجرون لإهانة الإسلام وتشويه محاسنه والافتراء عليه"، هذا كلام للشيخ رحمه الله في كتاب له اسمه (الدفاع عن العقيدة والشريعة) في ص8، والدكتور محمد البهي رحمه الله في (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي)، والدكتور محمود زقزوق في (الاستشراق)، وكتب كثيرة تُبيّن منهج الاستشراق.
يعني: هذه هي الروح العدائية التي انطلق منها المستشرقون وهذا منهجهم المختلّ.
وفي النهاية هناك بعضهم حاول أن يَلبس لباس الإنصاف والحيدة، ذكر بعض المحاسن للإسلام. على كلِّ حال علّمنا القرآن الكريم أن نُنصف، وأن نعطي كل ذي حق حقَّه:{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} إذن ليسو سواء؛ لأنه تكلم عن بعضهم قبل ذلك بما فيهم من الخلل، وأيضًا تكلَّم عن بعضهم بما فيهم من الوجوه الإيجابية:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (آل عمران: 75).
علمنا الإسلام من خلال القرآن والسنة النَّصَفَة، وجادل بالحق، فنحن نذكر لبعضهم بعض المواقف التي كانوا فيها مُنصفين، مع أن كثيرًا من باحثينا يقطع بأن أحد منهم لا يوجد عنده إنصاف أبدًا، بل حاول أن يصوغ ذلك لكنه دسَّ السم في العسل.
على كل حال، بعضهم هداه الله للإسلام، ولعل ذلك كان سببًا في جنون البعض أنه حين يقرأ بإنصاف وتعمُّق يهتدي إلى الإسلام، فأرادوا أن يعلنوها حربًا شرسة شديدة لتشويه الإسلام وصورته؛ فكان أن خرجوا عن ثوب الإنصاف والحيدة والعدل في تناول الإسلام وأهله.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.