الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(الاستشراق وموقفه من السنة المطهرة)
تعريف الاستشراق والمستشرقين
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فنتكلم عن الاستشراق، وموقفه من السنة المطهرة، والمنهج الذي اتبعه المستشرقون في الدراسة، كمقدمة لدراسة شبههم التي أثاروها حول السنة المطهرة:
الاستشراق في اللغة:
الألف، والسين، والتاء للطلب، حين أقول: أستغفر الله؛ يعني: أطلب المغفرة من الله تبارك وتعالى، فاستشرق أصل المادة شرق، تقول: شرقت الشمس أي: طلعت، واسم المكان أو الجهة المَشْرِق:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} (البقرة: 115). ويُقال: شتان ما بين مَشْرق ومغرب
…
إلى آخره.
وكلمة استشرق أي: طلب دراسة ما يتعلق بالشرق، المُسْتَشْرِق: اسم فاعل من استشرق أي: الذي طلب دراسة ما يتصل بالشرق، والاستشراق اصطلاحًا كما عرفته كثير من المصادر التي تكلمت عن الاستشراق ودلالاته: هو علم الشرق، أو علم العالم الشرقي، وهو تعبيرٌ أو مصطلح أطلقه الغربيُّون على الدراسات المتعلقة بالشرقيين، دراسةِ شعوبهم، وتاريخهم، وأديانهم، ولغاتهم، وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية وحضارتهم، كل ما يتعلق بهم، كان هذا معنى الاستشراق.
ثم صار الاستشراق يُطلق على معنى خاص: بعد هذا المعنى العام الذي يعني دراسة الشرق بكل أحواله، صار يختصّ -أي: الاستشراق- بدراسة الإسلام والشعوب الإسلامية لخدمة أغراض التبشير، وخدمة أغراض الاستعمار الغربي
لبلدان المسلمين، ولإعداد الدراسات اللازمة لمحاربة الإسلام وتحطيم الأمة الإسلامية.
هذا المعنى قاله كثير من الذين تكلموا في الاستشراق:
(أجنحة المكر الثلاثة وخوافها) للأستاذ عبد الرحمن الميداني، (الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري) للدكتور محمود زقزوق وغيرهم، (المستشرقون والتاريخ الإسلامي) للدكتور علي الخربوطلي، (رؤية إسلامية للاستشراق) للدكتور أحمد غراب، وكثير من الكتب اصطلحت على تعريف الاستشراق بهذا المعنى الذي نقوله.
حُصر الاستشراق بعد أن كانت دراسة الشرق كله من كل جوانبه- حُصر الأمر في دراسة الإسلام والشعوب الإسلامية، والغرض من هذه الدراسة خدمة أغراض التبشير، خدمة أغراض الاستعمار، إعداد الدراسات اللازمة لمحاربة الإسلام والأمة الإسلامية.
وتكوََّن من هذا الثلاثي ثالوث موجه ضد الأمة الإسلامية: التبشير، الاستعمار، الدراسات التي قام بها المستشرقون للسيطرة على بلاد الإسلام بعد أن يدرسوا المنافذ التي تؤدِّي بهم إلى ذلك.
ومن هو المستشرق إذن؟
المستشرقون هم الذين يقومون بهذه الدراسات من غير الشرقيين، ويقدِّمون هذه الدراسات للمبشِّرين وللقائمين على قيادة الدوائر الاستعمارية؛ لكي يستفيدوا بتلك الدراسات في تحقيق أغراضهم التي يبحثون عنها من الأمة الإسلامية؛ من
الاستيلاء على مصادرها الاقتصادية، من توهين عقيدتها الدينية
…
إلى آخر ما يقصدونه من أغراض ومن أهداف.
هذا الاستشراق كان دوره خطيرًا في الحقيقة؛ لأنه هو الذي صاغ التصورات الغربية عن الإسلام وأهله لكل أبناء الغرب، من سياسيين وغيرهم، هذا الاستشراق كان هو المقدمة، كان هو الطليعة للغرب في تقديم المعلومات من وجهة نظرهم للغرب، وكيف يتمكَّنون من السيطرة على الإسلام في كل الجوانب.
والمستشرق هو الذي يدرس أحوال الشرق بهذا المعيار الذي قلناه من علماء الغرب، وليس من علماء الشرق، أي: يطلب الاستشراق دراسة أمور الشرق. وكما قلنا: إن هذا الاستشراق كان له أكبر الأثر في تصوُّر العالم الغربي بشكل عام عن الإسلام، استمدَّ الغرب معلوماتهم عن الإسلام وحدَّدوا موقفهم منه بناءً على هذه الدراسات الاستشراقية، وهذا هو وجه الخطورة في الاستشراق وما يتعلق به في جانب العقيدة، وفي جانب السنة التي سنقف معها.
الاستشراق -بهذا المعنى الخاص الذي قلناه- يعتبر موقف عقائدي وفكري معادي للإسلام؛ لأنه انطلق لخدمة التبشير ولخدمة الاستعمار للقضاء على الأمة الإسلامية، إذن هو انطلق من موقف معادي بادئ ذي بدء، وهذه خطورة، وهو الذي يجعلنا نقف ونتصدَّى، ولذلك لم يتركوا شيئًا يتعلق بالإسلام وأهله إلا وتكلَّموا فيه، وصارت لهم المؤلفات.
ويشهد الله أننا لا نفتعل المعارك، لا نحارب طواحين الهواء كما يقال، إنما هذه الحقيقة، والله عز وجل سجّل هذا الأمر في أكثر من آية في القرآن في الكريم: