الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو من أركان الإيمان التي لا ينعقد الإيمان إلا بها؛ فكلمة تمام الإيمان التي استعملها الإمام الشافعي يقصد كمال انعقاده.
ومن هنا وجبت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بمقتضى هذا الإيمان، لا يصلح أن تكون مؤمنًا، ثم أنت غير طائع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لو زعمت أنك طائع لله، وهذا المعنى الخطأ يقع فيه كثيرٌ من الناس؛ بل إن -كما ذكرنا- يُزيّن لهم سوء عملهم، فيتصورون أحيانًا أنهم يدافعون عن السنة، وعن الإسلام، وعن تخليص كتب السنة من الأحاديث التي يرونها غير موافقة لفهمهم، أو للواقع، أو التي تسبب حرجًا من وجهة نظرهم للإسلام في أي مجال، وتصاعد الأمر ببعضهم إلى أن رفعوا قضايا أمام المحاكم؛ لكي يُلزموا الأزهر الشريف والهيئات العلمية بأن تنقّي البخاري ومسلم -هذان الكتابان اللذان أجمعت الأمة على أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله تبارك وتعالى من الأحاديث التي يرونها غير صحيحة، ولو فُتح الباب لتلك الأهواء ما سلم لنا حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أدلة حجية السنة من خلال إجماع الأمة
أيضًا من الأدلة على حجية السنة الإجماع، أجمعت أمة الإسلام قديمًا وحديثًا على التمسك بالسنة، والعض عليها بالنَّواجذ، وعلى ضرورة تطبيقها والسير على هديها في كل جوانب حياة المسلمين، لم يمارِ في الحقيقة في هذه المسألة إلا نفر حقيقة ممن لا يُعتدُّ بخروجهم عن إجماع الأمة من بعض الخوارج ومن الروافض.
هذا أمر كان واضحًا جليًّا في حياة الأمة، من لدن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة بأن تتبع هديه، وأن تجمع سنته، وأن تفهمها وأن تطبقها، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا بنضارة
الوجه، فيما رواه الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- لمن سمع حديثًا من النبي صلى الله عليه وسلم فأدَّاه كما سمعه من غير زيادة ولا نقصان، فرب مبلغ أوعى من سامع، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
إذن، الأمة وعت دور السنة وأهميتها، وأن القرآن لا يفهم بدونها، وأن الإسلام لا يُطبَّق بدون فهم القرآن الكريم وبدون السنة المطهرة، فلذلك حرصت على السنة وعضت عليها بالنواجذ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:((ليبلغ الشاهد الغائب)) يعني: كل من بلَغه حديث أو شهد واقعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسمع حديثًا عليه أن يبلغه للأجيال اللاحقة حتى تتواصل الأمة بكل أجيالها عبر القرون، وإلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها على حب الله تبارك وتعالى وحب النبي صلى الله عليه وسلم، وحب سنته، وضرورة تطبيقها في حياته.
ولذلك انعقد الإجماع على ذلك، على حجية السنة، وعلى ضرورة الالتزام بها، وعلى استقلالها بالتشريع.
قد نقرأ نقاشات، مثلًا يُناقش البعض أحيانًا: هل الذي جاءت به السنة ينبثق عن أصل قرآني أو لا ينبثق؟
هذا نقاش في نظري لا يغير من جوهر الحقيقة شيء، وهو أنه يجب اتباع السنة، وأن السنة تستقل بالتشريع؛ فسواء انبثق الحكم النبوي الذي جاء في السنة عن أصل قرآني، أو لم ينبثق هذا النقاش، لا يُغيّر في المسألة شيء، فهو حكم جديد.
فمثلًا، حين يحرم القرآن الكريم الجمع بين المرأة وأختها:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (النساء: 23) وحين جاءت السنة لتحرم الجمع بين المرأة وعمتها، فإن ذلك يراه البعض منبثقًا عن أصل قرآني، ويراه البعض
حكمًا جديدًا لا ينبثق عن أصل قرآني، أيًّا كان الأمر فإن الخلاف هنا لا يُغيِّر من جوهر المسألة، وهي أن السنة تشرع، هذا حكم جديد ليس في القرآن؛ سواء كان منبثقًا عن أصل قرآني أو غير منبثق، لكنه في كل الحالات حكم جديد أتت به السنة المطهرة.
أقول: انعقد إجماع الأمة على حجية السنة وعلى استقلالها بالتشريع، ويقول الشوكاني -رحمه الله تعالى:"إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يُخالف في ذلك إلا من لا حظَّ له في الإسلام" هذا الكلام الخطير قاله الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه (إرشاد الفحول) ص29.
ذكرنا الأدلة من القرآن الكريم، ومن السنة المطهرة، ودليل الإيمان، ودليل الإجماع على حجية السنة المطهرة.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.