الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس يعلمون وقتها؛ إنما هو فقط هو الذي لا يعلم ((ما المسئول عنها بأعلم عن السائل)) قال العلماء في شرح هذه الجملة: أي: لتشمل كل سائل وكل مسئول، يعني: كل سائل وكل مسئول إلى يوم القيامة في الجهل بوقت القيامة سواء، لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى لأن هذا مما انفرد الله تعالى بعلمه.
بيان خطأ المدرسة العقلية التي تُخضع النصَّ للعقل
نقف وقفة مع المدرسة العقلية التي تحكِّم العقلَ في النص: "هذا الحديث لا يوافق العقل!! ". أي عقل يقصدوه؟ وما هي الضوابط للنظر في السنة بالميزان العقلي؟ هذا أمر مهم جدًّا العقول من حقها أن تنظر، أي عقل ينظر؟
كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: أن العقل يمجُّ بعض الأحاديث التي ذكروها منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الضوابط التي في ضوئها يعمل العقل هو الأمور المادية المحسوسة، الكون كله، بإيجاز شديد دائرة الماديات، كيف نزرع الأرض؟ كيف نصنع من الخشب مكتبًا ومنضدةً وسريرًا وكرسيًّا؟ إلى آخره، كيف ننقي الأرض من الحشائش؟ كيف نطير في أجواز الفضاء؟ كيف كذا؟ رجل مثلًا يجلس يقذف بالتفاحة أو بالطوبة إلى أعلى، فتنزل إلى أرض، لماذا لم تصعد إلى أعلى؟ فيكتشف قانون الجاذبية، كل ذلك وغيره.
قلنا: نريد للعقل أن يسيح في الكون والله عز وجل يُنعم عليه بما شاء من معونات وفيوضات يبتكر بها أمورًا يعتمد فيها على خلق الله عز وجل تُيسّر للناس أمور معايشهم، نركب الطائرات، ونركب القطارات، ونركب السيارات، ونستعمل الهواتف، ونضع النظارات على أعيينا، ونلبس الأزياء الطيبة المباركة، إلى آخر ما نشاء من نعم الله تبارك وتعالى. الكون كله أمام العقل يعمل فيه بهدي الله عز وجل-
وبقانون الله عز وجل فيجري الله عز وجل على يد البشر ابتكارات تنفعهم في أمور دينهم ودُنياهم، من تحسينهم مواد التربة، من البذور التي تُنتج غلة أكثر من المواد التي تخلو من المضار، يوفقهم الله إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
أما أن يدخل العقل فيما ليس له فيه، فهذا من باب إقحام العقل فيما ليس له، وقطعًا سيضل العقل وسيشقى ويُشقي صاحبه، ويسير به إلى طريق الضلال والغواية، هذه من البداهيات التي لا بد أن يصطلح عليها البشر جميعًا، كيف يتكلم العقل مثلًا في أمور ما وراء الطبيعة كما يقول الفلاسفة، أو غيرهم، يعني: كيف يتكلم في العالم الذي لا يراه؟ كيف يتكلم عن الغيبيات؟ كيف يتكلم عن الوحي؟ كيف يتكلم عن القبر وما يحدث فيه وهو لم يره؟ كل ذلك لا مجالَ للعقل فيه، كيف يتكلم عن القيامة ومشاهدها من بعث، وحشر، وجنة، ونار؟ وكل ذلك يعتمد على الأدلة النقلية المسموعة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة.
أنتَ لا تستطيع أن تتكلم فيها بعقلك، العقل هنا لا يصلح أن يكون مقياسًا أبدًا لمعرفة الصواب والخطأ في هذه الأمور، كيف سيتكلم، هل هناك أحد ذهب إلى القبر وعاد ليخبرنا ماذا فيه؟ هل هناك أحد رأى مشاهد الآخرة التي لم تحدث بعدُ، ورأى الحساب، والميزان، والصراط، والحشرَ، والشفاعة، والجنة، والنار، والحوض، وما إلى ذلك، وجاء لينكر أو ليوافق؟ كل ذلك لا يصلح، أنا أحترم العقل حين أضعه في الدائرة التي يستطيع أن يعمل فيها، وأنا أهينه وأنزل من قدره حين أضعه فيما ليس له من تخصصه، سيتيه، سيضرب في بيداء من الجهل والظلمات والضلالات، سيصل إلى نتائج ربما تصل إلى الإلحاد والإنكار، هذا أمور بدهية.
وبالمناسبة لو أنصف الذين يزعمون أنهم أبناء المدرسة العقلية، أو أنهم يهتمون بالعقل، ووضعوا العقل في إطاره؛ العقل لا تصادم بينه وبين الدين، وحين نقول: إن العقل لا يدخل في هذه الأمور لا ينبغي أن يضحكوا علينا، وأن يقولوا لنا: هذه مصادرة على العقل، وهذه حرب على التفكير والإبداع، هذا كلام متهالك، لا ينبغي أن يُخدع به أحدٌ، أبدعوا في الطب، وأبدعوا في الصيدلة، وأبدعوا في الهندسة، وأبدعوا في الزراعة، وأبدعوا في الفضاء، وفي الأسلحة، أغنونا عن أعدائنا في كل هذا، اعملوا، وابتكروا، وأضيفوا إلى رصيد الأمة الإسلامية في هذه الميادين ما يوفقكم الله تعالى إليه. أما أن تدخلوا لتفسدوا على الأمة أمر دينها، وهكذا تحت دعوى أن هذا احترام، أي احترام للعقل أن أدخله فيما ليس فيه؟
هذا الكلام ما فائدته؟ لو أعملوا ذلك ما تدخلوا في أحاديث أنكروها بالعقل، وهي صحيحة وثابتة، ثم إن عقلونا تقبلها، وعقول الأمة كلها على مدار ال ال تاريخها قبلته، أعقولهم أنضج من عقولنا؟ لماذا يفرضون هذا؟ ولماذا يتصورون أن عقولهم أفهم وأوعب لهذه الأمور منا نحن؟ نحن لا نقل عنهم فهمًا، نحن لا ندعي لأنفسنا أننا أفقه منهم، لكننا على الأقل لا نقل عنهم فهمًا لأمور ديننا ودنيانا ونعرف الضوابط ثم إن هذه الأمور اصطلح عليها أهل العلم في العالم كله، وتكلمنا عن خلل المستشرقين في منهجهم، وأنهم يتكلمون كثيرًا عن المناهج العقلية، والمناهج العلمية، والتجريبية، والاستدلال، وينقضون كل ذلك فيما يتعلق بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، وليس عندهم أمانات في النقل، ويعتمدون على مصادر ضعيفة، ولا يعتد بها عند أهل العلم، ويزعمون أنهم أرباب المذهب العقلي، أو أرباب المذهب التجريبي.