المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات - الدفاع عن السنة - جامعة المدينة (بكالوريوس)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 معنى الشبهة، واستعمالاتها، وموقفنا تجاهها

- ‌أهمية السنة في الإسلام

- ‌تعريف الشبهة لغة واصطلاحًا، وبعض استعمالات القرآن والسنة لها

- ‌موقفنا من الشُبه وواجبنا نحوها

- ‌الدرس: 2 الاستشراق وموقفه من السنة المطهرة

- ‌تعريف الاستشراق والمستشرقين

- ‌ملامح منهج المستشرقين في دراسة الإسلام

- ‌الدرس: 3 علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم

- ‌العلاقة بين القرآن الكريم والسنة المطهرة

- ‌محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌الدرس: 4 تابع علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة

- ‌المحور الثالث من محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌نقاط حول علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم

- ‌الدرس: 5 أدلة حجية السنة المطهرة (1)

- ‌معنى الحُجِّيَّة

- ‌أدلة حجية السنة من القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 أدلة حجية السنة المطهرة (2)

- ‌تتمة أدلة حجية السنة من القرآن الكريم

- ‌تحذير القرآن الكريم من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 7 أدلة حجية السنة المطهرة (3)

- ‌أدلة حجية السنة من الأحاديث النبوية الشريفة

- ‌من أدلة حجية السنة: دليل الإيمان

- ‌أدلة حجية السنة من خلال إجماع الأمة

- ‌الدرس: 8 أدلة حجية السنة المطهرة (4)، دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (1)

- ‌بقية الأدلة على حجية السنة

- ‌دفع شبه منكري حجية السنة

- ‌الدرس: 9 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (2)

- ‌قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء}

- ‌قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}

- ‌قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}

- ‌قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ…}، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ}

- ‌قوله تعالى: {…إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}

- ‌قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌الدرس: 10 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (3)

- ‌شبهة: أن الله سبحانه تكفّل بحفظ القرآن ولم يتكفَّل بحفظ السنة

- ‌أدلة ابن حزم وابن القيم وغيرهما على حفظ الله سبحانه للسنة

- ‌شبهة: عرض السنة على القرآن

- ‌الدرس: 11 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (4)

- ‌تقسيم الحديث باعتبار عدد الرواة

- ‌التواتر لغة واصطلاحًا

- ‌شروط الحديث المتواتر

- ‌الدرس: 12 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (5)

- ‌أقسام الحديث المتواتر

- ‌الدرجة التي يفيدها الحديث المتواتر من العلم

- ‌حديث الآحاد

- ‌الدرس: 13 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (6)

- ‌الشبه المثارة حول حجية خبر الواحد، والرد عليها

- ‌أدلة الإمام الشافعي على حجية خبر الواحد

- ‌الدرس: 14 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (7)

- ‌بقية الأدلة على حجية خبر الواحد عند الشافعي

- ‌الأدلة على حجية خبر الواحد من (صحيح البخاري) ومناقشتها

- ‌الدرس: 15 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (8)

- ‌شبهة: وضع الأحاديث في القرنين الأول والثاني نتيجة لتطور المسلمين

- ‌شبهة: استغلال الأمراء الأمويين والعباسيين علماء المسلمين لوضع ما يثبت ملكهم

- ‌الدرس: 16 بين المدرسة الحديثية والمدرسة العقلية

- ‌دفع ما أثير حول المدرسة الحديثية من شبهات

- ‌بيان خطأ المدرسة العقلية التي تُخضع النصَّ للعقل

- ‌ملامح المدرسة العقلية

- ‌الدرس: 17 حديث الذباب، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

- ‌الدرس: 18 حديث الإسراء والمعراج، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌تفاصيل رحلة الإسراء والمعراج، وبيان ما حدث فيها من معجزات

- ‌الرد على ما أثير حول رحلة الإسراء والمعراج من شبهات

- ‌الدرس: 19 حديث فقء موسى عليه السلام لعين ملك الموت، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

- ‌ذكر ما تضمَّنه الحديث من فوائد عظيمة

- ‌الدرس: 20 حديث السحر، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث وبيان درجته، وشرح بعض معانيه

- ‌شرح حديث السحر

- ‌الرد على ما أثير حول حديث السحر من شبهات

- ‌الدرس: 21 تابع حديث السحر، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌ذكر ما تضمَّنه الحديث من فوائد عظيمة

- ‌قواعد كلية ينبغي للمسلم معرفتها أثناء دفاعه عن السنة

الفصل: ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

على كل حال لو استغربنا بعض الأمور فلا ينبغي أن ننكرها، ولا أن نقول باستحالتها، إنما علينا أن ندرسها بعمق حتى يزول هذا الاستغراب، لا أن يكون الاستغراب حاجزًا يتضخم إلى أن يصل إلى حد الإنكار والرفض الذي يوقع صاحبه في معاندة القرآن والسنة المطهرة.

هذه خلاصة المسألة، فنحن لا نصادر على من يستغرِب، ولكن نعتب على من يتوقف عند حدود الاستغراب ثم يتضخم هذا الاستغراب عنده ليصل به إلى حد الإنكار والحكم بالاستحالة، فيصبح مصادمًا لنصوص القرآن الكريم ونصوص السنة المطهرة التي ثبتت صحتها عند علماء الأمة الأثبات.

إذن نفرغ من هذا أن الحديث صحيح، وأنه ورد من طرق متعددة، وأنه ثبتت صحته، وأجمع علماء الأمة، ولا نجد واحدًا من علمائنا الأثبات القدامَى الذين نظروا في السنة ومنحوا الإجماعَ على حديث البخاري -أي: على صحته الإمام البخاري والإمام مسلم، رحمهما الله تعالى- وقلنا: إن الأمة قد تلقت أحاديثهما بالقبول وأجمعت على ذلك، لم نجد واحدًا من هؤلاء الأثبات توقف عند هذا الحديث واعترض عليه.

‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

الآن ندخل إلى بعض الشُّبَه التي أثاروها شبهةً شبهةً:

كيف يعرف الذباب أنه يحمل في أحد جناحيه داءً وفي الآخر دواءً؟ وكيف أنه ينزل بالجناح الذي فيه الداء؟ هل الذباب عاقل حتى يستطيع أن يدرك ذلك؟

لو أنكرتَ ذلك، ما المانع أن يلهمه الله تبارك وتعالى ذلك، الذباب لا يتحرك بمفرده، يتحرك بفطرته التي فطره الله عليها، وليس الذباب فحسب، الحية فيها

ص: 318

السم وفيها الترياق، النحل فيه السم وفيه العسل، من الذي ألهم النملة وهي تحمل الحبة أن تخرقها لكي لا تَنبُت حتى تستطيع أن تحتفظ بها. عشرات المخلوقات التي ليست من أصحاب العقول، لها أمور فطرها الله عليها: تتقي الخطر، كل الحيوانات تتقي الخطر، وتعرف مَن يقف ضدها في هذا الكون وتهرب منه، وتفر وتبحث عن نفسها عن مأوى، وعن مفر، وعن مهرب، ذلك نراه بالعين حتى في الحيوانات المفترسة التي هي تستطيع أن تدافع عن نفسها.

كل واحد فُطِر على أشياء يهتدي بها إلى ما ينفعه في المطعومات والمشروبات، وفي درء الخطر عن نفسه، في كل الأمور، هاتِ أي حيوان وألقِ به في النار مثلًا، واترك له الحرية في أن يبتعد عنها، لن يدخل، كيف عرف ذلك؟ هذا أمر فطريّ فطره الله عليه، يعني: لماذا يفر الفأر حين يرى القط؟ أين محل التفكير مثلًا، ويفر سريعًا ويهرب ويبحث عن ملاذ وملجأ حتى لا يفتك به القط، لماذا يهرب القط حين يرى الكل؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا

؟ أسئلة كثيرة تدحض في وضوح وجلاء إحدى الفريات التي بنوا عليها رفضهم للحديث.

هل الذباب عاقل حتى يميز؟

نعم، الذباب يتحرك بالفطرة، يتحرك بما جبله الله عليه، وشأنه في ذلك شأن المخلوقات الكثيرة التي نراها رأيَ العين، وضربنا أمثلة بها.

إذن هذه الشبهة مردود عليها في وضوح وجلاء.

أيضًا هو ينزل بالجناح الذي فيه الداء بالفطرة يتقي هذا، أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ينزل بالجناح الذي فيه الداء، يدفع عن نفسه الخطر بذلك، أيضًا أشرنا كل المخلوقات تقريبًا اهتدت بفطرتها المتضادات، المتضادات تخرج من

ص: 319

بطون المخلوقات جميعًا، والله عز وجل قد امتن علينا:{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} (النحل: 65، 66) من بين الفرث والدم يُخرِج الله لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} (النحل: 67) تتخذون شيئًا يسكر يذهب العقل: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} (النحل: 67) ولذلك وصف الرزق هنا بالحسن، كل شيء صالح لهذا، وصالح لهذا، إما بالاستعمال البشري، وإما بالفطرة التي فطره الله عليها، كل ذلك وارد في الأحاديث النبوية.

إذن لا نستطيع أن نرد هذا الأمر، إنما نقول: وقد ضربنا أمثلة كثيرة لهذا الأمر من واقع المخلوقات التي خلقها الله تبارك وتعالى.

أيضًا من ناحية أنه مخالف للعقل:

أيّ عقل هذا؟ مادام أن الذباب في هذا الصنيع فائدة لنا أن تحدُث المعادلة بين الترياق وبين الداء، إذن هي فائدة، وأيّ عقل ينكر هذه الفائدةَ هو العقل الذي يراجع نفسه، عليه أن يكمل نفسه بالمواد العلمية، أو بالبحث العلمي الذي يستطيع أن يتأكد من هذه الحقيقة.

إذن قوله: "إنه يخالف العقل" عقولنا تقبله، بل إني أرى أن هذا الحديث فيه سبق اقتصادي، فيه سبق مالي طيب جدًّا، يعني لو وقع الذباب في آنية من العسل فيها بضعة كيلوهات من العسل، من اللبن، من السمن، نرميه؟! من الذي يقول ذلك؟ أيّ عقل؟ هاتِ أي سيدة من رَبات البيوت التي تحافظ على المعاش وعلى النقود وعلى كذا، صدرها يضيق جدًّا بأن تُلقِيَه وأن تُرِيقَه؛ لأن الذباب وقع فيه، بل إنها لو لم تقل:"نغمسه" ستتصرف، تغليه في النار أو تقدحه في السمن

ص: 320

وما شَاكَلَ ذلك؛ حتى تموت الميكروبات، لو لم ترَ أن في أحد جناحيه داء، لو غاب عنها الحديث، لكنها بفطرتها سيشق عليها جدًّا أن تهدر هذا الأمر الذي هو يتكلف الآن، والدنيا غلاء الآن في كل مكان في العالم.

أقول: إن الحديثَ فيه سبق اقتصادي، وأيضًا ليس هذا هو الرد الوحيد.

أيضًا من ناحية الرد على الشبهات الأخرى هو مخالفة الطب، عندنا نُقول جدًّا نقلها العلماء عن الحديث ومدى موافقته لأهل الطب، فضيلة الشيخ الألباني رحمه الله يقول: هم يزعمون أنهم وقفوا على سَبْق علميّ أن هذا الحديث يعارض ما قاله أهل الطب.

يقول الشيخ: ثم إن كثيرًا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء، وهو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب عَلَقت به تلك الجراثيم، والحقيقة أن هذا الحديث لا يخالف الأطباءَ في ذلك، بل هو يؤيده، يعني: الحديث لم يقل: إن الذباب لا يحمل الجراثيم، الذي يفهم ذلك من الحديث العيب في فهمه وليس في نَصّ الحديث، لم ينفِ الحديث أبدًا أن الذباب يحمل الجراثيم، بل لعل الحديث يؤكد هذه الحقيقة، يحملها في أحد جناحيه، ووضع الله ترياقًا مقابلًا لهذا الداء في الجناح الآخر فيه شفاء، كل المطلوب منك إذا أردت أن تستفيد من هذه المادة التي وقع فيها الذباب، أن تغمسه فيه ثم تنزعه وتطرحه بعيدًا عن الإناء، ثم استفِد بهذا الذي في الإناء.

إذن الحديث لم يتعارض مع مقررات الطب في أن الذباب يحمل الجراثيم، بل هو وضَعَ العلاج لهذه الحالة، فكأن الحديث أخبر بما لم يُحيطوا بعلمه، أو هو في الحقيقة أخبر بهذا، وعلينا أن نحمد الله على هذه النعمة، بدل أن نُرِيق تلك المواد

ص: 321

الطيبة الغالية المفيدة لمجرد أن الذباب وقع فيها، علينا أن نحمد الله عز وجل أن هدانا إلى هذا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لا نهدر أموالنا ونضيعها، خصوصًا أنه مهما كانت درجة النظافة في أي بيت من البيوت، أو في أي مجتمع من المجتمعات، فإنه لن يستطيع أن يتحرَّز تمامًا من الذباب ومن وقوعه في بعض الأواني، هذا تحرّز صعب جدًّا إن لم يكن مستحيلًا، فهدانا الله عز وجل إلى هذا الحل.

يقول الشيخ رحمه الله:

والحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك، بل هو يؤيدهم؛ إذ يخبر أن في أحد جناحيه داء، ولكنه يَزيد عليهم فيقول:((وفي الآخر شفاء))، فهذا مما لم يحيطوا بعلمه، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين، وإلا فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء؛ ذلك لأن العِلْم الصحيح يشهد أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه حقيقةً، هل أنا لأني لا أعلم الشيء أقول: إنه غير موجود، هذه الأمور تنافي بداهيات العقول.

نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة، وقد اختلفت آراء الأطباء حوله، وقرأت مقالاتٍ كثيرة في مجلّات مختلفة، كل يؤيد ما ذهب إليه تأييدًا أو ردًّا، ونحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، لا يهمنا كثيرًا ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب؛ لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجيّ، ومع ذلك فإن النفس تزداد إيمانًا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلمُ الصحيح.

ولذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقُل إلى القرّاء خلاصة ألقاها أحد الأطباء في "جميعة الهداية الإسلامية" في مصر حول هذا الحديث، قال:

ص: 322

يقع الذباب على الموادّ القذرة المملوءة بالجراثيم التي تَنشأ منها الأمراض المختلفة، فينقل بعضَها بأطرافه ويأكل بعضها، فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامّة يسميها علماء الطب "مبعد البكتريا"، وهي تقتل كثيرًا من جراثيم الأمراض، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حيةً أو يكونَ لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود "مبعد البكتريا"، وأن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب، هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته، وعلى هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب، فإن أقربَ مُبيد لتلك الجراثيم وأول واقٍ منها هو "مبعد البكتريا" الذي يحمله الذباب في جوفه قريبًا من أحد جناحيه، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه، وغمْس الذباب كله وطرحه كافٍ لقتل الجراثيم التي كانت عالقة، وكافٍ في إبطال عملها.

هذا كلام الشيخ الألباني رحمه الله نقلًا عن أحد الأطباء.

ويضيف ويقول:

وقد قرأت قديمًا في هذه المجلة بحثًا إضافيًّا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد السيوطي، مجلد العام الأول، وقرأت كلمة في مجلد العام الفائت ص 503 للطبيبين: محمود كمال، ومحمد عبد المنعم حسين، نقلًا عن مجلة "الأزهر"، ثم وقفت على العدد 82 من مجلة "العرب الكويتية" ص 144 تحت عنوان:"أنت تسأل ونحن نجيب" إلى آخر الكلام، يعني: ينقل عن أحد الذين اعترضوا على الحديث فيرد عليه بتفصيل يقول في النهاية: وبهذه المناسبة فإني أنصح القراء الكرام بألا يثقوا بكل ما يُكتَب اليوم في بعض المجلّات الثائرة أو الكتب الذائعة من البحوث الإسلامية، وخصوصًا ما كان منها في علم الحديث، إلا إذا كانت بقلم من يُوثَق بدينه أولًا، ثم بعلْمه واختصاصه فيه ثانيًا؛ فقد غلب الغرور على كثير من كُتَّاب العصر

إلى آخره.

ص: 323

خلاصة كلامه: نعتمد على أهل التخصص فيها.

إذن أهل الطب في أبحاثهم أو بعضهم في أبحاثهم لا يستبعد ولا يرفض هذا الكلام الذي يُثْبِت أن الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، ويؤكد هذه الحقيقة العلمية.

ويقول الشيخ أبو شهبة رحمه الله في كتابه (الدفاع عن السُّنة):

وقد شاء ربك العالِم بما كان وما يكون أن يُظهِر سِرّ هذا الحديث، وأن يتوصل بعض الأطباء إلى أن في الذباب مادة قاتلة للميكروب، فبغمسه في الإناء تكون هذه المادة سببًا في إبادة ما يحمله الذباب من الجراثيم التي ربما تكون عالقةً به، وبذلك أصبح ما قال العلماء الأقدمون تجويزًا أصبح حقيقة مُقَرَّرة.

وإليك ما ذكره أحد الأطباء العصريين في محاضرة بـ"جمعية الهداية الإسلامية" بمصر، قال:

يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة، فينقل بعضها بأطرافه ويأكل البعض الآخر

إلى آخر الكلام الذي ذكره، أو بعضه الذي ذكره فضيلة الشيخ الألباني رحمه الله ينقل نقلًا آخر يقول: وفي مجلة "التجارب الطبية الإنجليزية" عدد 1307 سنة 1927 مَا تَرْجَمَتُهُ: لقد أُطْعِم الذباب من زرع ميكروبات بعض الأمراض، وبعد حينٍ من الزمن ماتت تلك الجراثيم واختفى أثرها، وتكوَّن في الذبابة مادة سامة تسمى "بكتريوفاج"، ولو عُمِلتَ خلاصة من الذباب لمحلول ملحيّ، لاحتوت على هذه المادة التي يُمكِنها إبادة أربعة أنواع من الجراثيم المولِّدة للأمراض. وقد كتب بعض الأطباء الغربيين ذلك.

وبذلك يظهر أن هذا الحديث الذي عدَّه بعض المتساهلين كذبًا من أقوى المعجزات العلمية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 324

وقد كتب طبيبان فاضلان بحثًا قيّمًا حول حديث الذباب مدعَّمًا بالأدلة، وذِكْر المراجع العلمية التي رجعَا إليها في إثبات صحة هذا الحديث بما لا يدع مجالًا للشك فيه، وإليك هذا الحديث بنصه.

ينقل الشيخ أبو شهبة هذا الذي قاله الطبيبان الفاضلان: الدكتور محمود كمال، والدكتور محمد عبد المنعم حسين، وأيضًا هذا قد أشار إليه فضيلة الشيخ الألباني -رحم الله الجميع- والشيخ أبو شهبة يشير إلى أنَّ نُشِرَ هذا البحث القيم في مجلة "الأزهر" عدد شهر رجب لسنة 1378 هجرية، هذا البحث الذي كتبه هذان العالمان الفاضلان من أهل الطب -أي: من أهل التخصص- يؤكدان فيه ما يحمله الذباب من فرصة للتداوي، وأنه بنفسه يقضي على بعض الميكروبات، ليس التي نزل بها فقط، وإنما على بعض الميكروبات الأخرى، كما ذهبت إليه الأدلة.

استدل فيه العالمان الجليلان بكثير من أبحاث أهل الغرب التي يعتبرها كثير من الباحثين عندنا كأنها مُنَزَّلة بوحي من الله، والعجيب أنهم عند ردّهم لهذا الحديث لا يشيرون إلى هذه المراجع، هذا الخلل العلمي الذي نقول به دائمًا، يأخذون من المراجع ما يوافق أهواءَهم، ما يتفق مع نظراتهم، هم حكَّموا العقل أولًا، ثم بعد ذلك بحثوا عن مؤيدات للنتيجة التي انتهوا إليها، نتائجهم ليست وليدة البحث والتنقيب، لا، إنما هي وليدة الرأي السابق المبني على الهوى وعلى النظر العقلي المجرد عن الأدلة العلمية، الطبيبان اللذان كتبَا هذا البحث في مجلة "الأزهر" في عدد رجب سنة 1378 أشارَا إلى كثير من البحوث التي قام بها كثير من علماء البلاد الغربية، وأشاروا إلى بلادهم، وأشاروا إلى المصادر التي ذَكرت هذه المعلومات، ذكروا العلماء بالاسم، وذكروا بحوثَهم والمجلات التي

ص: 325

نشرتها

إلى آخر هذا، مما يدل في النهاية على أن الحديث صحيح بإذن الله تبارك وتعالى.

ولذلك يقول الشيخ محمد أبو شهبة: وبعد، فلعلك أيها القارئ ازدت يقينًا بصحة هذا الحديث، واطمأننتَ إلى أن الإذعان والقبول لِمَا صح عن الرسول، أحرى بالمؤمن المتثبت وأَوْلى، وفي كل يوم تتقدم فيه العلوم والمعارف البشرية يُظهرُِ الله سبحانه من الآيات ما يدل على صدق النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وصدق معجزته الكبرى، وهي القرآن الكريم، وصَدَقَ الله حيث يقول {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: 53).

إذن الشُّبَه التي أثاروها كلها أن الذباب كيف عقل؟

قلنا: هذا موجود في كل المخلوقات تقريبًا، كيف في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء؟ هذا ترياق من الله عز وجل العلم لم يعترض، وكثير من الأبحاث العلمية التي أثبتَتْ هذا، وليست على يد أطباء مسلمين فحسب، بل على يد كثير من الباحثين الغربيين الذين ذكرنا الإحالة إليهم وعليهم لمن أراد أن يتتبع.

وأخونا الفاضل فضيلة الدكتور عبد المهدي عبد القادر في كتاب له (شبهات حول السنة) يقول: أعداء السنة قديمًا وحديثًا يدندنون بهذا الحديث، ويدَّعون أنه مناقض للعقل، وأنه يأباه الطبع سبحان الله! وأتساءل معهم: أَلَمْ تستعملوا "البنسلين" إذا مرضتم؛ إنه مصنوع من العفن، أما "السلبتومايسين" فإنه من طفيليات العفن وجراثيم المقابر، والعقرب في لسعتها السم الناقع وفي جسمها الدواء النافع، إنكم تَقبَلون ذلك عن الطب، أما إذا جاءكم الرسول صلى الله عليه وسلم فأنتم تعترضون وتمرضون، أما نحن المسلمين فإننا نقبل هذا الحديث، وبكل الأحاديث

ص: 326

بكل سعادة وبكل سمع وطاعة؛ فإنه كلامُ مَنْ أرسله الله وعَصَمَهُ -صلى الله وسلم وبارك عليه-.

إننا استفدنا من هذا الحديث أشياء كثيرة، منها:

أن الذباب ناقل للأمراض فنحترز منها ما أمكن، لقد كنا نعلم، يعني: هذه فائدة نشير إليها، ونحن قلنا: إن الحديث لم يتعارض مع ما قاله العلم في هذا أنه يحمل الجراثيم في أحد جناحيه، نعم هذه فائدة، أنه حينما ينزل في طعام أو شراب فإنه يضع جناحه الحامل للمرض كما في الرواية التي قالت:((وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء))، وفي رواية ((إنه يقدم السامة ويؤخر الشفاء)).

قال بعض العلماء: تأملناه فوجدناه يتقي بجناحه الأيسر، فعُلِم أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء، فيه دواء يقضي على المرض الناتج عما في جناحه المُمْرض، وإن هذا الحديث يفيدنا هذه الفوائد وأكثر منها. وجاء الطب والبحث فاعترف بهذا وسلَّم به، فمنذ أن عُرفت المعامل وهذا الحديث أمامهم، والبحوث تفيد أن الذباب حامل جيد للجراثيم، وأجهزة الصحة في العالم تحذِّر مِنْ تناوُل الأطعمة التي يقع عليها الذباب، إنه من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أن يخبرنا في زمنه -يعني: زمن لم تكن فيه معامل ولا أبحاث- أن الذباب حامل للأمراض، ولم تعرف البشرية هذا إلا حينما اكتشف ذلك الباحث الألماني "بريفيرد" سنة 1891.

وفي الفترة من 1947 إلى 1950 تمكن الباحثان الإنجليزيان "أينشتاين" و"كوك"، والباحث السويسري "روليوس" من عزل مادة سمَّوها "جفاسيد" استخرجوها من فصيلة الفطريات التي تعيش في الذباب، وتبين لهم أن هذه المادة مضادة حيوية تقتل جراثيم مختلفة من بينها "الدسنتريا" و"التيفود"، كما تَوَصَّل غيرهم إلى هذه النتائج وغيرها

إلى آخره.

وهذا أيضًا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أن يخبر قبل أكثر من 1400 عام أن الذباب في أحد جناحيه شفاء، ولم تعرف البشرية ذلك إلا بعد 1370 سنة.

ص: 327

لو كان هناك إنصاف في الفكر الإنساني المعاصر لاعترفتْ البشرية للإسلام بالسَبْق العظيم في مثل هذه المسائل وفي غيرها، فقد تكلَّمَ صلى الله عليه وسلم على مسائل غاية في الأهمية امتثلها المسلمون، فاستفادوا بها وقلَّدهم غيرهم مدركين عظمة الحضارة الإسلامية التي ارتقت بالإنسان، فاستفادوا أيضًا بها

إلى آخر ما قال.

وأيضًا أحيل على كتابه (دفع الشبهات عن السنة النبوية) صحيفة 80 وما بعدها، ونقَلَ نُقولًا عن أن الذباب لعلاج الجروح والقرح، الذباب حتى بجسمه يُفْرك ويضاف إليه بعض المواد وبجسده تعالج به بعض الجروح والقرح والتقيحات، وهذا مما أثبتته معامل الغرب للذين لا يقتدون إلا بالغرب ولا يثقون إلا في كلام علماء الغرب.

هكذا تتعدد الأدلة وأقوال علمائنا، ولكنني أحيل إلى كتاب (الإصابة في صحة حديث الذبابة). الحقيقة الشيخ -جزاه الله خيرًا- جمع ما يتعلق بهذا الحديث من ناحية الطرق ودرسها.

إذن الحديث أثبتَ صحتَه، وأن أبا هريرة لم ينفرد به، وتكلم عن الفوائد الفقهية، ومن خلال فقه المذاهب، أقوال الأحناف، مثلًا: إنه تكلم عن طهارة الذباب إذا وقع في السائل، وعمَّا يقاس مثله مثل كذا، وأنه يستفاد بهذا السائل، يعني: أحكام فقهية كثيرة؛ لأن علماءنا تقبَّلوا الحديث ويرضون به، بل يحمدون الله على نعمته فبنوا أحكامهم، فالحديث عندهم لم يكن محل شك أبدًا؛ ولذلك استفادوا منه المسائل الفقهية كما يستفيدون وكما يستمدون بغيره من الأدلة.

وتكلم فيه أيضًا عن الناحية الطبية في هذا الحديث عند المتقدمين وعند المتأخرين، وأنهى كلامه.

ص: 328

يقول: حاول المغرضون الذين أعْمَتْهم الحضارة الغربية ببريقها وأطمستْ بصائرهم، فلم يَعُدْ يعرفون القياس إلا بمقاييس الغرب، ولم يزِنُوا إلا بموازينهم، ولم يدركوا إلا ما وافق هواهم، إن في هذا الحديث معجزتين للنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن يخطر على بال هؤلاء، أو لم يدُرْ في خَلَدهم، إِنَّ هاتين المعجزتين قد اكتُشِفَتَا في العصور المتأخرة ولم يكن يعرفهما الناس من قبلُ، إنما كان المسلمون المؤمنون يُسلِّمون بصحة الحديث اعتقادًا منهم بصدق المُخْبِر به صلى الله عليه وسلم وهذا نابع من إيمانهم القوي برسولهم وبما جاء به.

أما المعجزة الأولى التي أثبتها هذا الحديث ولم تُعْرَف إلا في العصور المتأخرة: فهي إثبات الداء والمرض في الذباب، إن هذا الحديث قد أثبت أن في الذباب داءً، وقد كان هذا الحدث العلمي الذي أخبر عنه هذا الحديث ساب قًا للاكتشافات الحديثة بمئات السنين

إلى آخره.

أما المعجزة الثانية: فهي إثبات الشفاء في الذباب، وإن الاكتشافات العلمية الحديثة والتي لم تنتهِ بعدُ، تُثْبِت وجود عنصر الشفاء، وهو المضاد الحيوي القاضي على الجراثيم والبكتريات، أو "البكترويوفاج" القاضي على الميكروبات، وهذا عنصر شفاء، أو الدواء؛ إذ كل منها كافٍ في القضاء على الجرثوم والميكروب الذي يحمله الذباب.

إن المسلمين الأوَّلِين قد أخذوا الحديث بالتصديق والإيمان من غير أن يعرفوا أن فيه دواءً وداءً، جراثيم ومضادات حيوية -يعني: المصطلحات الحديثة- لأن هذا كله لم يُعْرَف ولم يتبيَّن إلا في العصر الحالي، ومع هذا كانوا يأخذون بالحديث عمليًّا، فما موقفُ المسلمين المعاصرين بعد أن اكتشف لهم تصديق الخبر النبوي علميًّا وعمليًّا

؟ إلى آخر ما قال.

ص: 329

إذن الجواب من العقل المُنْصف هو الوسيلة، اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

إذن هذه كلها سياحة مع هذا الحديث، والأمر يتحمل أكثر من هذا ليتبين من خلاله أننا ندين الله تعالى بصدق هذا الحديث وبالعمل به.

ثم يختم الشيخ مُلَّا خاطر -وهذا أمر معروف- كلامَه: بأن الحديث الأمر الذي فيه أمر إرشاد،

على كلٍّ الذي لا تطيب نفسه بذلك الحديث لا يجبر على الفعل، الذي تطيب نفسه بهذا الصنيع فليصنع هذا، إذا وقع الذباب في الإناء يغمسه ثم يطرحه؛ لأنه قد تحققت المعادلة بين الداء والدواء وبين السم والترياق، وإن لم تطب نفسه ويريد أن يُرِيقه فَلْيُرِقْه، لكنْ لا يعترض على الحديث ولا يرفضه، يقول: إن نفسه قد تقززت، أو عافته نفسه، لكن مع اعتقاده بصحة الحديث تمامًا.

وصلُ الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 330