المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}، {وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} - الدفاع عن السنة - جامعة المدينة (بكالوريوس)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 معنى الشبهة، واستعمالاتها، وموقفنا تجاهها

- ‌أهمية السنة في الإسلام

- ‌تعريف الشبهة لغة واصطلاحًا، وبعض استعمالات القرآن والسنة لها

- ‌موقفنا من الشُبه وواجبنا نحوها

- ‌الدرس: 2 الاستشراق وموقفه من السنة المطهرة

- ‌تعريف الاستشراق والمستشرقين

- ‌ملامح منهج المستشرقين في دراسة الإسلام

- ‌الدرس: 3 علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم

- ‌العلاقة بين القرآن الكريم والسنة المطهرة

- ‌محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌الدرس: 4 تابع علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة

- ‌المحور الثالث من محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌نقاط حول علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم

- ‌الدرس: 5 أدلة حجية السنة المطهرة (1)

- ‌معنى الحُجِّيَّة

- ‌أدلة حجية السنة من القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 أدلة حجية السنة المطهرة (2)

- ‌تتمة أدلة حجية السنة من القرآن الكريم

- ‌تحذير القرآن الكريم من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 7 أدلة حجية السنة المطهرة (3)

- ‌أدلة حجية السنة من الأحاديث النبوية الشريفة

- ‌من أدلة حجية السنة: دليل الإيمان

- ‌أدلة حجية السنة من خلال إجماع الأمة

- ‌الدرس: 8 أدلة حجية السنة المطهرة (4)، دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (1)

- ‌بقية الأدلة على حجية السنة

- ‌دفع شبه منكري حجية السنة

- ‌الدرس: 9 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (2)

- ‌قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء}

- ‌قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}

- ‌قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}

- ‌قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ…}، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ}

- ‌قوله تعالى: {…إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}

- ‌قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌الدرس: 10 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (3)

- ‌شبهة: أن الله سبحانه تكفّل بحفظ القرآن ولم يتكفَّل بحفظ السنة

- ‌أدلة ابن حزم وابن القيم وغيرهما على حفظ الله سبحانه للسنة

- ‌شبهة: عرض السنة على القرآن

- ‌الدرس: 11 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (4)

- ‌تقسيم الحديث باعتبار عدد الرواة

- ‌التواتر لغة واصطلاحًا

- ‌شروط الحديث المتواتر

- ‌الدرس: 12 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (5)

- ‌أقسام الحديث المتواتر

- ‌الدرجة التي يفيدها الحديث المتواتر من العلم

- ‌حديث الآحاد

- ‌الدرس: 13 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (6)

- ‌الشبه المثارة حول حجية خبر الواحد، والرد عليها

- ‌أدلة الإمام الشافعي على حجية خبر الواحد

- ‌الدرس: 14 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (7)

- ‌بقية الأدلة على حجية خبر الواحد عند الشافعي

- ‌الأدلة على حجية خبر الواحد من (صحيح البخاري) ومناقشتها

- ‌الدرس: 15 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (8)

- ‌شبهة: وضع الأحاديث في القرنين الأول والثاني نتيجة لتطور المسلمين

- ‌شبهة: استغلال الأمراء الأمويين والعباسيين علماء المسلمين لوضع ما يثبت ملكهم

- ‌الدرس: 16 بين المدرسة الحديثية والمدرسة العقلية

- ‌دفع ما أثير حول المدرسة الحديثية من شبهات

- ‌بيان خطأ المدرسة العقلية التي تُخضع النصَّ للعقل

- ‌ملامح المدرسة العقلية

- ‌الدرس: 17 حديث الذباب، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

- ‌الدرس: 18 حديث الإسراء والمعراج، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌تفاصيل رحلة الإسراء والمعراج، وبيان ما حدث فيها من معجزات

- ‌الرد على ما أثير حول رحلة الإسراء والمعراج من شبهات

- ‌الدرس: 19 حديث فقء موسى عليه السلام لعين ملك الموت، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

- ‌ذكر ما تضمَّنه الحديث من فوائد عظيمة

- ‌الدرس: 20 حديث السحر، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث وبيان درجته، وشرح بعض معانيه

- ‌شرح حديث السحر

- ‌الرد على ما أثير حول حديث السحر من شبهات

- ‌الدرس: 21 تابع حديث السحر، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌ذكر ما تضمَّنه الحديث من فوائد عظيمة

- ‌قواعد كلية ينبغي للمسلم معرفتها أثناء دفاعه عن السنة

الفصل: ‌قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}، {وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا}

تماثل أمة الإسلام، وقد سجل كل شيء يتعلق بها في الكتاب، السياق يحتم أنه اللوح المحفوظ، ومع ذلك لو سلمنا جدلًا بأن المراد بالكتاب في الآية هو القرآن الكريم وهذا فهم بعيد، وافتراضنا له إنما هو افتراض جدلي، فإن هذه الآية لا تعارض حجية السنة أبدًا، ولا يُفهم منها أننا نكتفي بالقرآن الكريم فقط؛ لأنه كما قال العلماء-: إن هذه الآية لا تتعارض؛ لأنها تدخل أيضًا تحت ما لم يفرط الله تبارك وتعالى فيه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .

قد أوجبنا طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من الآيات، فهي داخلة في قوله تبارك وتعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} على أساس أن الكتاب المراد في الآية هو القرآن الكريم، مع استبعادنا لهذا الفهم، ومع إقرارنا بأن الكتاب المراد به اللوح المحفوظ، كما ذكرنا مرارًا.

‌قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ، {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}

ننتقل إلى آية أخرى أيضًا يحتجون بها، من ذلك مثلًا: قول الله تبارك وتعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89) ننتقل إلى آيات أخرى حاولوا أن يستدلوا بها؛ من ذلك قول الله تبارك وتعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} (الأنعام: 114).

والكتاب في سياق الآيتين المراد به هو القرآن الكريم: {نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} : هذا لا يُعارض فيه أحد: {هُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} المراد بالتفصيل هنا وبالبيان تفصيل وبيان كل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، هذا أمر لو قلتَ: إنه تفصيل لكل صغيرة وكبيرة

ص: 160

لكان من العبث استمرار النقاش، لا يصلح أن نتناقش في البدهيات؛ لأن نقاش البدهيات يزيدها غموضًا، وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل! لماذا أقول هذا الكلام؟ لو أنك تصرّ على فهم كلمة "مفصلًا" يعني كل صغيرة وكبيرة، سأعود إليك وأقول: أين صلاة الظهر من القرآن الكريم أربعًا؟ أين العصر؟ أين أين؟ تفصيلات كثيرة، حين تكلمنا عن علاقة السنة بالقرآن الكريم قلنا: إن هناك نوعًا اسمه التفصيل المجمل، أمور كثيرة جدًّا وردت مجملة في القرآن الكريم. واعتمدت في تفصيلها على السنة المطهرة.

يعني مثلًا: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275) ما هو الربا المحرم؟ الأصناف التي يدخلها، نريد أن نعرف الذهب بالذهب، مِثلًا بمثل، يدًا بيد، سواءً بسواء، "فمن زاد أو استزاد فقد أربى"، هاتِ هذا التفصيل من القرآن الكريم؟! الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والزبيب بالزبيب

إلى آخر الأصناف المتماثلة التي ذُكرت في روايات الأحاديث، ومنها هذا الحديث وغيره، أين هي في القرآن الكريم؟ أين تفصيلها؟

نما لا بد أن نفهم أن التفصيل والبيان هنا، إنما هو تفصيل الأحكام من خلال قواعدها العامة، أما التفصيل الذي يشمل الجزئيات وأحكامها وما يتعلق بها، فهذا موكول إلى السنة المطهرة، وإلا فما معنى أن يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، وحتى في نفس السورة التي وردت فيها هذه الآية:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} الكتاب بيّن كل شيء من خلال هذه الآية: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44) الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم، هل الآيتان متعارضتان؟ التعارض لا يكون إلا في ذهن من لا يحسن التعامل مع القرآن الكريم ومع النصوص الشرعية، لا تعارض أبدًا، لم يقل أحد من علماء الأمة الذين يعتد بأقوالهم: أن هذه الآية:

ص: 161

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} شملت كل صغيرة وكبيرة، وإلا فإن الواقع يُبعد هذا الفهم، كيف؟ بأي شيء نضرب الأمثلة؟ بالزواج مثلًا:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (النور: 32) حين أريد أن أنزل هذا الأمر منزلة التنفيذ، من أختار؟ أين هو في القرآن الكريم؟ كيف علاقتي بها أثناء الخطبة؟ كيف بعد العقد؟ قبل الدخول؟ كيف كيف كيف؟ تفصيلات كثيرة جدًّا أوكلها القرآن الكريم إلى السنة المطهرة.

المنازعة في هذا أُصرّ على أنها منازعة في البدهيات، لا يستقيم معها أي شيء في فكر الإنسان، وبالتالي تكون النقاشات مضيعةً للوقت وللجهد، وإنما المقصود أن الكتاب الكريم -أي: القرآن- وضع القواعد العامةَ للحلال والحرام، وما إلى ذلك، ثم ترك تفصيلات كل ذلك للسنة المطهرة، وهذا وارد في قوله تبارك وتعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فقاعدة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أو وجوب اتباعه والتحاكم إلى سنته، هي من القواعد العامة أيضًا التي فصلها القرآن الكريم ودعا إليها، وأوجب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرت الآيات الكريمة في هذا الصدد.

{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: 64) وضع القواعد العامة التي تنظّم الاختلافَ، والكتاب هدًى وهو رحمة، من استمسك به فقد هُدِيَ، وقد كتبت له الرحمة في الدنيا وفي الآخرة، كل ذلك حق، لكن الأحكام الشرعية بتفصيلاتها ليست مذكورةً في القرآن الكريم، والواقع يؤكد هذه الحقيقة:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} . إذًا هذا التبيان يحتاج إلى السنة، بل هو موكول إلى السنة، ولذلك قال الأوزاعي رحمه الله، وهو أحد كبار علماء هذه الأمة- وقد ذكر ذلك ابن كثير في أثناء تفسير هذه الآية قال:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}

ص: 162

أي: بالسنة، يعني: بيّنا لك بالسنة؛ لأن السنة هي التي تكفلت ببيان معظم الأحكام الشرعية، وتفصيلاتها، إما استقلالًا -أي: بدءًا- من غير أن يسبق لها ذِكر في القرآن الكريم، وإما قد يُذكر أصلها في القرآن الكريم، لكن السنة هي التي تتولى التفصيلات.

ابن مسعود يقول: "بُين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء". وقال مجاهد: كل حلال وكل حرام، فهل معنى هذا أنهم فهموا كل التفصيلات؟ لا، ولذلك قد يستند البعض، وأيضًا ذَكر هذه الأقوال ابن كثير وهو يتعرض لهذه الآية، يعني قد يقول: إذا كنت قد ذكرت قول الأوزاعي: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} أي: بالسنة، فلماذا لم تذكر قول ابن مسعود:"قد بُين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء". وقال مجاهد: كل حرام وكل حلال، القرآن اشتمل على كل علم، سأقول في فَهم ابن مسعود ما فهمه هو ولم آتِ به من عند نفسي، وما سبق لنا ذكره، حين لعن عبد الله بن مسعود النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات؛ أي: التي تُرقّق حاجبها وهي النامصة، والمتنمصة: أي التي تطلب والتي تفعل لنفسها أو لغيرها، والواشمات أي: اللواتي يضعن علامات على وجوههن؛ تجمُّلًا مثل المساحيق التي يضعونها في أيامنا هذه، هؤلاء واشمات، لُعنت الواشمة ولُعنت المستوشمة، التي تطلب والتي تفعل، سواء كان فعلها لنفسها أو لغيرها، يعني: لا تعتذر واحدة بأنها لم تفعل ذلك لنفسها وإنما فعلته لغيرها! فهي واقعة في الإثم أيضًا بنص الحديث. والمتفلجات للحسن: أي: اللواتي يبردن أسنانهن ويفرقن بينها؛ لتبدو في شكل جميل، هذا أمر يعرفه النساء فيما بينهن.

المهم لعن عبد الله بن مسعود الواشمة والمستوشمة، النامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، وامرأة من الأنصار قالت له في ذلك:

ص: 163

ماذا بك لكي تلعن ولكي تفرض أحكامًا فيها حلال وفيها حرام؟ قال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله". وقالت المرأة: والله لقد قرأتُ ما بين اللوحين أو ما بين الدفتين فلم أجد، وكأنها تبحث عن هذا النص: "لعن الله أو لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمستوشمات" فلم تجدها في كتاب الله، فقال لها عبد الله بن مسعود: "والله لئن كنت قرأتيه فقد وجدتيه".

نُصِرّ على أن لا نفهم النصوص بعيدًا عن فَهم الصحابة، ويقولون لنا في لججهم ومجادلاتهم: إن هذا عودة بالأمة إلى الخلف. تعبيرات ما أنزل الله بها من سلطان. هؤلاء الصحابة هم حجة علينا في فهمهم؛ لأنهم هم الذين تلقوا عن الأستاذ الأول وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا الوحي وعرفوا اللغة وعرفوا مدلولاتها، وعاينوا الأحداث، وشاهدوا أسباب النزول، وكل ذلك يُعين على فهم النصوص الشرعية وتحديد المراد منها.

عبد الله بن مسعود الذي يقول: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} يعني: فيه علم كل شيء، ومجاهد يقول: كل حلال وكل حرام، هل فهم عبد الله بن مسعود أن كل شيء مذكور في القرآن الكريم بتفصيلاته؟ لماذا قال للمرأة:"لئن قرأتيه فقد وجدتيه، ألم تقرأي قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} "(الحشر: 7) في هذه الإجابة ماذا فعل عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه-؟ وضع هذا الحديث تحت قاعدته الكلية التي وردت في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) هذا يدخل تحته كل حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه.

إذن مثل هذا هو المراد بتبيان القرآن: القواعد العامة، وضع القرآن الكريم القاعدة في أنه لا بد من طاعة الرسول، ليس في آية الحشر فحسب، بل في كثير من الآيات التي تكلمنا عنها سابقًا، إذًا أصبحت هناك قاعدة كلية قرآنية، وهي

ص: 164

وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحت هذه القاعدة الكلية أقول مثلًا: ((لعن الله آكل الربا، وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء)) حديث رواه الإمام مسلم في تحريم الربا، أين هو في القرآن الكريم؟ بالإضافة إلى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275) إنما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لعن الله، هذه تندرج تحت قاعدة:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وتحت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .

إذن هذا فهم الصحابة؛ أن القرآن بين القواعد الكلية العامة التي جاءت السنة وبينت كثيرًا من تفصيلاتها ومن جزئياتها، وشرّعت أيضًا كما يشرّع القرآن الكريم، واستقام الفهم الإسلامي طوال عصوره وإلى يوم أن يرث الله الأرضَ ومن عليها على هذا الأمر؛ القرآن يضع القواعد العامةَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم الأمة بمراد ربه، وهو الذي يفسّر القرآن الكريم، ويوضّح مراد الله عز وجل من القرآن الكريم، وعلى الأمة أن تسمع له وأن تطيع.

وإذا بحثتَ عن الأدلة في وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ستجدها في آيات كثيرةٍ من القرآن الكريم، وبذلك تكون طاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي من بين ما لم يفرط الله تبارك وتعالى فيه في قوله تبارك وتعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وهي في نفس الوقت أيضًا تندرج تحت: تبيان القرآن لكل شيء، فقد بين القرآن الكريم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيضًا، هناك آياتٌ كثيرة تبين هذه الحقائق، وهي أن لا بد من هذا الفَهم، وإلا تناقضت النتائج التي يحاول منكرو السنة أن يصلوا إليها، مثلًا:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون} ما علاقتها بقوله تبارك وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ؟ الآيتان تبينان أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يبين:

ص: 165

{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ} أنزل الله الكتاب لكي تبين أنتَ يا رسول الله لهم الذي اختلفوا فيه، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فمهمة البيان موكولةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذن، لو أننا لم نفهم الفهمَ الذي نشير إليه: أن القرآن وضع القواعد العامة وجاءت السنة وذكرت التفصيلات، واجتهاد العلماء يُنزل كل تفصيل تحت قاعدته العامة من خلال السنة المطهرة، لتصورنا أن القرآن الكريم يُناقض بعضُه بعضًا، ليست المشكلة مع السنة فحسب، بل هي أيضًا ستصبح مع القرآن الكريم، كيف ذلك؟ الآيات التي بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سيبين للناس ما نزل إليهم، كيف تتعامل معها في ضوء إصرارك على أن القرآن الكريم فقط هو الذي يبين كل شيء؟

كل الرافضين لحجية السنة لا بد أن يلتزموا بهذه النتيجة، وهي أن القرآن الكريم وضع القواعد العامة، وهذا هو المراد بقوله تعالى:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} إلى آخر ما ذكرناه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} بل إن الله تبارك وتعالى بين أن هذه مهمة الرسل جميعًا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4) كل رسول يبين لأمته ما نُزّل إليهم، ويوضح لهم مراد الله عز وجل من الأحكام التي افترضها على عباده، ولولا بيان الرسول لكل أمة من الأمم، لَمَا استقامت أمة أبدًا على منهج الله؛ يعني: هذا فهمٌ لا بد أن يقول به كل عاقل رشيد، الرسل جاءت لتبين لأممها مراد الله عز وجل من خلقه، وتبين لهم ما افترضه سبحانه عليهم؛ لكي يقوموا به وينفّذوه، والرسل يقدمون للأمم القدوةَ العملية والتطبيقَ الصحيح لما أراده الله عز وجل من الأمم:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (آل عمران: 187) يعني: حتى الذين أوتوا الكتاب سيبينون للناس ما نزل إليهم، وإذا كتموه فقد تعرّضوا لعقاب الله تبارك وتعالى.

ص: 166

ولذلك كان من الضروري أن يكون كل رسول يتحدث بلسان قومه؛ حتى يستطيع أن يتفهم معهم في كل ما يريد أن يوضحه لهم، والذين أوتوا الكتاب أيضًا يبينونه للناس، وأخذ الله الميثاقَ عليهم من ذلك، ولذلك من كتم علمًا أعطاه الله إياه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة، حتى العلماء الذين هم غير الأنبياء عندهم علم وعندهم أفهام؛ لما ورد في كتاب الله تبارك وتعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء العلماء مِنحة من الله تبارك وتعالى لأممهم، رزقهم الله أفهامًا وآتاهم الأدوات العلمية التي في ضوئها يستطيعون أن يفهموا كلام الله عز وجل وأن يفهموا أحاديثَ النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقدموا هذا الفهم للأمة في ضوء قواعد اللغة العربية، وفي ضوء القواعد الشرعية، وفي ضوء قواعد كثيرة اصطلح العلماء على ضرورة وجودها فيمن يتصدى لفهم أدلة الشرع المأخوذة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة.

فإذا كان كل الرسل يبينون لأقوامهم، وإذا كان أولو الكتاب أُخذ عليهم الميثاق ألا يكتموا علمًا علمهم الله إياهم، سواء كان أهل الكتاب من الأمم السابقة أو من أمة الإسلام الذين رزقهم الله أفهامًا في كتاب الله تبارك وتعالى وحُذر العلماء من أن يكتموا علمًا تعلموه أو نقلوه عن أسلافهم، وإلا ألجموا بلجام من نار يوم القيامة، أين هذه النصوص كلها من قول الله تبارك وتعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ؟ ما حاجتنا للعلماء إذا كان القرآن قد نزل الكتاب تبيانًا لكل شيء؟ وكيف نفهم هذه الآية: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} ، {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون} ؟

لكن ما العمل مع قوم البدهيات والمسلمات واضحة وقاطعة من خلال الأدلة، ومن خلال عمل الأمة كلها، ومن خلال فهم الأجيال الفاضلة، ومن خلال

ص: 167