الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث
(علاقة السنة المطهّرة بالقرآن الكريم)
العلاقة بين القرآن الكريم والسنة المطهرة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
إنَّ المستشرقين أثاروا شبهًا كثيرة حول علاقة السنة بالقرآن الكريم، وأنه يمكن الاكتفاء بالقرآن الكريم، وأثاروا شُبَهًا حول حجة السنة وأنه لا يجب العمل بها، وحاولوا أن يجمعوا بعض الأدلة من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة على أفكارهم الخاطئة؛ ليُثبتوا أنهم -كما زعموا- يتبعون المنهج العلمي في الاستدلال، وأن أدلتهم جاءت من عندنا نحن من قرآن ربنا، ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي نحن نعتبرهما أنهما المصدران الرئيسان للإسلام نستمدُّ منهما قواعد الإسلام وتشريعاته.
علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم:
ما مفهوم هذا الموضوع؟
مفهومه بيان حدود العلاقة بين القرآن الكريم والسنة المطهرة: هل يمكن أن نستغني بالقرآن الكريم عن السنة؟ هم يقولون ذلك، فمن خلال هذا الموضوع سيظهر مدى احتياج القرآن الكريم إلى السنة المطهرة في بيانه وتوضيحه، وتفصيل أحكامه للناس. أيضًا سيظهر من خلال هذا الموضوع المهم مدى زيف دعواهم في الاكتفاء بالقرآن الكريم، وأنَّ من قال ذلك إنما أراد ضياع الإسلام كله، كما سنثبت أيضًا بالأدلة ذلك.
إذن، الموضوع مهم جدًّا، يردُّ على فرية الاكتفاء بالقرآن الكريم، يردُّ على زعمهم أنه يمكن فهم الإسلام من خلال القرآن الكريم فقط، سيثبت بالأدلة أنه لولا السنة المطهرة لما فهمنا القرآن الكريم.
وبدايةً، نُبيِّن أن القرآن الكريم نزل ليُعمل به، أكدت حقائق القرآن الكريم هذا،
وآيات القرآن الكريم، وأكدته أيضًا أحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في سورة الأعراف:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} (الأعراف: 157) النور الذي أنزل معه: هو القرآن الكريم، سماه الله تبارك وتعالى نورًا في أكثر من آية، لكن الآية طلبت اتِّباع القرآن الكريم يعني: العمل به، و {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} في سورة الإسراء {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (الإسراء: 9)، والله عز وجل يبين أن القرآن الكريم أنزل هدى ورحمة للمؤمنين، ولن يعرض عنه إلا الأشقياء والعياذ بالله:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} (الإسراء: 82).
والنبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث في الأحاديث المتفق عليها في الصحيحين بيَّن أن القرآن الكريم جاء ليُعمل به، في كتاب فضائل القرآن عند البخاري ومسلم وغيرهما:((مثل المؤمن والذي يقرأ القرآن ويعمل به كمثل الأترُجّة ريحها طيب وطعمها طيب)) أُريد أن أضع خطوطًا وخيوطًا تحت قوله عليه الصلاة والسلام و ((يعمل به)).
القرآن الكريم أيضًا لن يكون حجةً إلا لمن عملوا به، في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:((يُؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله، الذين كانوا يعملون به في الدنيا تَقدُمه سورة البقرة وآل عمران تُحاجان عن صاحبهما)) تُدافعان عن صاحبهما.
ومن البديهي أن نقول: إن دفاع القرآن عن أصحابه لن يكون إلا للذين حفظوه وقرءوه وعلّموه وتعلموه، وقبل ذلك وبعده عملوا به.
إذن، القرآن الكريم نزل ليعمل به هذه من بدهيات الإسلام ومعروفة لدى الصغير والكبير عند المسلمين، لكي نعمل بالقرآن الكريم لا بد أن نفهم السنة؛ ففهمُ القرآن الكريم متوقف على السنة المطهرة، ولذلك هذه الدعوى التي قد يبدو أن ظاهرها فيه نوعٌ من القناعة أن القرآن حُفظ، ولم يحدث فيه تغيير ولا تبديل ولا كذا، والسنة تعرّضت لوضع وما إلى ذلك، يعني: الشُّبه التي يثيرونها حول السنة المطهرة، قد يُخدع البعض بهذا الزيف الذي قد يكون له بعض البريق الخادع، لكن الحقيقة أن الدعوى في منتهى الخطورة، لو سلمنا جدلًا بشبهتهم أو بقولهم: يمكننا الاكتفاء بالقرآن الكريم ولا داعي للسنة، سلمنا لهم ذلك، إذن سنطرح السنة جانبًا؛ وبالتالي لن نستطيع فهم القرآن، ولا تطبيق أحكامه؛ فالنتيجة هي ضياع الإسلام.
إذا أعرضنا عن السنة، وإذا لم نفهم القرآن، وإذا لم نطبقه ونعمل به؛ فلا داعي لأن ننتسب إلى القرآن الكريم الذي ما نزل إلا ليُعمل به، وليخرج هذه الأمة من الظلمات إلى النور، وليهديها بفضل الله عز وجل ثم بجهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى صراط الله المستقيم، الذي لن يقبل الله صراطًا سواه:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا * وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الشورى: 52، 53) رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط الله المستقيم بالقرآن الكريم الذي ورد في الآية السابقة: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا} أي: القرآن، سمى الله مرة ثانية القرآن نورًا {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} و {إِنَّكَ} يا رسول الله عليه الصلاة والسلام {لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} .