الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذن، الذي يبين هداية القرآن، يبين نور القرآن، يبين منهج القرآن، يبين مراد الله تبارك وتعالى في كتابه الذي أنزله على خلقه؛ ليهتدوا به وليخرجوا به من الظلمات إلى النور- كل ذلك موكولٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا السنة المطهرة ما فهمنا القرآن الكريم وما طبقناه.
إذن هذا غرضهم الذي يهدفون إليه، ومن ثمَّ كان هدفًا خطيرًا وخبيثًا، وهم يحاولون أن يصلوا إلى تطبيقه بشتَّى الأساليب، وبإثارة الشُّبه، ولذلك نحن نجيب عن تلك الشبه، ونبين مدى توقف القرآن الكريم في فهمه على السنة المطهرة.
محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية
محاور العلاقة بين القرآن الكريم وبين السنة المطهرة:
إن محاورها في ثلاثة:
المحور الأول: أن تأتي السنة موافقة للقرآن الكريم بمعنى: أن القرآن الكريم يذكر القضية أو المسألة، ويأتي نفس الأمر في السنة المطهرة، العلاقة بينهما حينئذٍ تُسمَّى علاقة تَوَافق وتكامل، كلٌّ منهما يؤكِّد المعنى ويقرِّره؛ ليستقر في وجدان الأمة ضرورة العمل بهذا الأمر الذي نزل في القرآن الكريم، من ذلك قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)، يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليقول:((المؤمن أخو المؤمن))، في رواية مسلم:((المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يُسلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقِرَ أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)).
هذا الحديث رواه مسلم في كتاب البر، باب تحريم الظلم، حديث المسلم أخو المسلم، هو أيضًا رواه البخاري جزءًا من حديث في كتاب المظالم، باب لا يظلم
المسلم المسلم، وفي كتاب الإكراه، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم.
إذن، القرآن الكريم بيَّن أن المؤمنين إخوة، والسنة المطهرة بيَّنت أن المسلمين إخوة.
العلاقة بين الآية والحديث -كما قلت- علاقة توافق وتكامل الاثنان معًا تواردا وتعاضدا على تحقيق، أو على تأكيد حقيقة إيمانية مقرَّرة في الإسلام، وهي أن العلاقة بين المسلمين تقوم على الأخوة فيما بينهم.
أيضًا، الله تبارك وتعالى يقول في سورة هود:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102) وكذلك عقاب ربك وأخذه للظلم وللظالمين، إن أخذه أليم شديد، ونجد نفس المعنى تقريبًا في قول النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله ليُملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته)) هذا رواه البخاري في كتاب التفسير عند تفسير هذه الآية، عند تفسير سورة هود، ورواه الإمام مسلم أيضًا في كتاب البر، باب تحريم الظلم نفس الكتاب والباب السابقين.
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم، وتعاطفهم، وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الأعضاء بالحمى والسهر)).
هذا الحديث رواه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، ورواه مسلم في كتاب البر باب تراحم المؤمنين.
التوافق بين آيات القرآن الكريم وبين السنة المطهرة، في كثير من الأحكام، الله تبارك وتعالى يقول:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (النور: 32) يأتي
النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) وهذا أيضًا اتفق على رواية البخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى- في كتاب النكاح عند كل منهما.
إذن، علاقة التوافق هذا أو التأكيد أو التعاون على إثبات الحقائق الإيمانية في كل جوانب الحياة، هذا منهج تلاقى فيه القرآن، وتلاقت فيه السنة المطهرة مع القرآن الكريم، وهو نوع من العلاقة التي أشار إليها العلماء بين القرآن الكريم وبين السنة المطهرة.
لكن على كل حال قد يزعم البعض من خلال هذه العلاقة أنه يمكن الاكتفاء بالقرآن الكريم، لا داعي للأحاديث التي تؤكِّد القرآن أو توافقه؛ القرآن لا يحتاج إلى تأكيد ولا إلى موافقة، يكفي أنه كلام الله تعالى، وقد يكون لهذا الكلام خِداعه وبريقه.
المحور الثاني: هو أن السنة تُبيِّن القرآن الكريم: هذا البيان ثابتٌ بنصِّ القرآن الكريم، يعني: أنها مهمة لا نمنحها نحن للسنة المطهرة من باب التعصب، أو من باب الرَّدِّ على الخصوم بدون أدلة، هذه المهمة هي مهمة قرآنية، بمعنى: أن الله تبارك وتعالى هو الذي أوكَل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم مهمة بيان الذكر الذي نُزِّل إليهم، كما قال سبحانه في سورة النحل:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44)؛ فالله تعالى هو الذي أنزل الذكر.
سواء قلنا: إن المراد بالذكر هو القرآن أو السنة أو هما معًا؛ فإن الله تبارك وتعالى قد بيَّن أن مهمة بيان القرآن الكريم موكولةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذن، لا يستطيع أحدٌ أن ينازع في هذه المهمة للسنة، وإلا تناقض مع القرآن الكريم نفسه؛ فتبطل دعواه من الأصل بالاكتفاء بالقرآن، كما يزعم بعض أبناء هذه الدعوى.
كيف تبين السنة المطهرة القرآن الكريم؟
في الحقيقة، أن كلمة بيان كلمة مفردة، لكن تحتها أنواع كثيرة:
منها: أنها تفصِّل مجملًا، الأمر يأتي في القرآن الكريم موجزًا يحتاج إلى تفصيل، ولولا هذا التفصيل لما فهمنا المراد من القرآن الكريم، ولما استطعنا تطبيقَ أحكامه، وهذا نوعٌ من أنواع بيان السنة للقرآن الكريم، يُسمِّيه العلماء تفصيل المجمل، من أمثلة ذلك "الصلاة"، ماذا ورد في القرآن الكريم عن الصلاة؟ كلها آيات تدعو إلى وجوب المحافظة على الصلاة وبيان أهميتها في الإسلام، وأنها أحدُ الأعمدة، وأحد الأركان الإسلام الحنيف، وامتدح الله تبارك وتعالى المؤمنين في أكثر من آية؛ لأنهم يقيمون الصلاة ويحافظون عليها، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة المؤمنون:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون: 1: 3)، وختم الآيات:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (المؤمنون: 9) وفي سورة المعارج: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} (المعارج: 19: 23)، وورد الأمر الإلهي في سورة البقرة بضرورة المحافظة على الصلوات كلها:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: 238)، وبيَّن الله عز وجل أن الصلاة على المؤمنين كتاب موقَّت محدد:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: 103).
لكن إذا أردنا أن نأخذ هذا الأمر الإلهي، وننزل به إلى موقع التنفيذ، هيا بنا نُقيم الصلاة من خلال القرآن الكريم فقط، الظهر أربعًا، أين نجدها في القرآن الكريم؟ العصر أربعًا، الظهر عند استواء الشمس في كبد السماء، كما يقول الفقهاء في تحديد وقته، العصر عندما يصير الظل كل شيء مثليه، المغرب عند غروب الشمس إلى آخره. هذه التفصيلات التي نعرفها في الفقه من خلال أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأركان الصلاة، وسنن الصلاة، وأوقات الصلاة، والقراءة في الصلاة، ومبطلات الصلاة، وشروط صحة الصلاة، تفصيلات استغرقت أحاديث كثيرة، وكُتب كثيرة عُنيت بها، كل كتب السنة التي جمعت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ستجد فيها كتاب الصلاة، عند البخاري، وعند مسلم، وعند الترمذي، وعند النسائي؛ لأهمية الصلاة، ولتفصيلاتها الكثيرة يعني: أفردوها في كتب، وكتب الفقه أفردتها في شروح كثيرة.
هكذا نرى أن السنة هي التي فصّلت الصلاة، ولولا السنة ما استطعنا إقامة هذا الركن الهام والخطير، الذي يفصل بين المؤمن وغيره من ضمن ما يُفصل به بين أهل الإيمان وأهل الكفر، لولا السنة لما استطعنا تطبيق هذا الركن الهام في الإسلام.
ومثل الصلاة الزكاة، وهي الركن التالي للصلاة، أيضًا وردت آيات تحثُّ على الزكاة، وتبيّن أنها أمر هام في الإٍسلام، وأنها أحد أركانه، وأيضًا في نفس سورة المؤمنون:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون} {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (المزمل: 20) إلى آخر الآيات الكثيرة، لكن إذا أردنا أن نَنزل بالزكاة إلى واقع التطبيق لن نستغني أبدًا، بل لن يمكننا أبدًا أن نفعل ذلك إلا من خلال السنة المطهرة، أين توجد زكاة عروض التجارة في السنة؟ أين توجد زكاة الإبل والغنم في السنة؟
الصيام والحج، ورغم أن الحج قال العلماء: إن القرآن الكريم تعرَّض لأركان الحج: الوقوف بعرفات: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} (البقرة: 198){إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: 158) ذِكْر الصفا والمروة، {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الحج: 29) الطواف، لكن بقي للسنة أيضًا تفصيلات كثيرة يعني:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} كيف نطوف؟ ومن أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ وما عدد الأشواط؟ وما شروط صحة الطواف؟ وماذا نقول في طوافنا؟ أيضًا نفس الكلام عن السعي، وعن الوقوف بعرفة إلى آخره، يعني رغم أن القرآن الكريم ذكر مجرد الذكر لأركان الحج إلا أن السنة تولَّت التفصيلات، التي لا يمكن أن يطبَّق الركن إلا من خلال فهمها ووجودها معنا، وهي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي بينت تلك التفصيلات.
حين نضرب أمثلةً بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فإننا نضرب أمثلةً بأركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين.
وبإيجاز شديد نستطيع أن نقول: لولا السنة لما استطعنا إقامة بنيان الإسلام، في الحديث الصحيح المتفق عليه عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب الإيمان عند البخاري ومسلم:((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا، وصوم رمضان))، روايات قدمت الحج على الصوم، وروايات قدمت الصوم على الحج.
أركان الإسلام الأربعة التي بعد الشهادتين، التي بدونها لن يُقام الإسلام، ولن يُبنى الإسلام، ولن يكون هناك إسلام، كل ذلك متوقف على السنة المطهرة، وأنا لا زلتُ في نوعٍ واحد من أنواع بيان السنة للقرآن الكريم، وهو تفصيلُ
المجمل، وتفصيل المجمل لا يقتصر على بيان الأركان فقط، أمور أخرى كثيرة جدًّا في العبادات وفي غير العبادات تتوقف تفصيلاتها على السنة المطهرة.
حين يقول الله تعالى مثلًا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (النور: 32) هذا أمرٌ إلهي للأمة كلها، أن ننكح الأيامى أي: الذي لا زوج لهم من الرجال والنساء، نريد أن نطِّبق هذا الأمر الإلهي، فماذا نفعل؟ إذا أراد رجل أن ينكح فماذا عليه أن يفعل؟ ما هي الخطوات العملية؟ بأي شيء تبدأ؟
تأتي السنة لتبين الخطبة، وأنها إعلان رغبة في النكاح، وتضع حدودًا ومعالم لهذه الخطبة:((لا يخطب الرجل على خطبة أخيه))، وأنه يجوز النظر إلى المخطوبة فقط لتأكيد الرغبة في نكاحها، فإذا وجد في نفسه ما يدعوه إلى نكاحها تقدم إلى وليِّها، وهو بدون عقدٍ أجنبي عنها، إلى آخر الأحكام، لكن السنة بيّنت: كيف تكون الخطبة؟ ما هي حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته أثناء الخطبة، ما هو العقد؟ ما هو شروطه؟ كيف يصير صحيحًا، أو فاسدًا، أو باطلًا؟ بتفصيلات كثيرة نعرفها في كتب الفقه، وفي كتب السنة.
حين يقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275) ما هي صور البيع الحلال؟ وما هي صور الربا الحرام؟ كيف أتحاشى الحرام وأتعامل بالحلال فقط؟ كل ذلك يتوقف فهمه على السنة المطهرة، التي بيَّنت أنواع الربا، ربا النسيئة وربا الفضل، والتي بيّنت أيضًا الأنواع التي يدخل فيها الربا، والتي لا يدخل فيها الربا، الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر
…
إلى آخر الأحاديث الواردة في ذلك.
تفصيلات لا حدَّ لها، ماذا أقول:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} (الأعراف: 31) نريد أن نأكل موافقين لمنهج الشرع، تأتي الأحاديث النبوية:((يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، ((ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه))
((ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه)) إلى آخر الأحاديث الواردة التي نستطع أن نضعها بجوار بعضها؛ لنستخرج منها ما يمكن أن نسميه بمنهج الإسلام في الطعام، بمنهج الإسلام في الثياب، مثلًا:((ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته باليمين الكاذب))، ((إن الله لا ينظر إلى من جرَّ ثوبه خيلاء أو بطرًا))، أحاديث كثيرة بينت لنا حدود اللباس الشرعي من شكله، ومن تفصيلاته، ومن مقاسه
…
إلى آخره، لكن ورد الأمر في القرآن الكريم مجملًا موجزًا مختصرًا، تكفَّلت ببيانه السنة المطهرة.
نوع آخر من أنواع بيان السنة للقرآن الكريم، وهو ما يمكن أن نسميه بتخصيص العام:
والعام لفظٌ ينطبق على أفراد كثيرين، إذا قلت مثلًا: كل الطلاب ناجحون، هذا بمقتضى هذه الجملة ينطبق على كل ما يُمكن أن يُوصف بأنه طالب في الدنيا كلها، لو قلت في جملة ثانية مثلًا: أقصد طلاب جامعة كذا، ماذا فعلت جملة: أقصد طلاب جامعة كذا، مع الجملة الأولى كل الطلاب ناجحون؟ خصَّصتها يعني: قصرت الحكم العام الوارد في الجملة الأولى على بعض أفراده، بدل أن كان ينطبق على كل الأفراد الذين يدخلون تحت عموم الجملة بأنه طالب في أي مكان في الدنيا، صار الحكم مقصورًا أو مخصوصًا بالجامعة التي ذكرتها مثلًا: جامعة كذا.
هذا هو تخصيص العام يعني: اللفظ العام الذي ينطبق على أفرادٍ كثيرين قُصر على بعض أفراده، بدل أن كان ينطبقُ على العموم المطلق الوارد في السياق الأول، في القرآن الكريم آياتٌ عامة فيها أحكام عامة، جاءت السنة المطهرة
وخصصتها، من ذلك مثلًا قول الله تبارك وتعالى في آياتِ المواريث في سورة النساء:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} (النساء: 11) إلى آخر الآية. والآية التي بعدها: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (النساء: 12) إلى آخر الآيات.
لو أخذت الآية بظاهرها سأطبقها على كل حالات الإرث، بصرف النظر عمن هو الموروث ومن هو الوارث، الآية بعمومها تنطبق على كل أصل موروث يرثه فرعه الوارث على التفصيلات المذكورة في الآيات، وأيضًا في الأحاديث الواردة في هذا، جاءت السنة وخصصت ذلك العموم، مثلًا ((لا نورث ما تركناه صدقة)) هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن الأنبياء يقول:((لا نُورث ما تركناه صدقة)) يعني: الأنبياء لا يُورثون، هذا رواه البخاري في كتاب الفرائض، باب قوله "لا نورث"، ورواه مسلم في كتاب الجهاد باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا نورث"، يعني: الأنبياء لا يُورثون، أو لا يُوَرَّثُون ما تركوه صدقة، لا ينتقل بالإرث من أبنائهم أو غير أبنائهم؛ حسب الترتيب المذكور في آيات المواريث وفي أحكامه.
هذا الحديث خصََّص الآية، وليس هو المُخصِّص الوحيد للآية، هناك مخصصٌ آخر، وهو اختلاف الديانتين بين الأصل الموروث والفرع الوارث، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:((لا يرث المسلمُ الكافرَ، ولا يرث الكافرُ المسلمَ))، هذا أيضًا رواه البخاري في كتاب الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر، ومسلم رواه أيضًا في كتاب الفرائض في أوله، من حديث أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما-.
إذن، هذا أيضًا مخصص آخر، مخصص ثالث إذا قتل الفرع الوارث أصله الموروث لا يرثه؛ وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا يرث القاتل)) وهذا حديثٌ رواه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده، في الجزء واحد ص49، ورواه أبو داود -رحمه الله تعالى- في كتاب الديات، ورواه غيرهم أيضًا.
إذن، هناك مخصصات للآية، جاءت من خلال السنة، وكأن الآية يكون معناها على الوجه التالي بعد هذه المخصصات:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} إلى آخره، نستطيع أن نقول: إلا إذا كان الأصل الموروث نبيًّا؛ فإنه لا يُورث؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث))، وعند اختلاف الديانتين بين الأصل الموروث والفرع الوارث؛ فإنه لا توارث، وذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:((لا يرث المسلمُ الكافرَ، ولا يرث الكافر المسلمَ))، وأيضًا إذا قتل الفرع الوارث أصله
الموروث فلا يرثه، وذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:((لا يرث القاتل))، هذه المخصصات لهذه الآية لعمومها في القرآن الكريم من أين أتينا بها؟
من السنة المطهرة، لم نأتِ بدعًا من عند أنفسنا، ولا يستطيع مسلم أن يتدخل في التشريع الإلهي أبدًا، التشريع الإلهي نستمدُّه من قرآن ربنا، ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، إذن لولا السنة لطبقنا آيات المواريث خطأ.
ونحن نعلم أنه قد حدثت قصة من النقاش بين الخليفة الأول أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- وبين فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الميراث، وأبو بكر -رضي الله تعالى عنه- كان حريصًا على تطبيق السنة، فلم يعطها الإرث؛ تطبيقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
إذن، لولا السنة لما فهمنا هذه الآيات على وجهها الصحيح ولطبقناها بطريقة خاطئة، تُخالف مراد الله عز وجل، وأعرف الناس بمراد ربه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما قلنا: فإن الذي أعطاه مهمة بيان ما في القرآن الكريم هو الله تبارك وتعالى-
ولم نعطها نحن تعصبًا له أو منحة أو هدية، هذا حكم الله سبحانه وتعالى الذي على كل مؤمن يُؤمن بالقرآن والسنة أن يخضع له.
أيضًا، من الآيات التي وردت بلفظ عام، وخصصتها السنة المطهرة قول الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82) هذه الآية لما نزلت وجل الصحابة جدًّا، وخافوا، معنى الآية بإيجاز: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي: لم يخلطوا إيمانهم بظلم، لم يخلطوا إيمانهم بأي نوع من أنواع الظلم، هؤلاء فقط الذين لهم الأمن ولهم الهداية.
إذا عرفنا الظلم كما يقول العلماء: هو وضع الشيء في غير محله، في أي ميدان، تُطلق بصرك إلى غير ما يجوز، هذا وضع للبصر في غير محله، فهذا ظلم، إنفاقك للمال أو جمعك له من غير ما يجوز، أو في غير ما يجوز هذا ظلم، إرسالك للسمع ليستمع إلى ما لا يجوز لك أن تسمعه هذا ظلم، رِجلك إذا سعت إلى شيء خطأ، وهكذا وهكذا، على هذا المعنى هل يوجد واحد من المؤمنين لم يظلم نفسه بصورة ما؛ لذلك خاف الصحابة وهم أهل الورع والتقوى، وهم الذين عاشوا كأنهم عاينوا الجنة والنار، وكأنهم رأوها رأي العين، فخافوا ووجلوا قالوا:((يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟)) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ليصحح لهم هذا الفهم: ليس كما تفهمون، بيَّن أن المراد بالظلم في الآية هو الشرك، هذا الحديث رواه البخاري بسنده إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال:((لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قلنا: يا رسول الله، أيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون لم يلبسوا إيمانهم بظلم: بشرك)) ففسر الظلم هنا بالشرك، واستدل على ذلك، قال لهم:((أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13))).
هذا البيان النبوي الكريم لهذه الآية ماذا فعل؟ خصص العام، يعني: قصر الظلم على بعض أنواعه وهو الشرك، بدل أن كان يشمل كل أنواع الظلم أصبح مقصورًا على نوع واحد من أنواعه، وهو الشرك.
ماذا فعل حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الآية القرآنية؟ خصصها، ما معنى خصصها؟ يعني: قصَر الحكم على بعض أفراده بدل أن كان المراد هو كل الأفراد، هذا بيان بعض الأمثلة، والأمثلة كثيرة جدًّا من تخصيص السنة لعام القرآن الكريم وتوضيحها لبعض الأمور.
أيضًا، من أنواع بيان السنة للقرآن الكريم ما يُسميه العلماء بتقييد المطلق:
تقييد المطلق يعني الشيء يأتي مطلقًا في القرآن الكريم، تقيِّده السنة، في المعنى بتفصيل المجمل، تعريف المجمل، تعريف المطلق، تعريف العام، تعريف المقيد، أو التقييد، كل ذلك له تفصيلات في علم أصول الفقه.
المطلق: شيء واسع يأتي في القرآن الكريم، أو تأتي السنة لتقيّده، مثال ذلك قول الله تبارك وتعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة: 38) الله سبحانه وتعالى يُحدِّد عقوبة السارق بأن تُقطع يداه؛ جزاءً له بما اقترف من الإثم، وهذه العقوبة نكالٌ من الله تبارك وتعالى. هذا معنى الآية بإيجاز.
هيا بنا نُطبِّق حدَّ السرقة في ضوء القرآن الكريم: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} اليد في اللغة وفي الشرع أيضًا تُطلق على هذا العضو منَّا من أول الأصابع إلى المنكب، يعني: على طول الذراع كله، استعمالها في القرآن الكريم واستعمالها في السنة المطهرة بهذا المعنى كثيرًا جدًّا، في آيات كثيرة، نعم هي تتكون من أجزاء،
تتكون من أصابع، وكل أصبع من بنان إلى عقد وبراجم إلى آخره فيه كفّ له بطن وظهر، فيه ساعد، من أول الرسغ إلى المرفق، فيه عضد من المرفق إلى المنكب إلى آخره. كلها أجزاء لكنها في النهاية تكون مجموعًا واحدًا يُطلق عليه اليد.
ولذلك في آية الوضوء مثلًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (المائدة: 6) إلى المرافق، إلى المرافق لماذا جاءت؟ لتبين الغاية، أو المدى الذي تُغسل فيه اليد، ليس إلى المنكب، وإنما إلى المرافق، ولو جاءت الآية فاغسلوا أيديكم فقط، ولم يكن يُنقل لنا شيء من السنة بالتقييد لكان يجب علينا أن نغسلها إلى المنكب، لكن لمَّا أراد الله عز وجل هذا القدر فقط حدَّده بقوله تبارك وتعالى إلى المرافق ليبين أن اليد تُطلق كما ذكرنا في اللغة، وفي الشرع على ذلك العضو من أول الأصابع إلى المنكب أي: إلى التقاء العضد بالكتف، التقاء العضد بالكتف يُسمى منكبًا، هذا ظاهر الآية، بالإضافة إلى أن الآية لم تُحدّد نصاب السرقة يعني: ما هو القدر المسروق الذي تُقطع فيه اليد؟ وما هي شروط السرقة، وهذه تفصيلات أخرى جاءت في السنة.
كيف طبَّق النبي صلى الله عليه وسلم حدَّ السرقة حينما جاءه سارق قد سرق؟
في الحديث أخرجه مجموعة من كتب السنة، البيهقي وغيره:((أُتي بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقطع يده من مِفْصَل الكَفِّ -يعني: بمقدار الكف فقط)) الآية لو أنني أخذت بها كما وردت: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} سأقطع اليدين معًا لكل سارق، لم يقل الله تبارك وتعالى: فاقطعوا يداهما، إنما قال:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} إذن نقطع اليدين معًا لكل سارق، وبالمقدار الذي ذكرناه من أول الأصابع إلى المنكب.
السنة طبقت الحد: أُتي بسارق للنبي صلى الله عليه وسلم فقطع الكف فقط، ومن يد واحدة، النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بمراد ربه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي أوكل الله تبارك وتعالى إليه
مهمة بيان القرآن الكريم الذي نُزِّل للناس لعلهم يتفكرون ويتدبرون في أمور دينهم ودنياهم، هذا التطبيق النبوي للآية قيَّد مطلقها، وأصبح مثالًا لتقييد السنة لمطلق القرآن الكريم، وأيضًا الأمثلة على ذلك كثيرة موجودة في الكتب لمن أراد أن يرجع إليها. إذن السنة تقيد المطلق بعد أن خصصت العام، وبعد أن فصّلت المجمل.
للسنة أيضًا مهمة في البيان أخرى: وهي أنها توضّح ما أَشكل وأُبهم من القرآن الكريم، يقولون: توضيح المبهم، وأنا أميل إلى تسميته بتوضيح المشكل، أو ما أَشْكل -يعني: هي مشكلة في فهمنا نحن، وليست في القرآن الكريم، فإنه لا يوجد فيه شيء مبهم، وعلى كل حال هو تفريق من وجهة نظري يقتضيه الورع مع القرآن الكريم.
لكن خلاصة هذا النوع: هو أنه تأتي بعض الألفاظ، أو المراد بعض السياقات التي لا يُفهم معناها، ولا يُحدَّد المراد منها، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليبين ذلك، وهي أشبه ما تكون ببيان نوع الكلمة أو معنى الكلمة، الكلمة ونوعها، من ذلك مثلًا بيان السنة للمراد من الخيط الأسود والخيط الأبيض الوارد في قول الله تبارك وتعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد الخيط الأبيض هو النهار، والخيط الأسود هو الليل.
روى البخاري -رحمه الله تعالى- بسنده إلى سهل بن سعد -رضي الله تعالى عنه- قال: ((نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ولم ينزل من الفجر -يعني: لم تكن هاتان الكلمتان "من الفجر" لم يكن قد نزلتا بعد- وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبيَّن له رؤيتهما -يعني حتى يتمكَّن من رؤيتهما، والتمييز بينهما يظلُّ يأكل- فأنزل الله تبارك وتعالى بعده {مِنَ الْفَجْرِ})) وبيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن سواد الخيط الأسود المقصود به هو سواد الليل، وأن
الخيط الأبيض هو بياض النهار، والخط الفاصل بينهما الذي ينتهي عنده سواد الليل، ويبدأ عنده بياض النهار هو الفجر. ومن هنا يبدأ المسلم صومه من عند أذان الفجر إلى المغرب من كل أيام من رمضان، ومن أيام أخرى يريد صيامها.
إذن، السنة المطهرة تفصل مجمل القرآن الكريم، تخصِّص عامَّه، تقيد مطلقه، توضح ما أُبهم منه على بعض الأفهام، أو ما أشكل فهمه على بعض الأفهام.
من خلال هذا الاستعراض هو موجز، لا نستطيع فهم القرآن الكريم إلا في ضوء السنة المطهرة، لا نستطيع أبدًا تطبيق الأحكام ولا فهمها إلا في ضوء السنة المطهرة، ومن ثَمَّ تظهر خطورة هذه الدعوى:"علينا الاكتفاء بالقرآن الكريم فقط" ويظهر خبث الهدف من ورائها، بأنهم يريدون هدم الإسلام، ماذا بقي لنا من إسلامنا بعد أن تضيع السنة، وبعد أن يتعطل القرآن الكريم عن الفهم والتطبيق.
الهدف واضح، ولذلك رددنا بنوع من التفصيل على هذه الدعوى من خلال بياننا لعلاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة.
السنة المطهرة توافق القرآن الكريم وتؤكد الحقائق التي ذكرها، هذه علاقة، وعلاقة أخرى تُبين السنة تبين القرآن الكريم بواحد من أنواع البيان المعروفة عند أهل العلم، وأنواع البيان: هي تفصيل المجمل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتوضيح المشكل أو المبهم، ورغم خطورة هذه المهمة وتوقف القرآن الكريم في فهمها على السنة، من خلال هذه المهمة؛ إلا أن دور السنة المطهرة مع القرآن الكريم لم يقتصر على الموافقة أو البيان فقط، وإنما لها دور هام وخطير، هو استقلال السنة بالتشريع؛ يعني: السنة تشرّع كما يشرع القرآن الكريم تمامًا.
وهذه مهمة أخرى للسنة المطهرة مع المهمتين اللتين ذكرناهما وهي بيان السنة للقرآن الكريم بأنواع البيان أو موافقة القرآن الكريم في أحكامه التي أشرنا إليها
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.