الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحابة العدد الجم، وهو في الصحيحين مروي عن جماعة منهم، والعراقي في تعليقاته على المقدمة أفاد أن بعض من جمع طرقه وصل بهم إلى ثمانية وتسعين نفسًا، وذكرهم بالاسم الزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة)، وذكر من أخرج رواية كل منهم من أصحاب الكتب؛ فمن بين الصحابة الذين رووه مثلًا غير العشرة المبشرين بالجنة: أبو هريرة، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وأبو قتادة، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، في نفر كثير من الصحابة -رضوان الله عليهم-، وقد أخرجه الشيخان -رحمهما الله تعالى- من رواية علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وأنس، والمغيرة، وغيرهم كثير؛ كما انفرد البخاري رحمه الله ببعض طرقه مثل انفراده من طريق الزبير بن العوام وعبد الله بن عمرو بن العاص وهكذا، ويكاد هذا الحديث يوجد في كل كتب السنة تقريبًا.
حديث: ((الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة))، حديث:((لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلًا))، حديث:((من غشنا فليس منا)) أو ((من غش فليس منا)).
حديث الآحاد
حديث الآحاد الذي هو القسم الثاني من أقسام الحديث باعتبار عدد الرواة في كل حلقة من حلقات إسناده:
الآحاد جمع أحد بمعنى الواحد، ويعرّفه العلماء فيقولون: هو ما فَقد شرطًا من شروط الحديث المتواتر، ويعرّفه غيرهم فيقولون: هو ما لم يبلغ درجة التواتر، التعريفان قريبان من بعضهما، نستطيع أن نقول بمعنى واحد تقريبًا.
بإيجاز، الحديث الآحاد له أقسام:
منها: الحديث المشهور: واختُلِف في تعريفه، مثلًا ابن حجر رحمه الله في (شرح النخبة) يقول: ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين، وقيل في تعريفه أيضًا: ما رواه في كل طبقة من طبقاته ثلاثة فأكثر دون أن يصل إلى درجة التواتر.
هذه التعريفات -على كل حال- متقاربة، مدارها على أن المشهور لا ينبغي أن يقل العدد في كل طبقة من طبقاته عن ثلاثة رواة في كل حلقة من حلقات الإسناد على الأقل، ليس معنى هذا: أنه يشترط أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة عن ثلاثة، بمعنى وجود ثلاثة في كل حلقة لا يزيدون ولا ينقصون نحن نريد ألا ينقص العدد عن ثلاثة ولو في حلقة واحدة من حلقات الإسناد، إذا قل العدد عن ثلاثة لا يصبح مشهورًا وينتقل إلى العزيز.
ننبه إلى أن الحديث المشهور تعتريه أحكام الصحة والحسن والضعف، بمعنى آخر: ليست شهرة الحديث دليلًا على صحته؛ وإنما لا بد من التثبت في شأنه، والحكم بما يليق به صحة أو حسنًا أو ضعفًا. أيضًا ما نقوله في هذه المسألة نقوله أيضًا في أقسام الآحاد من العزيز والغريب التي سيأتي الكلام عنها، ذكرناه فقط عند المشهور لأنه ربما تصور البعض أن شهرة الحديث دليلٌ على صحته، وكثير من نسأل من الناس عن بعض الناس فنقول لهم: إنها ضعيفة؛ فيقولون: إنها مشهورة جدًّا وتنتشر على الألسنة إلخ؛ ولذلك هناك مؤلفات في الأحاديث المشتهرة على الألسنة مثل: (المقاصد الحسنة) للسخاوي، ومثل (كشف الخفاء) للعجلوني، وغيرهم، يحكمون على الأحاديث المشهورة على الألسنة على كل حديث بما يليق بحاله من الصحة والحسن والضعف.
هناك كلام كثير جدًّا عن المشهور مظنه في كتب المصطلح حديث مشهور عند أهل
الحديث وأهل العلم جميعًا والعوام مثل: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) وهناك مشهور عند المحدثين خاصة، ويقول العراقي -رحمه الله تعالى- في ألفيته:
كذا المشهور أيضًا قسموا
…
بشهرة مطلقة كالمسلم
أي: حديث: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) والمقصور على المحدثين من المشهور:
قنوته بعد الركوع شهرًا
…
ومنه ذو تواتر مستقر
يعني: يقصد بالحديث المشهور الذي هو عند أهل الحديث خاصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يقنت على بعض القبائل شهرًا بعد الركوع لما فعلوه من قتل المسلمين في الرجيع وبئر معونة، وهناك مشهور عند الأصوليين، وعند الفقهاء، وعند النحاة، وقد لا يكون لا أصل له إلخ؛ لكنها تقسيمات للعلماء باعتبار ما دار على ألسنة الناس من الحديث كما هو معروف.
للحنفية في الحديث المشهور قولٌ أشار إليه الأستاذ الدكتور: محمد أديب صالح، بأن المشهور عند الأحناف له اصطلاحٌ خاص: إذا كان الحديث باعتبار عدد رواته ينقسم عند المحدثين إلى متواتر وآحاد -كما ذكرنا- فإنه عند الحنفية ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى متواتر، ومشهور، وآحاد
…
على ذلك؛ المشهور ليس قسمًا من أقسام الآحاد؛ وإنما هو قسيم للمتواتر والآحاد؛ فهو قسم ثالث من أقسام الحديث باعتبار عدد رواته في كل حلقة.
الأحاديث المشهورة على الألسنة لها مؤلفات كثيرة.
النوع الثاني من حديث الآحاد: هو حديث العزيز:
وسمي بهذا الاسم إما لقلة وجوده؛ لأنهم يقولون: عز الشيء يعز، يقصدون: أنه قل؛ وقد يكون سُمي بذلك لأنه قوي واشتد بمجيئه من طريق آخر من
قولهم: عَزَّ يعَزُّ، بفتح العين في المضارع، أي: اشتد وقوي، ومنه قوله تبارك وتعالى:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} (يس: 14) أي: قوينا وشددنا أمر الرسولين برسول ثالث.
"العزيز": هذه صفة مشبهة على وزن "فعيل" من عزّ؛ إنما تعريفه: ما لم يقل الرواة فيه عن اثنين ولو في طبقة واحدة، أو يقولون: ما تحقق في رواته اثنان ولو في طبقة واحدة، ولم يقلّ الرواة عنهما في أي طبقة.
ك ما ذكرنا عن حكم الحديث المشهور من أنه تعتريه أحكام الصحة والحسن والضعف؛ فكذلك نقول عن العزيز.
والغريب أيضًا القسم الثالث من أقسام حديث الآحاد:
هو أولًا لغويًّا: مشتق من الغربة؛ بمعنى: المنفرد أو البعيد
…
الرجل الغريب: هو المنفرد أو هو البعيد عن أهله
…
الحديث الغريب: سمي بذلك لأن راويه قد قد انفرد بالرواية عن غيره، مثل الغريب الذي انفرد وابتعد عن وطنه وعن أهله.
العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي علاقة واضحة، يعرفه ابن حجر -رحمه الله تعالى- في الاصطلاح فيقول عنه: ما تفرد بروايته شخص واحد في أي موقع وقع التفرد به في السند. هم يقسمونه إلى غريب نسبي وغريب مطلق، وكما قلت: هذا محله كتب المصطلح؛ لكن متى وُجد راو ٍ واحد ولو في حلقة من حلقات الإسناد يسمونه بالحديث الغريب.
هذه هي أقسام حديث الآحاد بإيجاز؛ لأن مظنتها هي كتب المصطلح
…
ولأننا بعد ذلك إن شاء الله تبارك وتعالى سنرد على الشبه التي أثاروها حول العمل بخبر الآحاد وكأنهم يريدون أن يضيعوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم:
حكم العمل بحديث الآحاد:
كما تكلمنا عن حكم العمل بالحديث المتواتر وأنه مقطوع بصدقه ومقطوع بصدق نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم وأيضًا منكر المتواتر كافر؛ لأنه كما يكون قد أنكر شيئًا من القرآن الكريم
…
القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تلقاه عن سيدنا جبريل عليه السلام ثم تلقاه الصحابة الكرام عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه من بعدهم عن الصحابة، هذا القرآن وظلت الأمة تتناقله بالملايين جيل عن جيل إلى عصرنا، وإلى ما بعد عصرنا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ كذلك الحديث المتواتر نقل إلينا بالعدد الكبير الذي يطمئن القلب إلى عدم وقوع الكذب منهم.
إذن، إنكار شيء من الحديث المتواتر هو أيضًا كإنكار شيء من القرآن الكريم؛ ولذلك حكم العلماء بكفر هذا وكفر ذاك.
بادئ ذي بدء نفرق بين مسألتين: ما الدرجة التي يفيدها خبر الآحاد من العلم؟ ثم ما حكم العمل بحديث الآحاد؟
حين تكلمنا عن الخبر المتواتر قلنا: إنه يفيد العلم الضروري الذي يحصل اليقين لسامعه بصدق الخبر، لا يحتاج بعد ثبوت التواتر إلى نظر واستدلال. فما الدرجة التي يفيدها خبر الآحاد من العلم؟
آراء العلماء في هذا متعددة؛ منهم من قال بإفادة خبر الآحاد للعلم القطعي، بمعنى أننا نقطع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، ومنهم من قال بإفادته للعلم الظني. الظن يعرفه الأصوليون بتعريفات متعددة تدور حول: أنه العمل بالقول الراجح أو ترجيح أحد الاحتمالين. الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في مقدمة (صحيح
مسلم) ينقل وينسب هذا القول إلى المحققين والأكثرين من الأصوليين والمحدثين -وهذه الأكثرية في الحقيقة فيها نظر وقد تعقبه بعض العلماء في ذلك- ينقل أن أكثر العلماء من المحدثين والأصوليين يقولون بإفادته للظن، يعني: يغلب على ظننا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ولا نقطع بصدق نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
كثير من المحدثين من أهل العلم قالوا بإفادة خبر الآحاد للعلم النظري، أي: المبني على نظر واستدلال، نحن نصل إلى صحة الحديث بدراسة الإسناد ودراسة المتن، تعلمون أن علماء الحديث قد وضعوا شروطًا إذا توفرت في الإسناد حكم عليه بالصحة ووضعوا شروطًا للمتن: ألا يباين المنقول، أو يخالف المعقول، أو يصادم الأصول؛ وإذا كان كذلك فيكون صحيحًا، بالإضافة إلى معايير أخرى ذكروها في هذه المسألة.
إن العلماء الذين قالوا: إن خبر الآحاد يفيد القطع النظري، يعني: المبني على نظر واستدلال؛ لكننا نقطع بصحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم يقولون: قد درسنا الإسناد في ضوء القواعد المقررة عند العلماء ودرسنا المتن في ضوء القواعد المقررة عند العلماء لدراسة المتن؛ فسلِم لنا الإسناد والمتن معًا؛ فلماذا نتردد في القطع بصحة نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟!
إلى هذا الرأي ذهب صاحب (المحلى) ابن حزم، وذهب الشيخ شاكر، والشيخ ناصر الألباني رحمه الله وذهب كثير من العلماء.
وهناك من قال بإفادة الآحاد القطع؛ لكنه قصره على أحاديث الصحيحين مثل ابن الصلاح في (المقدمة) قال: بأن أحاديث الصحيحين فقط هي التي نقطع بصحة نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم وواضح أن مبنى هذا الرأي عند ابن الصلاح على أن الصحيحين قد أجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول، ومن ثم فأصبح الأمر
إجماع أمة وليس مجرد رواية البخاري ومسلم فقط، ومن هنا أعطى لآحاد الصحيحين بالأحرى إفادة القطع، أي: نقطع بصحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
ابن حجر -رحمه الله تعالى- أضاف إلى ابن الصلاح فائدة أخرى: لم يقصر حكم إفادة العلم، أي: صدق النسبة والقطع بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم على أحاديث الصحيحين فقط؛ إنما ألحق بأحاديث الصحيحين كل حديث احتفت به قرائن تكسبه مزيدًا من القوة، قال فريق كثير من العلماء بأن الصحيحين أو آحاد الصحيحين يفيد القطع بصحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم لما توافر للصحيحين من إجماع الأمة
…
أيضًا ما المانع أن نلحق بهذا الأمر كل حديث قامت قرائن وأدلة على أنه يرتقي إلى أحاديث الصحيحين
…
قرائن أكسبته مزيدًا من القوة، خصوصًا وأننا نعلم أن الصحيحين لم يستوعبا كل الأحاديث الصحيحة ولم يلتزما بهذا.
مثلًا الحديث المسلسل بالأئمة الأجلاء: حديث رواه الإمام أحمد بن حنبل، عن الإمام الشافعي، عن الإمام مالك، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- مثلًا أو عن الزهري عن ابن عمر
…
هذا حديث نستطيع أن نسميه بأنه مسلسل بالأئمة الأجلاء الكبار، فلو كان هذا الحديث عند غير الصحيحين ألحق ابن حجر مثل هذه الأحاديث بأحاديث الصحيحين.
بما أنني قد تأكد من صحة السند وتأكدت من صحة المتن وسلِم لي الاثنان معًا- فلماذا لم أقطع بصحة نسبة الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم؟!
متى صح الحديث وجب العمل به:
العلماء أجمعوا جميعًا على أن الحديث متى صح وجب العمل به بصرف النظر عن إفادته بالنسبة لنسبته إليه صلى الله عليه وسلم الظن أو القطع ولا يصرف عن وجوب العمل
به إلا بصارف شرعي كأن يكون منسوخًا مثلًا، أو عامًّا وخُصص، حتى النووي رحمه الله لما تكلم من وجهة نظره عن أن خبر الآحاد يفيد الظن حكى إجماع العلماء على أن الأمة يجب عليها العمل بما غلب على ظنها
…
ليس شرطًا أن أصل إلى درجة القطع لأعمل بمضمون الخبر، هذا أمرٌ مقرر للعلماء.
مثلًا، حين يخبرنا مخبر أنه قد رأى هلال شوال أو هلال رمضان: في هلال رمضان يجب على الأمة أن تصوم، ومن أصبح مفطرًا بعد أن تأكدنا من عدالة الناقل للخبر بأنه رأى الهلال سيفطر يومًا لا يجوز فطره وله عقوبته المقررة عند العلماء في كتب الفقه، وكذلك أيضًا من صام حين يُرى هلال شوال سيصوم يومًا حرم صيامه على المسلمين بإجماع الأمة على ذلك، والحج ينبني على ما يراه الرائي بالنسبة لهلال شهر ذي الحجة
…
البينات
…
الأحكام من الحدود وغيرها
…
مثلًا حين يشهد اثنان بأن فلانًا قتل فلانًا وتأكد القاضي من عدالة الرواة سيقتص منه، والاثنان خبر آحاد، والواحد الذي رأى الهلال خبر آحاد، والحدود كلها؛ حتى أشد الحدود أو أكثر الحدود طلبًا للعدد: وهو حد الرجم طُلِب فيه أربعة شهود؛ كما ورد في القرآن الكريم؛ حتى الأربعة على الرأي الأغلب عند العلماء ليس خبرًا متواترًا؛ إنما هو أيضًا خبر آحاد؛ وإنما زاد العدد في الأغراض لأنها مبنية على الصيانة والتحوط.
يشهد اثنان عليّ بأنني مدين بمبلغ كذا لفلان
…
متى اطمأن القاضي لعدالة الرواة؛ حكم بأن المبلغ عليّ، ولا يحتاج الأمر إلى إقراري، وعليّ أن أؤدي المبلغ كما ذكره الشهود إلخ
…
إلخ
…
أمور كثيرة جدًّا من أحكام الفقه والشرع تنبني على خبر الآحاد، وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن الأمة يجب العمل عليها بخبر الآحاد.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.