المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أدلة حجية السنة من الأحاديث النبوية الشريفة - الدفاع عن السنة - جامعة المدينة (بكالوريوس)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 معنى الشبهة، واستعمالاتها، وموقفنا تجاهها

- ‌أهمية السنة في الإسلام

- ‌تعريف الشبهة لغة واصطلاحًا، وبعض استعمالات القرآن والسنة لها

- ‌موقفنا من الشُبه وواجبنا نحوها

- ‌الدرس: 2 الاستشراق وموقفه من السنة المطهرة

- ‌تعريف الاستشراق والمستشرقين

- ‌ملامح منهج المستشرقين في دراسة الإسلام

- ‌الدرس: 3 علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم

- ‌العلاقة بين القرآن الكريم والسنة المطهرة

- ‌محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌الدرس: 4 تابع علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة

- ‌المحور الثالث من محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌نقاط حول علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم

- ‌الدرس: 5 أدلة حجية السنة المطهرة (1)

- ‌معنى الحُجِّيَّة

- ‌أدلة حجية السنة من القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 أدلة حجية السنة المطهرة (2)

- ‌تتمة أدلة حجية السنة من القرآن الكريم

- ‌تحذير القرآن الكريم من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 7 أدلة حجية السنة المطهرة (3)

- ‌أدلة حجية السنة من الأحاديث النبوية الشريفة

- ‌من أدلة حجية السنة: دليل الإيمان

- ‌أدلة حجية السنة من خلال إجماع الأمة

- ‌الدرس: 8 أدلة حجية السنة المطهرة (4)، دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (1)

- ‌بقية الأدلة على حجية السنة

- ‌دفع شبه منكري حجية السنة

- ‌الدرس: 9 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (2)

- ‌قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء}

- ‌قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}

- ‌قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}

- ‌قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ…}، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ}

- ‌قوله تعالى: {…إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}

- ‌قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌الدرس: 10 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (3)

- ‌شبهة: أن الله سبحانه تكفّل بحفظ القرآن ولم يتكفَّل بحفظ السنة

- ‌أدلة ابن حزم وابن القيم وغيرهما على حفظ الله سبحانه للسنة

- ‌شبهة: عرض السنة على القرآن

- ‌الدرس: 11 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (4)

- ‌تقسيم الحديث باعتبار عدد الرواة

- ‌التواتر لغة واصطلاحًا

- ‌شروط الحديث المتواتر

- ‌الدرس: 12 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (5)

- ‌أقسام الحديث المتواتر

- ‌الدرجة التي يفيدها الحديث المتواتر من العلم

- ‌حديث الآحاد

- ‌الدرس: 13 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (6)

- ‌الشبه المثارة حول حجية خبر الواحد، والرد عليها

- ‌أدلة الإمام الشافعي على حجية خبر الواحد

- ‌الدرس: 14 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (7)

- ‌بقية الأدلة على حجية خبر الواحد عند الشافعي

- ‌الأدلة على حجية خبر الواحد من (صحيح البخاري) ومناقشتها

- ‌الدرس: 15 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (8)

- ‌شبهة: وضع الأحاديث في القرنين الأول والثاني نتيجة لتطور المسلمين

- ‌شبهة: استغلال الأمراء الأمويين والعباسيين علماء المسلمين لوضع ما يثبت ملكهم

- ‌الدرس: 16 بين المدرسة الحديثية والمدرسة العقلية

- ‌دفع ما أثير حول المدرسة الحديثية من شبهات

- ‌بيان خطأ المدرسة العقلية التي تُخضع النصَّ للعقل

- ‌ملامح المدرسة العقلية

- ‌الدرس: 17 حديث الذباب، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

- ‌الدرس: 18 حديث الإسراء والمعراج، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌تفاصيل رحلة الإسراء والمعراج، وبيان ما حدث فيها من معجزات

- ‌الرد على ما أثير حول رحلة الإسراء والمعراج من شبهات

- ‌الدرس: 19 حديث فقء موسى عليه السلام لعين ملك الموت، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

- ‌ذكر ما تضمَّنه الحديث من فوائد عظيمة

- ‌الدرس: 20 حديث السحر، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث وبيان درجته، وشرح بعض معانيه

- ‌شرح حديث السحر

- ‌الرد على ما أثير حول حديث السحر من شبهات

- ‌الدرس: 21 تابع حديث السحر، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌ذكر ما تضمَّنه الحديث من فوائد عظيمة

- ‌قواعد كلية ينبغي للمسلم معرفتها أثناء دفاعه عن السنة

الفصل: ‌أدلة حجية السنة من الأحاديث النبوية الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السابع

(أدلة حجية السنة المطهرة (3))

‌أدلة حجية السنة من الأحاديث النبوية الشريفة

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

حجية السنة المطهرة من خلال أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وكما اهتمَّ القرآن الكريم بقضية السنة اهتمت السنة أيضًا، نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم في كثيرٍ من الأحاديث إلى ضرورة اتباعه واتباع هديه صلى الله عليه وسلم، ولذلك عَقَد المُحدِّثون كُتبًا في أبوابهم؛ لضرورة اتباع السنن واجتناب البدع، فعل ذلك الترمذي، وفعل ذلك أبو داود رحمهم الله جميعًا- والإمام البخاري عقد كتابًا، باب الاعتصام بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم.

إذن، الأحاديث كثيرة جدًّا، وأيضًا سنتوقف مع الأحاديث التي تدل في صراحة ووضوح على ضرورة اتباع السنة المطهّرة، روى البخاري ومسلمٌ -رحمهما الله تعالى- من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قولَه صلى الله عليه وسلم:((كل أُمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) هذا حديثٌ رواه البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والحديث له دلالته: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) فقد عاند وجحد، الذي يتوقف في السنة وفي حجيتها، وفي وجوب طاعتها وحين سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين أبوا عرَّفهم بأنهم هم الذين عصوا الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين عاندوه، وشاققوه، وحاددوه، وابتعدوا عن هديه، والتمسوا هديًا آخر غير هديه صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم اختاروا طريقهم هم أحرار، لكن القضية أن تشتدّ الظلمات عليهم، فيتصورون أنهم لم يبتعدوا عن هدي القرآن الكريم، أو عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 121

وفي الحقيقة القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم نزلت عليه هذه الآيات؛ لتبين أن هناك أناسًا قد تضيع أعمارهم في الشرِّ والباطل، وهم يتصورون أنهم يحسنون صنعًا:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف: 103، 104) نسأل الله عز وجل أن يبصّرنا، وأن يهدينا، وألا تصل بنا العماية إلى هذا الحد المهين والعياذ بالله! فتضيع الأعمار، ويتصور أصحابها أنهم قد أفنوها في خير، أو في برّ، يظل طوال عمره يجحد السنة، ويشكك في الأحاديث، وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤلف الكتب في ذلك، وهو يتصور أنه قد يقدّم خيرًا لإسلامه، فنسأل الله العصمة والسلامة.

أيضًا، من الأحاديث التي وردت في هذا حديث رواه البخاري ومسلم، وله قصة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا، قالوا: أفي كل عام يا رسول الله؟ سكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالها الرجل ثلاثَ مرات، ثم قال: لو قلت: "نعم" لوجبت، ولما استطعتم)) القائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: نعم؛ فقد وجبت الطاعة.

إذن، النبي صلى الله عليه وسلم يبين أنه يشرع وأن تشريعه يجب على الأمة، وبعد ذلك حذر الأمة فقال:((ذروني ما تركتكم)) ما دام أنا سكت اسكتوا أنتم، ولو كان الأمر واجبًا في كل عام لبيّنته من غير سؤال؛ لأن تأخير البيان عن موضع الحاجة لا يجوز، كيف أتأخر عن بيان أمرٍ كلفني الله تبارك وتعالى به وهذا هو موطنه، هل كان الحج واجبًا على الناس في كل عام، أو هل يكون الحج واجبًا في كل عام، ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم:((أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا)) ويسكت من غير أن يبين أنه في كل عام، ولذلك كان على السائل أن يتنبَّه إلى أن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على أنه ليس مفروَضًا في كل عام.

ص: 122

والنبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأحوال يخشى أن تؤدِّي كثرة المسائل إلى مشقَّة على المسلمين، فيكون صاحبه من أعظم الناس جُرمًا حين تؤدِّي أسئلته إلى مشقة على المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الرءوف الرحيم بهذه الأمة، ولذلك طلب من الأمة ((ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم))، ولعله صلى الله عليه وسلم يشير إلى ما ورد في سورة البقرة من موقف بني إسرائيل حين طلب منهم الله عز وجل على لسان نبيه موسى عليه السلام أن يذبحوا بقرة، ولو أتوا إلى أي بقرة وذبحوها لكانوا قد استجابوا لأمر الله، ولكنهم جعلوا يضعون أسئلة يشقُّون على أنفسهم؛ فشق الله عليهم ولم يجدوها إلا بصعوبة.

على كل حال، هذا حديث يُبيِّن أن على المسلمين أن يستجيبوا لأمر الله تبارك وتعالى وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وألا يسألوا أو يجادلوا ما دام الأمر واضحًا وجليًّا.

أيضًا، من الأحاديث التي تدل على اتباع السنة:((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عنه فاجتنبوه))، أو ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) هذا حديث أيضًا رواه البخاري في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضًا هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) هذا توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم للأمة أن تفعل ما يأمرها بها، أو ما يأمرها به نبيها صلى الله عليه وسلم وأن تنتهي عما نهى عنه.

لكننا نلاحظ أنه في مجال الأمر قال: ((فأتوا منه ما استطعتم))، ونطرح هنا تساؤلًا هل ينطبق ذلك على الواجبات، لا، لماذا؟ لأن الواجبات لا بد من فعلها، حتمًا على المسلم أن يفعل ما أوجبه الله تعالى عليه، أو ما أوجبه عليه رسوله صلى الله عليه وسلم يعني: مثلًا لما ضربنا مثالًا لما أوجبته السنة بزكاة الفطر مثلًا، فهل يملك المسلم ألا يخرج زكاة الفطر، لا يستطيع ذلك، ولا يملك هذا:((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) أمرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم أن نبدأ الصيام حين نرى هلال

ص: 123

رمضان، وأن نفطر حين نرى هلال شوال، هل نملك غير هذا؟ لا نملك غير هذا، إنما "استطعتم" تنصرف إلى غير الواجبات، لا تُحمل على الوجبات لسببين:

السبب الأول: أن الوجبات لا بد من فعلها.

والسبب الثاني: أن الله تبارك وتعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم لم يُوجبا على الأمة إلا ما تستطيع أن تفعله؛ لأن أصل التكاليف مبنيٌّ على القدرة والاستطاعة، {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286)، ورفع الله الإصر عن هذه الأمة؛ تكريمًا لنبيها صلى الله عليه وسلم في صور كثيرة، وخفف عنها في أحكام كثيرة. إذن، ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) لا يحق لأحد أن يأخذ منه دليلًا على الكسل أو التراخي في الاستجابة لأمر الله تبارك وتعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير الواجبات، بل إن الحديث يضع قاعدة هامة جدًّا هنا وهي أن العلاقة بين المسلم وبين أمور الشرع غير الواجبة هي أن يأتي منها ما استطاع، بعبارة أخرى: ألا يتركها حين يكون مستطيعًا، إننا لو أخذنا معنى السنة بالمعنى الفقهي: ما يُثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فهل منا من هو مستغنٍ عن الثواب، لا أحد من المسلمين يستغني عن الثواب أبدًا، وقد يحتاج ميزانه يوم القيامة إلى بضع حسنات تثقل وترجح بهما كفة الحسنات حتى ينجو الإنسان من هول ذلك اليوم الشديد.

إذن ((فأتوا منه ما استطعتم)) تربية للأمة أن العلاقة بين الأمة وبين أوامر شرعها المستمدة من كتاب ربها ومن سنة نبيها صلى الله عليه وسلم هي علاقة حب، هي علاقة أداء برغبة، بتطلع، بشغف، بحمدٍ لله على التوفيق إلى نعمة الاستجابة.

كثير ما نلاحظ في واقع الأمة يعني: هذا أمر سنة، يعني: ليس واجبًا! يكسل عنه البعض، هذا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم:((فأتوا منه ما استطعتم)) لا نستهين

ص: 124

بشيء من أوامر الشرع، ولا نقول: إنه ليس بواجب، أنت لست مستغنٍ عن الثواب.

وفي الحقيقة، هذا كان منهج الصحابة في التعامل مع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، لم يدخلوا إلى المسألة من باب: هل هذا واجب أو غير واجب؟ وإنما يكفيهم شرف الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك مثلًا لم نسمع أن صحابيًّا لم يكن ملتحيًا مثلًا؛ لأنهم لم يدخلوا إلى الأمر بالمناقشة التي تُجرى الآن: واجبة أو غير واجبة؛ إنما النبي صلى الله عليه وسلم ملتحٍ فليقتدوا به، يلبسون كما يلبس، ينامون كما ينام، يأكلون كما يأكل، يعني: يتتبعون هديه في كل صغيرة وكبيرة بشغف وحب وتقدير واحترام، ورغبة صادقة في هذا الائتساء العظيم؛ رجاء ما عند الله، وأن يفوزوا، وأن ينالوا القرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وشفاعته بإذن الله تبارك وتعالى.

أيضًا، من الأحاديث التي تدل على وجوب اتباع السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حقيقة خطير وهام، حديث حذيفة -رضي الله تبارك وتعالى عنه- في الصحيحين، وهو حديث فيه فوائد عظيمة وجليلة، لكني سأقتصر على الجزء الخاص بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ومتابعة القرآن الكريم، هذا الحديث يقول حذيفة -رضي الله تعالى عنه- في مطلعه:((حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال)) يعني الفطرة أمانة التكاليف بمعنى: أن الله فطرنا عليها وعلى معرفتها، إما أن نطبق بعد ذلك أو لا نطبق، ((حدثنا أن الأمانة نزلت في جَذر)) جَذر وجِذر، يجوز فتح الجيم وكسرها، وهي الجذر: أصل كل شيء، كما هو أصل النبات هو أصل كل شيء، محل الشاهد:((ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة))، السنة تُشرّع كما يُشرع القرآن الكريم تمامًا، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة.

ص: 125

وبإيجاز، الله عز وجل فطرنا على معرفة الحق والاهتداء إليه، ولكن الله عز وجل لم يُقم حجته علينا بالفطرة فقط؛ لأن الله عز وجل يعلم أن الفطرة قد تُنسخ بفعل فاعل، كما ورد في الحديث الصحيح:((كل مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدناه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)) ولكي لا يعتذر معتذر بأن فطرته قد مُسخت، ولم يعد يعرف الحق من الباطل، أو يعرف الخطأ من الصواب أنزل الله ما يريده من عباده في كتاب تعهد بحفظه، وفي سنة أيضًا تعهد بحفظها، أرسل بالاثنين معًا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:((نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن؛ فعلموا من القرآن وعلموا من السنة)) أي: أقام الله عليهم الحجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن الكريم، وبالسنة المطهرة. ولا يستطيع مسلم أن يزعم الآن أنه لا يعرف ما يُراد منه على وجه التحديد، إلا أن يكون ذلك من باب المجادلة العقيمة، أو من باب التنطع، ونسأل الله عز وجل السلامة من كل ذلك.

حديث حذيفة هذا رواه البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الرقاب باب رفع الأمانة، وفي الفتن باب إذا بقي حثالة من الناس، ورواه في كتاب الاعتصام باب الاقتداء بسنن الله صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب الإيمان باب رفع الأمانة والإيمان من القلوب.

أيضًا من الأحاديث التي تدل على وجوب اتباع السنة ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث رواه الترمذي -رحمه الله تعالى- ورواه أيضًا أبو داود وغيرهما. قال عنه الترمذي: إنه حسن صحيح، من حديث العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- قال: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا -أي: وإن كان الذي تولَّى أمركم عبدًا حبشيًّا-

ص: 126

فإنه من يعشْ بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).

هذا حديثٌ رواه الإمام أحمد ورواه الترمذي، وكما قلنا: رواه الترمذي في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع.

العصمة من البدعة العصمة من الاختلاف، العصمة من التنازع، العصمة من تعدد الأهواء، كل ذلك مرهون باتباع كتاب الله تبارك وتعالى، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

((تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)) لا تفرطوا فيها أبدًا، لا تستبدلوها بغيرها، لا تركنوا إلى أي حكم آخر غير حكم الله -تبارك تعالى- وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ((تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))، نسأل الله السلامة من الضلالات ومن البدع.

إذن، السنة عصمة من الاختلاف، عصمة من البدع، وفي الحقيقة أنا أقول لكل مسلم: لا وسط، أنت في أي موقف من المواقف إما أن تكون على بدعة، وإما أن تكون على سنة، حين لا تكون على سنة فبالضرورة يكون الموقف على بدعة؛ لأنه لا وسط بينهما، هذان من الأمور المتضادة التي لا تجتمع معًا ولا ترتفع معًا، في أي قضية من القضايا في جمعك لمالك أنت متبع للسنة، أو مخالف لها فأنت على بدعة، في معاملتك لأهلك وأولادك، في طعامك في شرابك، لا وسط، ((وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة)) والبدعة ضلالة، وقد تؤدي بصاحبها إذا استمسك بها واستمر عليها أن يكون من أهل النار، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

أيضًا، من الأحاديث التي وردت في وجوب اتباع السنة ما رواه البخاري رحمه الله-

ص: 127

من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنهما- قال: ((لعن الله الوَاشِمَات والمُسْتَوْشِمَات، والمُتنمّصات))، وفي رواية:((والنَّامِصَات والمُتَنَمِّصَات، والمتفلِّجات للحسن، المغيرات خلق الله)) قالت له امرأة من الأنصار تُسمى بأم يعقوب: ما هذا؟ وفي رواية: "فقالت امرأة في ذلك" بمعنى: أن المرأة تستغرب من عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- وهو أحد أكابر الصحابة في علمه، وفهمه، وزهده، وورعه، ومن أصحاب الصلة الوثيقة بكتاب الله تبارك وتعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن السابقين للإسلام يقول:((لقد رأيتني وأنا سادس ستة ما يوجد على الأرض مسلم غيرهم)).

الحديث كأنه في الرواية هذه هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه في هذه المرة كأن عبد الله هو الذي قال ما نسميه موقوفًا، أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال؛ إذن عبد الله بن مسعود هو الذي يقول. ماذا قال؟ قال:((لعن الله الواشمات والمستوشمات)) إلى آخر ما ذكرنا، المرأة المسلمة الصالحة الأنصارية خافت عليه أن يشرّع من قبل نفسه فقال -رضي الله تعالى عنه:((وما لي لا ألعن من لعنه رسوله الله، وهو في كتاب الله))، قالت المرأة:((والله لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدته)) المرأة هنا تبحث في القرآن عن ((لعن الله الواشمات والمستوشمات، ولعن الله النامصات والمتنمصات، ولعن الله المتفلّجات للحسن المغيرات خلق الله)) كأنها تريد هذا النص بذاته في القرآن الكريم، لكن عبد الله قال لها:"والله لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، ألم تقرئي قول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) " هذا داخل تحت هذه الآية، وتحت غيرها من الآيات التي تُوجب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

فالحديث فوق دلالته على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو أيضًا قاطع في دلالته على أن النبي صلى الله عليه وسلم يُشرّع كما يُشرّع الله تعالى، وعلى المسلمين أن يقولوا: سمعنا وأطعنا.

ص: 128

أيضًا، من الأحاديث التي تدل على ذلك حديث وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بل ليس أن نطيعه فقط، بل أن نطيع أميره الذي أرسله، لو أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أميرًا في قيادة ما على أي مستوى من المستويات، على الأمة أن تستجيب لهذا الأمير، أولًا في حديث:((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني)) يعني: على الأمة -كما قلت- لا تطيع النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل تطيع من أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في أي أمر من الأمور، لو أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رسولًا يأتي بزكوات، أو يقود غزوًا "سرية مثلا" أو كلَّف مؤمنًا بأن يُصلي بالمسلمين، أيّ تكليف للنبي صلى الله عليه وسلم هو طاعتنا لأمره صلى الله عليه وسلم إنما هو طاعة له عليه الصلاة والسلام ومن ثَمَّ أيضًا هي طاعة لله تبارك وتعالى لأن من أطاع النبي صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى النبي صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله تعالى والعياذ بالله تبارك وتعالى.

أيضًا، من الأحاديث التي تدل على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم:((إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي)) هذا حديثٌ رواه الحاكم في كتاب العلم وهو حديث صححه العلماء، ويلتقي مع كل الروايات الواردة في هذا الأمر، طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة القرآن الكريم وطاعة السنة المطهرة، ما دمتم تستمسكون بهما فلن تضلوا أبدًا؛ لأنهما طريق الهداية وطريق الرشاد، والعصمة من الزلل: كتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

أيضًا، الأحاديث في الحقيقة أكثر من أن تحصى في هذا المجال، ولذلك هنا نقل للإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في (الرسالة) يقول: "وكل ما سن فقد ألزمنا الله باتباعه -أي: كل ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل في اتباعه طاعته -أي: جعل في اتباعه النبي صلى الله عليه وسلم طاعة الله تعالى، وفي العنود عن

ص: 129

اتباعها -أي: عن السنة معصيته" -أي: حين تُعاند ولا تستجيب للسنة وتماري وتتوقف؛ فأنت معاند، نسأل الله عز وجل ألا تتردى في الهلاك بسبب ذلك الموقف.

"وكل ما سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل في اتباعه طاعته، وفي العنود عن اتباعها -أي: عن السنة- معصيته، التي لم يعذر بها خلقًا ولم يجعل له من اتباع سنن الرسول مخرجًا" الله عز وجل لم يعذر خلقًا أبدًا في عدم اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يوجد لهم مخرجًا إلا أن يتبعوه عليه الصلاة والسلام لن تجد أبدًا مخرجًا يخرج بك إلى أي خير إلا في اتباعك للنبي صلى الله عليه وسلم. أما المخارج إلى غير ذلك فهي كثيرة، ونسأل الله العصمة.

فالصحابة كانوا يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به، وفي كل ما ينهى عنه، حتى فيما لم يفهموا حكمته، الفاروق -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- يقبل الحجر الأسود ويقول:((إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبّلك ما قبلتك))، هذا رواه البخاري في كتاب الحج باب ما ذكر في الحجر الأسود وباب تقبيل الحجر، ورواه مسلم أيضًا -رحمهما الله تعالى- في كتاب الحج باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف.

سيدنا عمر -رضي الله تعالى عنه- قبَّل الحجر لمجرد اتباعه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنه حجر لا يضر ولا ينفع، هو لا يلتمس نفعًا عند الحجر، ونحن نعلم جميعًا أن النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى فهو لم يلتمس من الحجر أيَّ منفعة؛ إنما قبله اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضًا، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: واحد من الناس يقول له: لا نجد صلاة السفر في القرآن يقصد الهيئة أن يصلي ركعتين فقط وما شاكل ذلك، قصر الصلاة الرباعية أو الجمع أو ما شاكل هذا، مع أنها

ص: 130