المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأدلة على حجية خبر الواحد من (صحيح البخاري) ومناقشتها - الدفاع عن السنة - جامعة المدينة (بكالوريوس)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 معنى الشبهة، واستعمالاتها، وموقفنا تجاهها

- ‌أهمية السنة في الإسلام

- ‌تعريف الشبهة لغة واصطلاحًا، وبعض استعمالات القرآن والسنة لها

- ‌موقفنا من الشُبه وواجبنا نحوها

- ‌الدرس: 2 الاستشراق وموقفه من السنة المطهرة

- ‌تعريف الاستشراق والمستشرقين

- ‌ملامح منهج المستشرقين في دراسة الإسلام

- ‌الدرس: 3 علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم

- ‌العلاقة بين القرآن الكريم والسنة المطهرة

- ‌محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌الدرس: 4 تابع علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة

- ‌المحور الثالث من محاور العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

- ‌نقاط حول علاقة السنة المطهرة بالقرآن الكريم

- ‌الدرس: 5 أدلة حجية السنة المطهرة (1)

- ‌معنى الحُجِّيَّة

- ‌أدلة حجية السنة من القرآن الكريم

- ‌الدرس: 6 أدلة حجية السنة المطهرة (2)

- ‌تتمة أدلة حجية السنة من القرآن الكريم

- ‌تحذير القرآن الكريم من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 7 أدلة حجية السنة المطهرة (3)

- ‌أدلة حجية السنة من الأحاديث النبوية الشريفة

- ‌من أدلة حجية السنة: دليل الإيمان

- ‌أدلة حجية السنة من خلال إجماع الأمة

- ‌الدرس: 8 أدلة حجية السنة المطهرة (4)، دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (1)

- ‌بقية الأدلة على حجية السنة

- ‌دفع شبه منكري حجية السنة

- ‌الدرس: 9 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (2)

- ‌قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء}

- ‌قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}

- ‌قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}

- ‌قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ…}، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ}

- ‌قوله تعالى: {…إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}

- ‌قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌الدرس: 10 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة (3)

- ‌شبهة: أن الله سبحانه تكفّل بحفظ القرآن ولم يتكفَّل بحفظ السنة

- ‌أدلة ابن حزم وابن القيم وغيرهما على حفظ الله سبحانه للسنة

- ‌شبهة: عرض السنة على القرآن

- ‌الدرس: 11 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (4)

- ‌تقسيم الحديث باعتبار عدد الرواة

- ‌التواتر لغة واصطلاحًا

- ‌شروط الحديث المتواتر

- ‌الدرس: 12 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (5)

- ‌أقسام الحديث المتواتر

- ‌الدرجة التي يفيدها الحديث المتواتر من العلم

- ‌حديث الآحاد

- ‌الدرس: 13 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (6)

- ‌الشبه المثارة حول حجية خبر الواحد، والرد عليها

- ‌أدلة الإمام الشافعي على حجية خبر الواحد

- ‌الدرس: 14 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (7)

- ‌بقية الأدلة على حجية خبر الواحد عند الشافعي

- ‌الأدلة على حجية خبر الواحد من (صحيح البخاري) ومناقشتها

- ‌الدرس: 15 دفع الشبهات المثارة حول حجية السنة المطهرة (8)

- ‌شبهة: وضع الأحاديث في القرنين الأول والثاني نتيجة لتطور المسلمين

- ‌شبهة: استغلال الأمراء الأمويين والعباسيين علماء المسلمين لوضع ما يثبت ملكهم

- ‌الدرس: 16 بين المدرسة الحديثية والمدرسة العقلية

- ‌دفع ما أثير حول المدرسة الحديثية من شبهات

- ‌بيان خطأ المدرسة العقلية التي تُخضع النصَّ للعقل

- ‌ملامح المدرسة العقلية

- ‌الدرس: 17 حديث الذباب، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

- ‌الدرس: 18 حديث الإسراء والمعراج، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌تفاصيل رحلة الإسراء والمعراج، وبيان ما حدث فيها من معجزات

- ‌الرد على ما أثير حول رحلة الإسراء والمعراج من شبهات

- ‌الدرس: 19 حديث فقء موسى عليه السلام لعين ملك الموت، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث، وبيان درجته

- ‌الرد على ما أثير حول الحديث من شبهات

- ‌ذكر ما تضمَّنه الحديث من فوائد عظيمة

- ‌الدرس: 20 حديث السحر، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌تخريج الحديث وبيان درجته، وشرح بعض معانيه

- ‌شرح حديث السحر

- ‌الرد على ما أثير حول حديث السحر من شبهات

- ‌الدرس: 21 تابع حديث السحر، ودفع ما أثير حوله من شبهات

- ‌ذكر ما تضمَّنه الحديث من فوائد عظيمة

- ‌قواعد كلية ينبغي للمسلم معرفتها أثناء دفاعه عن السنة

الفصل: ‌الأدلة على حجية خبر الواحد من (صحيح البخاري) ومناقشتها

الحدود، ويأمرون الناس بأوامر الشرع وينهونهم عما نهى عنه الشرع، والناس يسمعون لهم ويطيعون.

هذه أدلة من رسل بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الإسلام، وقواد قادوا المسلمين في غزوات

إلى آخر التفصيلات.

الإمام الشافعي عنده أكثر من ثلاثين دليل تضمنت العمل بحديث الآحاد في العقائد في الأحكام في كل أمور الإسلام لا تفريق بين أمر وآخر.

‌الأدلة على حجية خبر الواحد من (صحيح البخاري) ومناقشتها

ننتقل إلى (صحيح البخاري) -رحمه الله تعالى- والباب رقم 95 عنده، وهو في الجزء الثالث من (فتح الباري) والكتاب سماه كتاب أخبار الآحاد، أول باب فيه يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان، والصلاة، والصوم، والفرائض، والأحكام، وقول الله تعالى

وأنا أعتقد أن الصدوق في هذا الاستعمال تعني الثقة الذي يجمع بين العدالة والضبط.

باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الآذان في الصلاة في الصوم في الفرائض في الأحكام، وقول الله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122) يعني: الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- وكما نعلم جميعًا أن فقهه في تراجمه أي: في عناوين الأبواب: الكتاب عنده اسمه كتاب آخبار الآحاد، وهي القضية

ص: 258

التي نعالجها منذ عدة دروس وبيان حجية خبر الآحاد وأنه يعمل به في سائر أمور الشرع من عقائد وغيرها.

جعل عنوان الباب فيه عدة أمور: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق يقول: في الآذان، في الصلاة، في الصوم، في الفرائض، في الأحكام

يعني في كل أمور الشرع، ثم يذكر أدلة من القرآن الكريم على ذلك يقول: وقول الله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122).

الآية تطلب أن ينفر من المؤمنين من كل فرقة طائفة مهمتها أن تتفقه في الدين وأن تعلّم الأمة أمور دينها

ما وجه الاستدلال بهذا؟

يقول الإمام الشافعي: ويسمى الرجل طائفة: يعني: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الطائفة: تطلق على الواحد وعلى الاثنين وعلى الجماعة

ما دلالة إطلاقها على الواحد؟

كلام الإمام البخاري في عنوان الباب: قال: ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (الحجرات: 9) فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية، يعني: هو يستدل هنا على أن الطائفة ربما تكون واحدًا، ليس المفهوم المتبادر من ظاهر الكلمة أنها تعني الجماعة، وحين يقول الله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} هذه الطائفة تكون واحدًا أحيانًا أو اثنين، وهي أيضًا خبر الآحاد سيتفقهون في الدين وينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم، وعلى قومهم أن يسمعوا لهم وأن يطيعوا؛ رغم أنهم قد يكونون واحدًا أو ربما اثنين، والاثنين والثلاثة في إطار خبر الآحاد ولم يصبحوا بعد خبرًا متواترًا.

ويستدل أيضًا الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله تبارك وتعالى:

ص: 259

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6)؛ فهنا الحكم مأخوذ من مفهوم الآية، يعني: العلة في عدم قبول خبره أنه فاسق وليس واحدًا، هذا المنطوق

فما المفهوم؟ إن كان عدلًا؛ حتى وإن كان واحدًا فاقبلوا خبره؛ لأن العلة في رفض قبول خبر الأول ليس لأنه واحد؛ وإنما لأنه فاسق أي بسبب فسقه.

وأيضًا يقول الإمام البخاري: وكيف بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه واحدًا بعد واحد؛ فإن سها أحد منهم رُد إلى السنة

أيضًا إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الواحد بعد الواحد دليل على حجية خبر الآحاد.

ثم ذكر في الباب مجموعة من الأحاديث كلها تدور في هذا الفلك "إثبات حجية خبر الواحد" ذكر حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: ((أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون

-يعني شبان متقاربون في السن- فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيقًا؛ فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا؛ سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلّموهم ومروهم)) وذكر أشياء أحفظها ولا أحفظها

-يعني يحفظ بعضها ولا يحفظ بعضها- وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)).

إذن بعث كل واحدًا إلى الجهة التي جاء منها وعلمه ماذا عليه أن يفعل من إقامة الصلاة والآذان وأن يؤمهم أكبرهم إلى آخر ما قال صلى الله عليه وسلم والذاهب بذلك هو واحد فقط أيضًا، ذكر حديث بلال في الآذان "حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن بلالًا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) وجه الدلالة: أنا سنأكل ونشرب حتى نسمع كلام ابن أم مكتوم -رضي الله تعالى عنه- وهو واحد فقط، يخبرنا أن الفجر قد ظهر فعلينا أن نمسك عن الطعام والشراب. هذا حكم شرعي.

ص: 260

أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: ((صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسًا فقيل: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت خمسًا، فسجد سجدتين بعد ما سلم)).

وجه الدلالة: أن الذي أخبره واحد واستجاب لخبره، يعني: ماذا حدث في الصلاة؟ قالوا صليت خمسًا فسجد سجدتين للسهو، وهناك أحكام تفصيلية كثيرة متعلقة بحكم السهو

وما إلى ذلك ووقت الزيادة ووقت النقصان

إلخ.

أيضًا، ذكر فيه قصة ذي اليدين: وهو رجل من المسلمين صلى النبي صلى الله عليه وسلم وانصرف بعد ركعتين؛ فذو اليدين قال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ ولننظر إلى أدب الصحابة:

الاحتمال الأول: أن تكون الصلاة قد قصرت ويستبعد نسيان النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أصدق ذو اليدين؟)) فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين أخريين، ثم سلم ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول

إلخ الحديث.

وأيضًا، ذكر الإمام البخاري قصة القبلة وتحويلها التي أشرنا إليها في أكثر من رواية، وذكر قصة الخمر التي وردت في قصة أبي طلحة رضي الله عنه حين أمر أنس بن مالك رضي الله عنه أن يكسر الجرار بناء على خبر الواحد، وأيضًا حديث حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل نجران: ((لأبعثن إليكم رجلًا أمينًا حق أمين؛ فاستشرف لها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فبعث أبا عبيدة -رضي الله تعالى عنه)).

وذكر أيضًا حديث: ((لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة)) -رضي الله تعالى عنه-.

ذكر أيضًا قصة العسيف التي فيها: يعني: فيها أرسل النبي صلى الله عليه وسلم صحابيًّا جليلًا

ص: 261

وهو أنيس الأسلمي إلى امرأة الرجل، وقال:((اغدُ يا أنيس لامرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها)).

هذه كلها أدلة ذكرها الإمام البخاري رحمه الله تبارك وتعالى في صحيحه تتعلق بهذا الأمر، وهو حجية خبر الواحد.

وهكذا نرى من مجموع الأدلة التي سقناها من خلال الرسالة للإمام الشافعي، ومن خلال إجازة خبر الواحد الصدوق عند الإمام البخاري رحمه الله كل هذه أدلة على وجوب العمل بخبر الواحد في العقائد وفي الأحكام وفي سائر أمور الإسلام.

قبل أن ننتهي من هذا الموضوع تمامًا نشير إلى بعض شبههم التي يثيرونها من قديم -من المعتزلة مرورًا بكل المدارس التي تقف موقف المناوأة من السنة ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كُثر في هذه الأيام؛ لكن الله تبارك وتعالى لن يمكنهم من نيل غرضهم أبدًا ما دام في الأمة علماء متيقظون وأمة منتبهة ترد الكيد إلى أصحابه:

يستدلون بأدلة يتصورون أنها تثير زوابع في وجه الاستدلال بحجية خبر الواحد:

من ذلك مثلًا: قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: 36)، يقولون: إن اتباعنا لخبر الواحد هو اقتفاءٌ لما ليس لنا به علم.

وهذا كلام ضعيف جدًّا؛ بل بدون أدنى مبالغة: هذه الآية حجةٌ لمن يقولون بحجية خبر الواحد، هي عليهم وليست لهم: نحن لم نقف ما ليس لنا به علم كلا وحاشا؛ بل قامت الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة على حجية خبر

ص: 262

الواحد ووجوب العمل به

التي ذكرناها من القرآن: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} ثم كل هذه الأدلة التي ذكرها الإمام الشافعي وذكرها البخاري، وذكرها غيرهم من العلماء من أهل السنة والجماعة جيلًا بعد جيل، مستدلين بالقرآن والسنة على ثبوت وحجية خبر الواحد.

إذن، حين نتبع خبر الواحد؛ فنحن اقتفينا ما لنا به علم، ما لنا به حجة، ما قامت عليه الأدلة من القرآن والسنة؛ بل الذين يقفون في المعسكر الآخر ويجادلون في حجية خبر الواحد هم الذين فعلًا يقفون بما ليس لهم به علم، وليس لهم سند؛ بل هم -لا أريد أن أقول يعاندون- أرجو أن يكون ذلك نابعًا من عدم فهم؛ وحين تتضح لهم الصورة يستجيبون اسأل الله عز وجل ذلك، وألا يكون ذلك موقفًا مبدئيًّا عندهم فيه تعنت ورفض للسنة -والعياذ بالله تبارك وتعالى لأن هذا خطير على إيمانهم.

إذن، هذه الآية حجة لمن يقول بخبر الواحد، والأدلة العلمية القاطعة من القرآن والسنة قاطعة في هذا كما أشرنا إليها:

يقول الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى-: ولا نزاع في أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه؛ فإنه يفيد العلم؛ لأن الإجماع عليه قد صيّره من المعلوم صدقه، وكذا خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول، ومن هذا القسم أحاديث صحيحة للبخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى- فسقط اعتراضهم بهذه الآية أو بغيرها؛ لأنه ما دام الخبر صحيح؛ فهو يفيد العلم ويجب العمل به.

أيضًا، يحاولون أن يشوشوا بمقولة: أن خبر الآحاد يفيد الظن، وقد وردت أدلة كثيرة تنهانا عن اتباع الظن، وقد أشرنا إلى هذه المسألة.

ص: 263

هناك رأيان في المسألة، يقول رأي منهم: إن خبر الآحاد يوجب العلم القطعي؛ بمعنى: أننا نقطع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله أو أن نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنية؛ حتى لو قلنا بالظن فقد أثبتنا هناك أن الأمة يجب عليها العمل بما غلب على ظنها، وذكرنا الأدلة على هذا، وأننا يجب أن نصوم إذا أخبرنا مخبر وتيقنا صدقه وأمانته أنه قد رأى هلال رمضان مثلًا؛ ومن يصبح مفطرًا فهو آثم لأنه أفطر يومًا يجب صيامه، ويُعاقب بعقوبات المقررة شرعًا، وأيضًا إذا قال مخبر: إنه رأى هلال شوال، وقلنا: إن الدعاوى كلها تثبت بشاهدين وأقصى دعوى -وهي دعوى الزنا- تثبت بأربعة شهود، وأربعة شهود ما زالوا في إطار خبر الواحد؛ لأنهم لم يصلوا إلى أقل عدد للتواتر على ما اصطلح عليه علماء الأمة.

ويستدلون بالآيات التي تنهى عن اتباع الظن: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (النجم: 28) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث)) قلنا: إن الظن المذموم هنا هو الوهم الذي يوضع في مقابلة العلم، واستدللنا على أن القرآن اعتبر الظن كدرجة من درجات العلم وأقام به الحجة، واستدللنا بمطلع سورة المطففين:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} (المطففين:1 - 4) الظن: هو العمل بالقول الراجح أو هو ترجيح أحد الاحتمالين

إلى آخر التعريفات التي وردت عند الأصوليين.

إن المدرسة الحديثية في مجملها أو في مجموعها ترى أن خبر الآحاد الذي ثبتت صحته نقطع بصحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا عن نفسي هذا ما أدين الله تعالى به وأنا مطمئن القلب جدًّا، ومن خلال الأدلة العلمية القاطعة في هذا الأمر أنه متى ثبت صدق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنني أقطع بصحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، بل إني أقول: إن مبحث التواتر والآحاد في الأصل ليس مبحثًا حديثيًّا: هو جاء إلى المحدثين من

ص: 264

عند علماء الأصول، الذين يعتنون بمدى قوة الأدلة

عندهم التقسيمات المعروفة: هذا دليل قطعي الثبوت، وهذا دليل ظني الثبوت، وهذا دليل قطعي الدلالة، وهذا دليل ظني الدلالة

تقسيمات اقتضاها تخصصهم، لا نعتب عليهم فيها؛ هم أهل علم وفضل؛ لكن المحدثين معنيون بمسألة أخرى: وهي أنه الحديث: ما جاءنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، ومتى ثبت صدق المخبرين ووضعوا لذلك شروط الصحة التي نعلمها جميعًا؛ فهم يقطعون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، ومع افتراض أنه يفيد الظن ونسلم تسليمًا جدليًّا بهذا -حتى لا نطيل في النقاش- فإنه يجب على الأمة -وجوبًا- العمل بما غلب على ظنها -وهذا أمر مجمع عليه عند العلماء.

إذن، استدلالهم بـ:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ليست في بابها أبدًا؛ لأن الظن المذموم هو الذي يوضع في مقابلة العلم اليقيني، لا قسيمًا له، يعني: إما تتبع علم يقيني إما أنت تظن أي تَهِم، وليست لديك أدلة، أي: العلم أو الظن الذي يفتقد الأدلة؛ أما الظن بمعناه الاصطلاحي عند أهله المتخصصون: فهو العمل بالقول الراجح أو ترجيح أحد الاحتمالين، وهذا أيضًا يجب العمل به والقرآن قطعي الثبوت؛ لكن كثير من أدلته ظني الدلالة، يعني: ليس قطعي الدلالة، {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (النساء: 43) مثلًا؛ لماذا اختلف العلماء في المراد بالملامسة؟ لأن الدلالة هنا ظنية وليست قطعية، ولو كانت قطعية لما اختلف المسلمون حول مفهوم الملامسة المقصود في الآية.

إذن، استدلالهم بهذا يعني لا ينتهض أبدًا حجة لهم في هذا الأمر.

أيضًا، من الأدلة قصة أبي بكر في ميراث الجدة -وكنا قد أشرنا إليها- حين طلب شاهدًا مع المغيرة بن شعبة، وقصة عمر رضي الله عنه حين طلب شاهدًا مع أبي موسى

ص: 265

الأشعري في قصة الاستئذان حين استأذن عليه كل؛ هذه أمور حتى مع القول بأنه لا بد من اثنين لو افترضنا وسلمنا -ونحن لا نسلم بهذا؛ لأن عندنا عشرات المواقف الصحابة فيها قبلوا بخبر الواحد؛ جاءهم مخبر واحد؛ فعملوا به في الأحاديث وفي الأحكام وفي غيرها؛ فأيضًا إذا قلنا بأنهما اثنان؛ فالاثنان أيضًا خبرهما خبر واحد.

سيدنا عمر مثلًا قبل خبر عبد الرحمن بن عوف وحده، في أخذ الجزية من المجوس؛ لمّا قالوا: ماذا نصنع معهم؟ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سُنوا بهم سنة أهل الكتاب)) وهذا الحديث قد رواه البخاري رحمه الله في كتاب الجزية باب الجزية والموادعة.

مثلًا: كان هو وجار له -عمر رضي الله عنه يتناوبان جلوس مجلس علم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يفوتهم منه شيء وجاءه الأنصاري بخبر الواحد في ذلك اليوم وهو خبر واحد

عشرات الأدلة مع أبي بكر

مع عمر

كلهم قبلوا خبر الواحد ولم يتوقفوا أبدًا في قبوله؛ لا في العقائد ولا في الأحكام ولا في غيرها.

وبالله التوفيق. وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 266