الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفع شبه منكري حجية السنة
الكلام عن شبه الذين يعارضون في حجية السنة، وأقوالهم في هذا الأمر:
لا يمكن لأي مسلم أن يرفض السنة النبوية وأن يعتمد على القرآن وحده، لكن بعض الناس قد تخفى عليهم الأمور فيحتاجون إلى بيان وإلى توضيح، ومع ملاحظة أنهم أثاروا الشبه بعد أن كوّنوا هذا الرأي، لكن هناك مَن توقَّف في الاستدلال بالسنة وهو لا يعلم حجيتها، ليس عن موقف نابع من فكر أو فهم أو قراءة، أو ما شاكل ذلك؛ إنما هو فهم خاطئ بمجرد أن يصوَّب له يُردُّ إلى الصواب.
هناك شُبه بُنيت على آيات من القرآن الكريم، أخذوا منها شبهة الاكتفاء بالقرآن الكريم، وعدم الحاجة إلى السنة المطهرة، هناك آيات كثيرة في هذا الصدد، من ذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون} (الأنعام: 38)، وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
…
} (النحل: 89)، في سورة الأنعام أيضًا:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} (الأنعام: 114) وفي سورة الأنعام أيضًا: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} (الأنعام: 115)، وفي سورة المائدة:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3)، في سورة الأنعام:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19)، في سورة الأعراف:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين} (الأعراف: 170)، وقال عز وجل:
{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (العنكبوت: 51).
آيات مثل هذه يجمعونها مثل قوله تبارك وتعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَب إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: 30)، ومثل قوله سبحانه وتعالى:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون} (الأعراف: 185) يحاولون أن يجمعوا الآيات التي يبدو من ظاهرها أنها تدعو إلى الاعتماد على القرآن الكريم فقط، وبعد أن يجمعوا هذه الآيات يُحاولون أن يُثبتوا أنها تدل على الاعتماد على القرآن الكريم فقط، وكأنهم يريدون أن يقولوا: إن موقفنا هذا إنما هو مبنيٌّ على الاستمساك بالقرآن الكريم، الذي دعا إلى التمسك بالقرآن الكريم وحده.
بداية نرد ردًا إجماليًّا فنقول:
قل لمن يدَّعي في العلم فلسفةً
…
حفظتَ شيئًا وغابت عنك أشياءُ
ركَّزت على هذه الآيات، ونسيت آيات كثيرة، ما موقفك من قول الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: 59)؟ ما موقفك من قوله سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ؟ ما موقفك من قسم الله تبارك وتعالى حين يُقسم بذاته المعظّمة الشريفة أن إيمان المؤمنين لا يكون إلا إذا حكَّموا الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بينهم؟ بل إن الله تبارك وتعالى اشترط على المؤمنين ألا ينفذوا الحكم فقط، بل عليهم أن يرضوا به وأن يخضعوا ويستسلموا له خضوعًا كاملًا، واستسلامًا تامًّا، وآياتٌ كثيرة جدًّا تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به، وينهى عنه.
إذن، كأنك تؤمن ببعض الكتاب وتكفُر ببعض، تأخذ منه الآيات التي تناسب
هواك وتتفق مع فكرك، وتلتقي مع أهدافك، أو هكذا أنت تتصور، وتترك الآيات التي تُفنِّد شُبَهك، والقرآن الكريم يكمِل بعضه بعضًا، ويتمم بعضه بعضًا. وكل الذين يعرفون استمداد الأدلة من النصوص الشرعية يعرفون جيدًا أنه ليس من حقهم أن يأخذوا نصًّا، وأن يغيِّبوا عن عمدٍ، أو عن جهل نصًّا آخر له اتصال وثيق بنفس القضية، وبنفس المسألة؛ بل إن الحكم الشرعي في أي قضيةٍ من القضايا لا يُؤخذ إلا من خلال النصوص الكاملة المتعلقة به في القرآن الكريم والسنة المطهرة، بل بعد ذلك نرجع إلى أفهام العلماء من المفسرين، ومن شارحي الأحاديث النبوية، ومن موقف الصحابة من ذلك كله؛ ليستقيم فهمنا مع فهمهم، ولنعرف: كيف مضى سلف هذه الأمة في التعامل مع هذه الآيات؛ ليمضيَ عليها أيضًا خلفها على نفس المنهج وعلى نفس الطريق، الذي سار عليه السلف الصالح -رضوان الله عليهم-.
إذن، هذا ردٌّ إجمالي، كما أنك نظرت إلى هذه الآيات، فهناك آياتٌ دعتْ في جلاء ووضوح، وقطعٍ لا لَبْسَ فيه إلى ضرورة التمسك بالسنة المطهرة. حين تعمد إلى بعض الآيات فتذكرها وتعمَد إلى البعض الآخر فتهمله، أو تبتعد عنه؛ هذا في المناهج العلمية خللٌ شديد، وفهم سقيم، والرجوع إلى الحق أولى من ذلك كله.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.