الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سؤاله، قال:((يا أبا هريرة، لقد ظننت أن لا يسألني أحد أول منك عن هذا الحديث؛ لِمَا أعلم من حرصك على الحديث)) فهي شهادة نبوية صادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، لأبي هريرة بالحرص على الحديث، وهذا الحرص كان سببًا في اهتمامه ومحافظته على السنة وكثرة روايته لها، ثم أجابه بعد ذلك قال:((أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قبل نفسه)).
الخلاصة: أن القول بأن الأحاديث وضعت في القرن الأول والثاني الهجري نتيجة لتطور المسلمين هذه فرية ضعيفة، الواقع التاريخي للأمة الإسلامية يفندها تفنيدًا شديدًا يأتي عليها من أساسها.
شبهة: استغلال الأمراء الأمويين والعباسيين علماء المسلمين لوضع ما يثبت ملكهم
الأمراء الأمويون والعباسيون بدأً من معاوية رضي الله عنه استغلوا علماء المسلمين لوضع ما يثبت ملكهم.
معاوية صحابي جليل على رغم أنف مَن يحاول أن ينال من قدره، أحد علماء الأمة سُئل -ونحن نعلم أن عمر بن عبد العزيز أحد أئمة الهدى، وهو خامس الخلفاء الراشدين، كما هو مسجل له في الفقه الإسلامي- أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ يجيب إجابةً يستنكر فيها طرح السؤال بهذه الصيغة: معاوية صِهره، وكاتب وحيه، وأمين سرّه، وصاحبه. أيُّ ميزة من لهذه لعمر بن عبد العزيز؟ وهناك خلاف في إسلام معاوية هناك روايات تقول: أنه أسلم قبل الحديبية أو بعد الحديبية، وكان عند فتح مكة مسلمًا، وكان عند الحديبية مسلمًا، وَهَبْ أنه أسلم عام الفتح لا بأسَ. الله عز وجل امتدح كل الصحابة الذين
تقدَّم إسلامهم، أو تأخر إسلامهم يقول الله تبارك وتعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (الحديد: 10) نعم. هناك تفاوت في الفضل بين الصحابة، لكنهم جميعًا أفضل أجيال هذه الأمة، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:((خير القرون قرني)) إلى آخر الأحاديث الواردة في هذا.
معاوية صحابي جليل يَثبت له ما يثبت للصحابة من عدالة، ومن صدق، ومن أمانة، ومن عفَّة، ومن طهارة، ومن استقامة، ومن حِرص على القرآن والسنة، أيُّ افتراء عليه لا يجوز، أيُّ خطأ في حقّه مردود على أصحابه، هذا من كيد الشانئة المغرضين الرافضة.
معاوية صحابي جليل صاحبه صلى الله عليه وسلم كاتب وحيه، أمين سره الذي ائتمنه الصحابة على مشاركتهم في حكم بعض البلاد، ولاه عمر الشامَ، وظل عليها إلى أن تولى الخلافةَ في سنة 40 هجرية أو في سنة 41 هو عام جماعة الذي وحد الله فيه الأمة الإسلامة بعد أن كان قد ظهر الخلاف بينها بعض الشيء.
إذن الصحابة: معاوية، أبو هريرة، وغيرهم، ممن تكلموا في حقهم أجل وأعظم وأسمى من أن يكونوا جنودًا للأمراء في ذلك، ولا الأمراء أنفسهم طلبوا أحاديث، ولم نجد مواقفَ طلب فيها بعضُ الحكام من العلماء أن يضعوا أحاديث يساندون بها أي موقف لأي حاكم يريد أن يتخذه في قضية ما؛ سواء كانت قضية دينية، أو علمية، أو سياسية، أو ما شاكل ذلك.
بعض الأحاديث التي يحاولون أن يستدلوا بها على ذلك:
مثل الأحاديث التي تحث على طاعة الأمراء، الفقه السياسي الآن سبق به الصحابة، وهو العمل على استقرار الأمة، وسدِّ باب الخلاف، وسدِّ باب
النزاع، وعدم الجرأة على أولياء الأمر حتى لا تحدث فتن، ولذلك في الدول التي لا تدين بالإسلام تضع في دساتيرها ما يحفظ وحدة الأمة، حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم:((من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني)) ماذا في هذا الحديث من الممالئة للحكام المسلمين، حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم:((فاسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي)) الانقسام أو الحفاظ على وحدة الأمة هو الأولى، إن فكر أهل والجماعة في هذه القضية يتَّجه إلى المحافظة على استقرار الأمة، لا عند خوف، ولا عن جبن، وإنما هو ترتيب للأوليات، وإغلاق لباب الفتن الذي إذا فُتح -والعياذ بالله- لا يعلم مداها إلا الله تبارك وتعالى.
وفي نفس الوقت هناك حكام أحاديث تطلب النصيحة للأمة وللأمراء: ((الدين النصحية، قلن: لِمَن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكِتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)) هو غاية ما في الأمر مناقشة الأسلوب. إذن المسألة لم تكن خنوعًا؛ إنما كانت محافظة على روح الأمة، في ضوء الأدلة، وعندنا مثلًا مَن قام لمروان بن الحكم وهو يريد أن يخطب قبل الصلاة في العيد على خلاف ما كانت عليه السنة، ونبهه إلى أن هذا مخالف للسنة، وهذا الموقف هو الذي رُوي فيه الحديث الذي عند مسلم من رواية أبي سعيد الخدري:((مَن رأى منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
أقصد أن أقول: رَوَوْا هذه الأحاديث، ورووا هذه الأحاديث التي تطلب الطاعة لولي الأمر ما دام مستقيًا على كتاب الله تبارك وتعالى وعلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم بل إنه من المعروف أنه:((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) حتى هذا الأمر بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام نفسه وهو الذي لا يأمر إلا بالمعروف، وسجل له ذلك في
القرآن الكريم: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 157) محلّ الشاهد: َ {أْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} .
في الحديث المتفق على صحته من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه-: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وحوله عصابة من أصحابه: بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادَكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف)) انظروا إلى قيد: ((في معروف)) مَن الذي يبايع؟ النبي صلى الله عليه وسلم وهل النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بغير معروف -والعياذ بالله-؟ كلا، إنما هذا القيد لأمراء الأمة فيما بعد، لماذا لم يكتم العلماء هذا القيد؟ ولماذا لم يكتموا:((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))؟ ولماذا لم يكتموا: ((الدين النصيحة لله، ولرسوله، وللأئمة المسلمين ولعامتهم))؟ وعندنا كتب مؤلفة في السياسية الشرعية التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في ضوء الأدلة الشرعية المأخوذة من القرآن والسنة، ولها حديثها الخاص بها في كتب الفقه، وفي المواد التي تدرس فيها.
لكن أنا ألفت النظر أن هؤلاء انتبهوا إلى حديث يأمر بالطاعة، ويطلب الصبر على الأمراء، وحتى وإن كانوا على أثرة فيهم، وتقديمهم لأنفسهم على الرعية، لم يقل هذا أحد: إن هذا ليس ظلمًا، قالوا: إنه ظلم، لكن طلب الصبر عليه؛ ترتيبًا للأولويات والمسائل؛ حفاظًا على وحدة الأمة، وإغلاقًا لباب الفتنة، لم يكن استسلامًا ولا ضعفًا؛ إنما هو صبر يؤجَرون عليه، وفي نفس الوقت يداومون النصيحة لولاة الأمر -إن شاء الله- لعل الله عز وجل يأتي بالخير على أيديهم.
إذن هناك أحاديث هنا، وهناك أحاديث هنا، ولأنهم يريدون أن يخدموا غرضهم، اقتصروا على جانب من الأحاديث، وتصوروا أن الوضَّاعين وضعوا هذا الأمر:((وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي)) ((بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر على أثرة علينا)) وما داموا يقيمون الصلاة، وليس هناك خروج على الإمام إلا أن يكون هناك كفر بواح عندكم فيه من الله برهان، وهذا إغلاق لباب الفتنة، وحفاظ على وحدة الأمة، ولم يكن أبدًا استسلامًا، ولا ضعفًا، ولا مهانةً، ولا مذلةً، ولا انقسامًا.
إذن هذه فِرية أن يُقال: إنهم وضعوا أحاديثَ، وأن علماء المسلمين استجابوا لهم في ذلك؛ إنما هي أحاديث قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولها مناسبات، النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أمّر أميرًا، وهذا الأمير حاول أن يختبرهم، فأوقد نارًا، وطلب منهم أن يُلقوا بأنفسهم فيها فما استجابوا له؛ فاستحسن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. بعض الروايات تقول:"لو كانوا أطاعوه كانوا دخلوا النار".
إذن هو يعلمهم بشكل عملي أنه: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))، وهذا الحديث تناقله علماء الأمة لم يكتموه، لم يخفوه، لم يطمسوه، بالإضافة إلى الأحاديث الأخرى التي ذكرناها.
هذا الفقه الواضح الجلي يعلمه علماء الأمة، ويعلمون الفهم السديد لهذه الأحاديث، ومصادرنا مليئة: شروح البخاري، وشروح مسلم، وكتب السياسية الشرعية، وغيرها، تتكلم عن فهم هذه الأحاديث، وليس من بينها أبدًا أن هناك من وضع حديثًا؛ ممالأةً لحاكم؛ لكي يعينه على ظلمه، أو على بَغيه، أو أن يؤسس لملكه كل ذلك افتراء، لا الحكام -كما قلنا- طلبوا ذلك، ولا العلماء وضعوا ذلك، ولا الأدلة الشرعية التي بين أيدينا سارت في خط واحد؛ إنما سارت في الخطين المتكاملين اللذين يصلانا بالأمة إلى برِّ الأمان.
هذا بالله التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه.