الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في سورة المجادلة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} طاعة الله ورسوله فإن لم نفعل قد نتعرَّض لخطر شديد نبهنا إليه مرارًا، إذا لم نقدم بين يدي نجوانا صدقات على مناقشة لأحكام هذه الآية، فإن لم تفعلوا فطاعة الله ورسوله واجبة حتمًا عليكم، وعليكم أن تستجيبوا لهذا الأمر الإلهي.
أيضًا في سورة التغابن: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (التغابن: 12) أمر بطاعة الله تبارك وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، لما نتعرض لحجية السنة من القرآن الكريم لا يكاد البعض يتصوَّر إلا آية الحشر:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) ولذلك قلنا في أول حديثنا عن حجية السنة من خلال آيات الذكر الحكيم: أنها قضية قرآنية.
هذه دلالات كثيرة في الآيات تبين خطورة المسألة وأنها فعلًا قضية قرآنية.
تحذير القرآن الكريم من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم
-
والآن سنعود لنبدأ مع القرآن من جديد لنقف أيضًا مع آيات أخرى في طريقة عرضها لهذه القضية، وهي الآيات التي حذَّرت من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، في سورة آل عمران:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: 31، 32) إن وصلت معاندة السنة إلى حد التولي والإعراض، والإنكار والجحود؛ فإن ذلك ينتقل بصاحبها من معسكر الإيمان إلى معسكر الكفر والعياذ بالله تبارك وتعالى، والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} .
أيضًا، في سورة النساء حين تحدثت الآيات الكريمة عن قضية المواريث:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النساء: 11) ختم الله الآيات بعد ذلك {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} ؛ إشارة إلى كل ما ذكره من تفصيلات في الميراث، وإياك أن تُعرض عن حدود الله، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 13، 14) إشارة إلى الحدود، تشريعات من الله عز وجل، لا يجوز لنا أن نتجاوزها، وتشريعات من النبي صلى الله عليه وسلم في المواريث وفي غيرها، هذا ما حدَّه الله تعالى، وهذا ما حدَّه رسوله صلى الله عليه وسلم، ما بيَّنه للأمة، على الأمة أن تقول: سمعنا وأطعنا، ولذلك مُدح المؤمنون بأنهم وقَّافون عند حدود الله، محافظون عليها، مستجيبون لها، مستمسكون بها، لا يحيدون عنها قيد أنملة، في سورة التوبة:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة: 112){وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} أي: الذين يستجيبون لحكم الله تبارك وتعالى، وحكم نبيه صلى الله عليه وسلم، فيأتمرون بما أمر به وينتهون عما نهى عنه.
وفي سورة النساء أيضًا: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115) كيف تكون مشاققة الرسول ومعاندته ومحاددته؟ بالإعراض عن سنته، بعدم الاستجابة لأمره، ولن يشفع لأي متقوّل -حتى لو قال: آمنت بالله وبرسوله- ما لم يعضد قوله بالتنفيذ والاستجابة لحكم الله تبارك وتعالى وحكم النبي صلى الله عليه وسلم.
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} وحتى الآية نصَّت على الرسول فقط هنا؛ للدلالة على أهمية المسألة، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} .
وفي سورة الأنفال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 13) سُلَّط على المعاندين العذاب، لماذا؟ لأنهم شاقوا الله ورسوله، {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، وآية النساء التي ذكرناها:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} شدَّة العقاب التي أشار الله إليها في سورة الأنفال وردت في آيات كثيرة، ومنها سورة النساء التي ذكرناها، {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} .
أيضًا في سورة التوبة من الآيات التي حذَّرت من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّنت مغبَّة ذلك قول الله تبارك وتعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 63) ذلك الخزي العظيم المتركز في محاددة الله تبارك وتعالى ومحاددة رسوله صلى الله عليه وسلم {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} شديد عقابه، خزي عظيم في الدنيا والآخرة يتسلط عليه؛ لمعاندته ومشاققته ومحاددته لمنهج الله تبارك وتعالى، ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم.
في سورة النور: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: 63) يصيبهم بلاء، فتنة، ضلال، أو عذاب أليم، حين تُخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتصدر عن هدي غير هديه، وتطبّق منهجًا غير منهجه؛
فأنت قد عرّضت نفسك لغضب الله، ولذلك العقاب الشديد الذي أشارت إليه الآيات {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} (محمد: 32) الضرر واقع عليهم، البلاء محيط بهم، إحباط أعمالهم، تضييع ثمرة جهدهم:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} .
في سورة المجادلة آيتان: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (المجادلة: 5) كبت، مهانة، ذلّ، خسار، حسرة، ندم {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} .
أيضًا في سورة المجادلة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّين} (المجادلة: 20) الذين يُحادون الله ورسوله، هؤلاء ضُربت عليهم الذلة والمسكنة والمهانة، والخزي والعار والندامة، أتوا به لأنفسهم وجلبوا كل ذلك لهم؛ بمعاندتهم ومحاددتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحاددتهم لله تبارك وتعالى، وأيُّ محاددة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي محاددة لله تبارك وتعالى؛ لأن الله عز وجل هو الذي أوجب طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك خُتمت السورة ببيان أن العزة والفلاح للفئة المؤمنة المطيعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، المقدّمة لولائها لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم على أي ولاء آخر.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّين * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} (المجادلة: 20، 21) قضى الله تعالى قضاء محكمًا مبرمًا لا بد أن يقع حتمًا بأنه هو الغالب ورسله -عليهم الصلاة والسلام-، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، لا توجد مواددة
أبدًا بين مؤمن وبين من حادّ وعاند، وشاقق وخالف وعاند منهج الله تبارك وتعالى ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة: 22).
بعد الاستعراض لهذه الآيات، هل يجادل أحد في أن حجية السنة قضية إيمانية، وقضية عقدية، وقضية قرآنية؟ وهل إذا تعرضنا لهذه المسألة لا نكاد نذكر إلا آية الحشر:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولَ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} رغم أهميتها، ونترك هذا العدد الهائل من الآيات التي جاءت على امتداد القرآن كله من السور الطويلة، والسور القصيرة إلى آخره؟!
وصلِّ الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.