الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن لم يذكر الوجه في ذلك لجلائه عنده.
والعجب أنّ الأصوليين استدلوا بهذه الآية على جواز التقليد من غير بيان لوجه الدّلالة، ولا ذكر لهذا [الإشكال](1) مع جلائه!!.
فإنّ قيل: إنّها وإن نزلت على هذا السّبب لم تقصر عليه عند الجمهور، فلذا لم يتعرّض الأصوليين لذلك.
قلنا: ليس هذا من ذاك، فإن ذلك إنّما يقال فيما لفظه عامّ وسببه خاصّ، وهذه الآية لفظها غير ظاهر لما فيه من الحذف، ومعناها خاصّ غير عام، فظهر الفرق.
وأمّا الاستدلال بالإجماع على جواز التّقليد؛ فلا يصح أيضاً مع فرض عدم المعرفة بالكتاب والسّنّة، لأنّ الأدلّة على كون الإجماع حجة إنّما هي ظواهر تحتاج في معرفة معناها إلى ثبوت اللّغة والعربيّة، وبعد ذلك لابدّ من معرفة عدم النّاسخ والمعارض والمخصّص، والمعترض على أهل الحديث قد منع من معرفة اللّغة، وجزم بتعذّر معرفتها، ومعاني الكتاب والسّنة المستنبط منها جواز التّقليد، وكون الإجماع حجة مما يفتقر إلى ثبوت اللّغة والعربيّة، فإذا بطل معرفة تفسير القرآن، وبطلت طريق معرفة الأخبار، / بطل أيضاً ما هو فرع ذلك وهو جواز التّقليد، فيلزم الخصم أن يبطل التكليف تقليداً واجتهاداً على مقتضى [إشكاله](2).
الوجه الثّاني عشر:
أنّه لو صحّ ما توهّمه من
(1) في (أ): ((الإمكان))! والمثبت من (ي) و (س).
(2)
في (أ): ((إمكانه))! وكتب فوقها: ((كلامه))! والتصويب من (ي) و (س).
بطلان (1) معرفة الكتاب والسّنة، وتعذّر الطّريق إلى ذلك؛ لزم أنّ الله تعالى قد قبض العلم بقبض العلماء، وأنّه لم يبق عالماً، وأنّ النّاس قد اتّخذوا رءوساً جهّالاً، فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا، كما ورد ذلك في حديث ابن عمرو الثّابت في ((الصحيحين)) (2) وغيرهما، وإنّما يلزم ذلك من كلام هذا المعترض على طلبة علم الحديث؛ لأنّ من ليس بعالم بالكتاب والسنّة لا يستحق أن يسمّى في الشّرع عالماً، وإن عرف جميع العلوم ماعدا الكتاب والسّنة، وهذا ظاهر لا نعلم فيه نزاعاً فنطوّل بذكر الحجّة عليه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق حتّى يقاتل آخرهم الدّجال (3) ، وأجمع أهل العلم على ذلك وإن اختلفوا في معناه، فثبت أنّ ما جاء في حديث ابن عمرو لم يأت وقته إلى الآن، وإلا لزم مع وجود هذه الطائفة الظّاهرين على الحقّ: أنّ الله تعالى لم يبق عالماً، وأنّ أهل الفتوى قد ضلّوا في أنفسهم، وأضلّوا العامّة السّائلين لهم، وذلك يستلزم ضلال المسلمين كلّهم، وألا تبقى فيهم طائفة ظاهرة على الحقّ.
وفي هذا القدر كفاية في الجواب على تنفيره عن طلب الحديث والتّفسير، وتوعيره لطريق ذلك، والتّشكيك في دخوله في حيّز الإمكان، والتّشويش على من أراده من أهل الإيمان.
(1) في (س): ((إبطال)).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.