المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الزّنادقة ليتوصّل (1) إلى ذلك وأمثاله من مكايد الدّين. فإن قلت: - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - - جـ ١

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌النص المحقق

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السّابع:

- ‌الوجه الثامن:

- ‌الوجه التاسع:

- ‌الوجه العاشر:

- ‌الوجه الحادي عشر:

- ‌الوجه الثّاني عشر:

- ‌ تنبيهات

- ‌التّنبيه الثاني:

- ‌التنبيه الثالث:

- ‌المبحث الأول:

- ‌المبحث الثاني:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌الفصل الأوّل:

- ‌الفصل الثّاني:

- ‌الحجّة الأولى:

- ‌الحجة الثانية:

- ‌الحجة الثّالثة:

- ‌البحث الثاني:

- ‌البحث الثالث:

- ‌البحث الرّابع:

- ‌البحث الخامس:

- ‌البحث السّادس:

- ‌البحث السّابع:

- ‌البحث الثّامن:

- ‌البحث التّاسع:

- ‌البحث العاشر:

- ‌البحث الحادي عشر:

- ‌النّوع الأوّل:

- ‌النّوع الثّاني:

- ‌الوجه الثّاني:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثّانية:

- ‌المسألة [الثّالثة]

- ‌ الأولى: في وجوب التّرجيح أو جوازه في حقّ المميّز من طلبة العلم

- ‌النّظر الأوّل:

- ‌النّظر الثّاني:

- ‌النظر الثالث:

- ‌النّظر الرّابع:

- ‌النّظر الخامس:

- ‌ الأوّل:

- ‌ الثّاني:

- ‌الوهم الثّاني:

- ‌ الموضع الأوّل:

- ‌الموضع الثاني:

- ‌الموضع الثالث:

- ‌الموضع الرّابع:

- ‌المحمل الأول:

- ‌المحمل الثّاني:

- ‌المحمل الثّالث:

- ‌المحمل الرّابع:

الفصل: الزّنادقة ليتوصّل (1) إلى ذلك وأمثاله من مكايد الدّين. فإن قلت:

الزّنادقة ليتوصّل (1) إلى ذلك وأمثاله من مكايد الدّين.

فإن قلت: إنّما تخصّص عموم كلامهم في هذه الصّورة؛ لأنّها تؤدّي إلى تقديم المظنون على المعلوم لو لم يتأوّل كلامهم، بل خبر الثّقة حين صادم المعلوم لا يسمّى مظنوناً بل كذباً.

قلنا: وكذلك الصّور التي ذكرناها يجوز تخصيصها؛ لأنّها من قبيل تقديم الموهوم المرجوح على المظنون الرّاجح، وقد علم من قواعدهم أنّ ذلك لا يجوز فقواعدهم هي المخصّصة لعموم كلامهم، على أنّ مخالفتهم بالدّليل جائزة غير ممنوعة، وقد اتّضح الدّليل على ما أخبرته (2) ، وبان بالإجماع بطلان قطع المعترض على أنّ الجرح مقدّم مطلقاً ولله الحمد.

‌المسألة [الثّالثة]

(3): قال: الثّاني أنّه إذا تعارض رواية العدل الذي ليس على بدعة ورواية المبتدع، قدّمت رواية العدل الذي ليس على بدعة، وهذا مجمع عليه.

والجواب عليه من وجوه:

أحدها: منع الإجماع الذي ادّعاه بشهرة الخلاف، فقد أجمع أئمة الحديث على تقديم الحديث الصّحيح على الحديث (4) الحسن مع إخراجهم لأحاديث كثير من أهل البدع في الصّحيح، بل في أرفع

(1) في (س): ((ليتوسل))!.

(2)

في (س): ((أخبر به))! وهو خطأ.

(3)

في (أ) و (ي): ((الثانية))! وهو خطأ.

(4)

((على الحديث)) سقطت من (س)!.

ص: 191

مراتب الصّحيح وهو المتفق عليه المتلقّى بالقبول من حديث الصّحيحين، فحديث أولئك المبتدعة الذين اتفق الشّيخان على تصحيح حديثهم مقدّم عند التّعارض على حديث كثير من أهل العقيدة الصّالحة الذين نزلوا عن مرتبة أولئك المبتدعة في الحفظ والإتقان.

وقد نصّ الإمام المنصور بالله -من أئمة الزّيديّة- في الاحتجاج على قبول الخوارج الموارق من الإسلام: أنّ قبول من يرى أنّ الكذب كفر أولى من قبول من لا يرى ذلك، وهذا نصّ على ما ذكرناه، وذكر مثل ذلك أحمد (1) بن الحسن الرّصّاص في ((جوهرة الأصول)) ، والحاكم في ((شرح العيون)) ، ولم ينكر ذلك أحد من أهل التّعاليق على ((الجوهرة)) ، بل ادّعى المنصور الإجماع من الصّحابة على خلاف ما ذكره المعترض فقال:((إنّ اعتماد أحدهم على ما يرويه عمّن خالفه كاعتماده على ما يرويه عمّن يوافقه)) ، وكذلك أبو طالب حكى في ((المجزي)): أنّ الفقهاء ادّعوا العلم بإجماع الصّحابة على التّسوية /بين الكلّ من أهل التّنزّه عمّا يوجب الجرح من أفعال الجوارح في قبول شهادته وحديثه، مع العلم باختلافهم في المذاهب. فهذه ألفاظ تدلّ على دعوى الإجماع على نقيض ما ذكره المعترض، وهي ثابتة من طريق أوثق أئمة الزّيديّة، وسوف تأتي هذه المسألة عند ذكر قبول أهل التّأويل، وأذكر فيها الكلام مستوفى (2) هنالك إن شاء الله تعالى، فقد ادّعاها في ذلك الموضع (3) وهو بها أخصّ.

(1) في (س): ((عن أحمد))!.

(2)

في (أ): ((مستوفّى من طريقه هنالك))!.

(3)

(ص/481).

ص: 192

الوجه الثّاني: أنّا قد بيّنّا أنّ الزّيديّة أحوج النّاس إلى قبول المبتدعة، وأنّ مدار حديثهم على ما يخالفهم، وأنّ كثيراً من أئمتهم نصّوا على قبول كفّار التّأويل وادّعوا الإجماع على ذلك، وأن بقيّة الزّيديّة يقبلون مراسيل أولئك الأئمة؛ كالمنصور، والمؤيّد، والإمام يحيى بن حمزة، والقاضي زيد، وعبد الله بن زيد وغيرهم.

الوجه الثّالث: أنّ أهل الحديث لو سلّموا لك هذه المقدّمة -وهي أنّ حديث غير المبتدع مقدّم على حديث المبتدع- لم تكن منتجة لمقصودك حتّى يضم إليها مقدّمة أخرى، وهي: أنّ أهل الحديث هم المبتدعة، ولا شكّ أنّ هذه المقدّمة التي تركتها غير ضروريّة، وقد أجمع أهل البرهان على أنّ إحدى المقدّمتين لا تحذف إلا لجلائها وعدم التّنازع فيها، فكيف تركت محلّ النّزاع مع دعواك أنّك أوحد أهل الزّمان في علم البرهان، وليس كونك من أهل الحقّ يصلح عذراً لك من إظهار البراهين قال الله تعالى:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُم صَادِقِينَ} [البقرة:111].

قال: لأنّ رواية غيرهم لا تخلو من ضعف، وإنّما تقبل عند عدم المعارض -يعني رواية غير أئمة الزّيديّة-.

أقول: هذا قصر للعدالة على أئمة الزّيديّة الذين ادّعوا الخلافة (1) ، وهذا غلوّ لم يسبق إليه، بل هذيان لا يعوّل عليه، ولو كان

(1) في هامش (أ) و (ي) كتب:

((الذي يظهر أنّه ما عنى بالأئمة الخلفاء، بل علماء الزّيديّة، كما يقول القائل: أئمة الحديث، وأئمة الأصول. تمت شيخنا حفظه الله)) اهـ.

ص: 193

ما ذكره صحيحاً لوجب في الشّهود أن يكونوا أئمّة، وهذا يؤدّي إلى وجوب أربعة أئمة في شهادة الزّنا، وإمامين في الشّهادة على الأموال، وهذا خرق للإجماع، بل خلع لجلباب الحياء من الله تعالى.

قال: ((لأنّها رواية عمّن لا تعلم عدالته ونزاهته من فسق التّأويل)).

أقول: هذه دعوى للجهل بعدالة الرّواة (1) ، فإمّا أن يدّعي الجهل لنفسه أو يدّعيه على العلماء، إن كان الأوّل فمسلّم، ولا يضرّ تسليمه لأنّ الإقرار بما يدخل النّقص على المقرّ دون غيره صحيح وفاقاً؟ وإن كان الثّاني فغير مسلّم لأنّ الدّعوى على الغير تحتاج إلى بينة صحيحة أو إقرار من المدّعي عليه، وكلّ ذلك غير حاصل في هذه الدّعوى، أمّا الرّواية عن أهل التّأويل فقد [أجازها](2) أكثر العلماء وادّعوا الإجماع من الصّحابة وغيرهم على ذلك، واحتجّوا بحجج كثيرة يأتي بعضها في موضعه إن شاء الله تعالى، ومن لم يقبلها من أهل العلم لم يتمسّك بحديث حتّى يعرف براءة رواته من ذلك، ولا اعتراض على من قبلهم، ولا على من لا يقبلهم.

والعجب /من المعترض يقدح على المحدّثين بعدم علمهم بنزاهة رواتهم عن فسق التّأويل، وقد بيّنّا نصوص أئمة الزّيديّة على قبول كفّار التّأويل، بل (3) على أنّ قبولهم مجمع عليه، وبيّنّا أنّ من لم

(1) في (س): ((الرواية))!.

(2)

في (أ) و (س): ((أجازه)) ، والمثبت من (ي).

(3)

((بل)) سقطت من (س)!.

ص: 194

يقبلهم من الزّيديّة قبل مرسل من قبلهم، فإنّه لا يعلم أنّ في الزّيديّة من لا يقبل حديث: المنصور، والمؤيّد، والقاضي زيد، وعبد الله بن زيد، ويحيى بن حمزة، ونحوهم ممّن صرّح بقبول أهل التّأويل، وادّعى الإجماع على جوازه كما سيأتي مفصّلاً محقّقاً -إن شاء الله تعالى-.

قال: ((هذا إذا كان النّاظر في الحديث مجتهداً، أمّا إذا كان غير بالغ رتبة الاجتهاد فليس له أن يرجّح بهذا الحديث قولاً ويجعله مختاره وإن كان الحديث نصّاً في ظاهر الحال، لأنّ التّرجيح بالخبر إنّما هو بعد كونه صحيحاً عن الرّسول، ولا يكون صحيحاً حتّى يكون راويه عدلاً، والعدالة غير حاصلة كما سنذكره)).

أقول: نفي العدالة عن رواة حديث الكتب الصّحيحة جهل مفرط لم يقل به أحد من الزّيديّة ولا من السّنّيّة، فقد بيّنّا إجماع أهل السّنّة على وجوب القبول لها، وإنّما يتعلّل هذا المعترض لمخالفتهم لمذهبه، وقد بيّنّا نصوص أئمة الزّيديّة على قبول مخالفيهم في الاعتقاد، ونقل مصنّفيهم في الحديث من كتب أئمة الحديث، ومجرّد المباهتة بإنكار الجليّات، وجحد المعلومات لا يطفىء نور الحق، ولا ينوّر دخان الباطل، بل يتميّز به المنصف من المتعسّف، والعارف من الجاهل.

وبمثل هذه الدّعاوى المعلومة الفساد، يفضح الله المستترين من أهل العناد، الذين يظهرون للعباد أنّهم دعاة (1) إلى السّداد، وأدلّة على

(1) في (س): ((دعاة لهم))!.

ص: 195

الرّشاد، والقول بانتفاء عدالة رواة السّنن النّبويّة، والآثار المصطفوية واللّغة العربيّة، مما لا يقول به مسلم، وقد بيّنّا -فيما تقدّم- أن مثل هذا لا يصلح إيراده ونصرته إلا من أعداء الإسلام -خذلهم الله تعالى-، وأنّ صاحب هذه الرّسالة حام على بطلان التّكليف فأبطل الطّريق إلى الثّقة بالحديث واللّغة والنّحو والتّفسير، وببطلان هذه العلوم أو بعضها يبطل الاجتهاد والتّقليد.

أمّا الاجتهاد: فظاهر، وأمّا التّقليد فلما شرحناه أوّلاً، ودلّلنا عليه كون جواز التّقليد مأخوذاً من هذه العلوم ومبنيّاً على هذه القواعد.

قال: ((ولأنّه لا يرجّح بالخبر حتّى يعلم أنّه غير منسوخ، ولا مخصّص، ولا معارض بما هو أقوى منه من إجماع أو غيره)).

أقول: هذا الذي ذكره لا يجب على المجتهد عند جماهير علماء الإسلام، كما ذلك مقرّر في علم الأصول، وأنّه لا سبيل إلى العلم بعدم المعارض والنّاسخ والمخصّص، وإنّما اختلف العلماء في وجوب الظّنّ لعدم هذه الأمور في حقّ المجتهد فقط، ولا أعلم أنّ أحداً شرط ذلك في ترجيح المقلّد، [وإنّما اختلف العلماء في وجوب التّرجيح على المقلّد](1) بما يفيد الظّنّ، ولم يختلفوا في جواز ذلك وحسنه، وإنّما اختلفوا في وجوبه مع اتّفاقهم على (2) أنّه زيادة في التّحرّي.

(1) ما بينهما ساقط من (أ) ، وهو انتقال نظر.

(2)

سقطت من (س).

ص: 196

فلا يخلو المعترض؛ إمّا أن يقرّ أنّ التّرجيح بخبر الثّقة يفيد الظّنّ أو لا، إن قال: إنّه لا يفيد الظّنّ؛ فذلك ممنوع؛ لأنّ الظّنّ يحصل بخبر الثّقة من غير توقّف على العلم بعدم المعارض والنّاسخ والمخصّص، و [وجوب](1) الظّنّ /عند خبر الثّقة ضروري، ولو كان ظنّ صحّة الحديث النّبويّ يتوقّف على ذلك لتوقّف الظّنّ على ذلك في سائر أخبار الثّقات، وكان يجب إذا أخبرنا ثقة بوقوع المطر، أو نفع دواء، أو غير ذلك أن لا نظنّ صحّته حتّى يطلب المعارض والمخصّص، بل يلزم إذا أفتى المفتي أن لا تقبل فتواه حتّى يطلب معارضها من غيره فلا يوجد، وكذلك يلزم ألا يعتدّ بأذان المؤذن حتّى يطلب المعارض، وكذلك إذا شهد الشّاهدان.

وإمّا أن يسلّم أنّ الظّنّ يحصل بخبر الثّقة قبل طلب المعارض ونحوه؛ فالدّليل على وجوب الترجيح به من وجوه:

الوجه الأوّل: أنّ مخالفته قبل طلب المعارض وغيره مع ظنّ صحّته تقتضي الإقدام على ما يظنّ أنّه حرام وأنّ مضرّة العقاب واقعة عليه، وتجنّب الحرام المظنون واجب سمعاً، وتجنّب المضرّة المظنونة واجب عقلاً.

الوجه الثّاني: أنّ الدّليل على وجوب العمل بخبر الواحد قائم قبل طلب هذه الأمور، وقبل ظنّ عدمها كما هو قائم بعد ذلك.

الوجه الثّالث: أنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه لما سئل عن

(1) في (أ): ((ووجود)) ، والمثبت من (ي) و (س).

ص: 197

سهم الجدّة (1)؛ فأخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة، لم يطلب المعارض والنّاسخ ونحو ذلك. وكذلك عمر بن الخطّاب لما أخبره عبد الرّحمن بقوله صلى الله عليه وسلم في المجوس:((سُنّوا بهم سنّة أهل الكتاب)) (2) عمل به ولم يطلب المعارض والنّاسخ ونحوه، وشاع ذلك وذاع ولم ينكر فكان إجماعاً من الصّحابة

رضي الله عنهم.

الوجه الرّابع: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ في حديثه

(1) أخرجه مالك: (2/ 513)، وأبو داود:(3/ 316)، والترمذي:(3/ 366)، وابن ماجه:(2/ 909)، وابن حبان ((الإحسان)):(13/ 390) ، وغيرهم.

من طريق الزهري عن عثمان بن إسحاق بن خرشه عن قبيصة بن ذؤيب أنّه قال: وساق القصّة

ورجاله ثقات إلا أنّ قبيصة بن ذؤيب لم يسمع من أبي بكر، ولا يمكن أن يشهد القصّة، لأنّه ولد عام الفتح.

انظر: ((جامع التحصيل)): (ص/254).

وانظر للكلام على الحديث: ((التمهيد)): (11/ 90 - 91)، و ((التخليص)):(3/ 95)، و ((الإرواء)):(6/ 124).

(2)

أخرجه مالك: (1/ 278)، والبيهقي في ((الكبرى)):(9/ 189) ، من طريق جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، أنّ عمر بن الخطّاب ذكر المجوس .... الحديث.

قال ابن كثير في ((الإرشاد: (2/ 336): ((هذا منقطع، وقد روي مرسلاً من وجه آخر)) اهـ.

وللحديث شواهد صحيحه عند البخاري وغيره إلا أنه لا يصح بهذا اللفظ. وانظر: ((الإرواء)): (5/ 88).

ص: 198

المشهور (1): ((بم تحكم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم)) الحديث. وفيه ما يدلّ على تقرير معاذ على ما ذكره، ولم يذكر فيه طلب المعارض والنّاسخ بعد وجود الحكم في الكتاب أو السّنّة، وكان طلب ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالوجوب؛ لأنّه يطلب من النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك طلب مفيد لليقين.

وحديث معاذ هذا وإن كان في إسناده مقال عند بعض أهل الحديث، فقد قوّاه غير واحد، منهم: القاضي أبو بكر بن العربيّ المالكيّ (2) والحافظ ابن كثير الشّافعيّ (3)، وذكر أنّه جمع جزءاً (4) في شواهده وطرقه وقال: ((هو حديث حسن مشهور اعتمد عليه أئمة

(1) أخرجه أحمد: (5/ 230)، وأبو داود:(4/ 18)، والترمذي:(3/ 616) ، وغيرهم من طرق عن شعبة، عن أبي عون الثّقفي، عن الحارث بن عمرو، عن رجال من أصحاب معاذ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وذكر الحديث.

قال الترمذي: ((هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتّصل .. )) اهـ.

والكلام في هذا الحديث طويل الذيل، إلا أنّ أكثر أئمة الحديث على تضعيفه، وصححه آخرون، وجملة القول: أنّ هذا الحديث لا يصح على رسم أهل الحديث.

انظر: ((السلسلة الضعيفة)): (2/ 273 - 286)، و)) العواصم والقواصم)):(1/ 282 - 283).

(2)

((عارضة الأحوذي)): (6/ 72 - 73).

(3)

في ((إرشاد الفقيه)): (2/ 396).

(4)

أشار ابن كثير في ((الإرشاد)): (2/ 396) إلى أنّه قد أفرد الكلام فيه في جزء.

ص: 199

الإسلام في إثبات أصل القياس)) ، وكذلك علماء المعتزلة والزّيديّة احتجّوا به، بل قال الأمير الحسين في ((شفاء الأوام)): إنّه حديث معلوم.

فإن قلت: فهذه الوجوه تقتضي أنّ البحث عن المعارض والنّاسخ والخاصّ غير واجب في حقّ المجتهد.

قلت: هو كذلك، وهو اختيار الفخر الرّازي وحكاه في ((المحصول)) عن غيره، وفي المسألة خلاف مشهور، فإن دلّ دليل على دفع هذه الوجوه، ووجوب البحث على المجتهد، وجب تقرير ذلك حيث دلّ دليل في حقّ المجتهد دون المقلّد، وإن لم يدلّ دليل، فالحقّ أحقّ أن يتّبع، والدّاعي إليه أجدر أن يسمع.

قال: ((ولأنّ /التّرجيح بالأخبار اجتهاد، لأنّه يفتقر إلى أصعب علوم الاجتهاد وهو معرفة النّاسخ من المنسوخ، وغير ذلك، والغرض أنّ هذا النّاظرمقلّد)).

أقول: هذا الاحتجاج ضعيف بمرّة، لأنّه لا رابطة عقليّة بين الاجتهاد وأصعب علومه، إذ ليس بعض شرائط الشّيء إذا تصعّب كان هو ذلك الشّيء المشروط، ألا ترى أنّه لا يقال: إن (1) الطهور في الماء البارد في البلاد الباردة هو الصّلاة لأنّه أصعب شروطها إلا على وجه مجازيّ لا يعتدّ بمثله في مواضع التّحليل والتّحريم، فكذلك معرفة النّاسخ والمنسوخ لا يقال فيها إنّها اجتهاد؛ لأنّه أصعب علوم الاجتهاد.

(1) مضروب عليها في (ي).

ص: 200

على أنّ تمثيله لأصعب علوم الاجتهاد بمعرفة النّاسخ والمنسوخ جهل مفرط؛ لأنّ معرفة ذلك يسيرة، فإنّ النّسخ قليل في الشّريعة بالنّظر إلى التّخصيص، وما يدخله ضرب من التّعارض، وقد جمع كثير من العلماء المنسوخ في مختصرات يسيرة (1).

وجملة ما أجمع العلماء على نسخه: استقبال بيت المقدس، والكلام في الصّلاة، وحكم المسبوق، وترك الصّلاة في الخوف، وصلاة الجمعة قبل الخطبة، والصّلاة على المنافقين، وتحريم زيارة القبور على الرّجال، وجواز الاستغفار للكفّار بعد موتهم على الكفر، ووجوب صوم عاشوراء، والسّحور بين طلوع الفجر وشروق الشّمس على خلاف شاذّ في تفسير الفجر، وجواز لحوم الحمر الأهليّة، ورجعة المطلّقة أبداً، واعتداد المتوفّى عنها حولاً، وجواز شرب الخمر، وتحريم الأكل والنّكاح ليلاً في رمضان، والتّخيير فيه (2) بين الصّوم والكفّارة، وتحريم الجهاد بالسّيف للكفّار، وتحريم قتال آمّي (3) البيت الحرام منهم، ووجوب قيام اللّيل على غير النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، واعتبار العشر الرّضعات في تحريم الرّضاع، وتحريم كتابة غير القرآن، ووجوب الوصيّة للأقربين، والتّوارث بغير القرابة، وحبس الزّانِيَيْن حتّى يموتا، ووجوب قتال المسلم لعشرة.

(1) مثل كتاب أبي عبيد، وابن شاهين، والحازمي، وابن الجوزي، والجعبري، وكلها مطبوعة.

(2)

أي: في رمضان.

(3)

أي: قاصدي.

ص: 201

وأجمع المسلمون على أنّ الرّباعيّة من الصّلوات لا تصلّى ركعتين وإن كانت [كذلك](1) في الأصل، لكنّهم اختلفوا في الزّيادة في العبادة هل هي نسخ؟ على قولين، وأجمعوا على وجوب الحجاب للنّساء، فإن كان جواز تركه من قبل على أصل الإباحة؛ فليس من المنسوخ في شيء، وإن كان ترخيصاً شرعيّاً ناسخاً لشرع متقدّم فهو منسوخ، والأوّل أقرب، وفيما ذكرناه ما لم يجمع على ثبوته أوّلاً مثل اعتبار العشر الرّضعات، ولكن أجمعوا الآن على عدم اعتباره، فهو عند من ثبت عنده في حكم المجمع على نسخه.

وفي المنسوخ ما اشتهر نسخه ولم أعلم فيه خلافاً، ولا تقل الإجماع فيه [من يوثق](2) به فيما أعلم، وذلك في: نسخ الأمر بالفرع (3) ، وقتل شارب /الخمر في الرّابعة، والأمر بأذى الزّانين، وتحريم كنز الذّهب والفضّة بعد إخراج الزكاة، وتحريم قتال الكفّار والبغاة في الأشهر الحرم، وجواز التّنفيل قبل القسم، ولبس خواتيم الذّهب، والأمر بقتل الكلاب إلا الأسود، وجواز المثلة.

وفي المنسوخ ما اشتهر نسخه وذهب إليه المشاهير (4) وشذّ المخالف فيه، وذلك مثل نسخ:((الماء من الماء)) ، والوضوء ممّا

(1) ليست في ((الأصول)) ، وأثبتناها من (ت).

(2)

في (أ): ((موثوق)).

(3)

الفرع: قال ابن الأثير في ((النهاية)): (3/ 435): ((الفرعة بفتح الراء، والفرع: أوّل ما تلده النّاقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم، فنهي المسلمون عنه

)) اهـ. وانظر: ((المغني)): (11/ 125).

(4)

في (ي): ((الجماهير)) ، وفي هامشها: في نسخة ((المشاهير)).

ص: 202

مسّت النّار، والتّطبيق في الرّكوع (1) ، والأمر بضرب النّساء مطلقاً، وموقف الإمام بين الاثنين، والقول بأنّه لا ربا إلا النّسيئة، ووجوب حقوق في المال غير الزّكاة، والأمر بالعتيرة -وهي ذبيحة في رجب- ومتعة النّساء، وتحريم لحم الأضحية بعد ثلاث، والرّضاع بعد الحولين، وعدم وجوب الشّياه في زكاة البقر -على تفصيل فيه-، وشذّ المخالف في جواز لبس الحرير للرّجال مدّعياً نسخ التّحريم، والمخالف في المسح على الخفّين مدّعياً لنسخه شذّ في الصّدر الأوّل، ثم كثر القائل به من الشّيعة.

وشاع الخلاف في نسخ تحريم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وفي ترك الوضوء من مسّ الذكر، وفي متعة الحجّ، وفي طهارة جلود الميتة بالدّبغ، وفي التّيمّم إلى المناكب وصحّ نسخه، وفي جواز مسح القدمين في الصّلاة، وفي جواز إقامة غير المؤذّن، وفي قطع المارّ للصّلاة، وفي الصّلاة إلى التّصاوير، ووضع اليدين قبل الرّكبتين، والجهر بالتّسمية، وفي ثبوت القنوت، وفي القراءة خلف الإمام، وأفضليّة الإسفار بالصّبح، وصلاة المأموم جالساً إذا صلّى الإمام كذلك، وسجود السّهو بعد السّلام، والقيام للجنائز، ونسخ عدد تكبير صلاة الجنازة إلى أربع، والنّهي عن الجلوس حتّى توضع الجنازة، وفساد صوم المصبح جنباً والجمهور على صحّته، وفساد

(1) وهو وضع الكفّين بين الركبتين في حال الركوع. انظر: ((النهاية)):

(3/ 114).

ص: 203

صوم المحتجم، ونسخ إباحة الفطر في السّفر إلى وجوبه والجمهور على خلافه، ونسخ النّهي عن شرب النّبيذ في الآنية المسرعة بالتّخمير، كالدّبّاء، والإناء المطليّ ولم يقل بعدم النّسخ فيه إلا أحمد بن حنبل وأتباعه.

واختلفوا في نسخ قوله تعالى في الممتحنة: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَت أَزْوَاجُهُم مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة:11]. لاختلافهم في معناها على ما هو مقرّر في كتب التّفسير، والنّهي عن الرّقى، وعن القران في التّمر، وعن قول ما شاء الله وشاء فلان، والاشتراط في الحجّ، وابتداء الكفار بالقتال في الحرم، وشهادة غير المسلمين في السّفر عند الحاجة إلى ذلك، وتحريم لحوم الخيل، وجواز المزارعة، والإذن للمتوفّى عنها في النّقلة أيّام عدّتها وصحّ نسخه، وقتل المسلم بالذّمّي، والتّحريق بالنّار في غير الحرب، واستيفاء القصاص قبل اندمال الجرح، وجلد المحصن قبل الرّجم، وحكم الزّاني بأمَة امرأَته، ووجوب الهجرة من دار الكفر، والدّعوة قبل القتال، وجواز قتل النّساء الكافرات، وقتل ولدان الكفّار، والنّهي عن الاستعانة بالمشركين، وأخذ السّلب بغير بيّنة، وجواز الحلف بغير الله، وقبول هداية الكفّار، والنّهي عن البول قائماً، ووجوب الغسل يوم الجمعة.

فهذه /تسعة وتسعون حكماً أجمع أهل العلم على حكم سبعة وعشرين منها، واشتهر النّسخ من غير خلاف نعرفه في ثمانية أحكام (1) ، وشذّ المخالف في نسخ ثلاثة عشر حكماً، وشذّ القائل

(1) كذا في ((الأصول))! والذي ذكره المصنّف في هذا النوع تسعة أحكام، لا ثمانية. وبه يتحد ما ذكره في التفصيل والإجمال.

ص: 204

بنسخ حكمين، واشتهر الخلاف منها في ثمانية وأربعين حكماً؛ أكثرها أو كثير منها لم يجمع فيه شرائط النّسخ بل يكون من العموم والخصوص أو التعارض الذي يرجع فيه إلى التّرجيح.

وأحسن كتاب صنّف في ناسخ الحديث ومنسوخه كتاب ((الاعتبار)) (1) للحافظ الحازمي (2) وهو مبسوط كثير الفوائد، وليس يخرج منه إلا منسوخ القرآن الكريم، وكثير منه معلوم ضرورة لا يحتاج إلى ذكر، مثل: نسخ شرب الخمر، واستقبال بيت المقدس، ونحو ذلك.

وقد صنّف الإمام محمد بن المطهّر كتاب ((عقود العِقيان في النّاسخ والمنسوخ من القرآن)) (3) ، وطوّل تطويلاً مخرجاً عن المقصود بعيداً عن ملاءمة الاقتصار على موضوع الكتاب (4).

فإذا عرفت أنّ هذا الذي ذكرناه هو كلّ المنسوخ أو جلّه لا يفوت منه إلا ما لا يعصم البشر عن نسيان مثله، فكيف يقال: إنّه أصعب

(1) طبع في مجلد، وهو بحاجة إلى إعادة تحقيقه على أصول خطيّة، وقد شرعت في تحقيقه، يسّر الله إتمامه.

(2)

هو: الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان الحازميّ الهمذانيّ (ت584هـ) وله ست وثلاثون سنة.

انظر: ((السير)): (21/ 167).

(3)

سبق التعريف به، (ص/70).

(4)

في هامش (أ) و (ي):

((لكنّه اختصره في نصف حجمه أو أقل)).

ص: 205

علوم الاجتهاد؟ (1 وأن معرفته اجتهاد (1)؟ ومن المعلوم لكلّ منصف أنّ تعلّم مثل هذا أسهل من تعلّم كتاب الصّلاة في كثير من الكتب الفقهيّة التّقليديّة، وقد تعرّض المتعلّمون من الطّلبة لمعرفة علم العربيّة، وكثير من العلوم الدّقيقة؛ فلم يعلم من أحد من أهل العلم أنّه قنّطهم من بلوغ المقصود في تلك الفنون، فكيف إلى معرفة مختصر لطيف في النّاسخ والمنسوخ؟! وهذا محض المخالفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يسّروا ولا تعسّروا)) (2) فنسأل الله الهداية، ونعوذ به من الغواية.

قال: ((فكيف يستنتج العقيم ويستفتى من ليس بعليم)

أقول: الجواب على هذا من وجوه:

الوجه الأوّل: إمّا أن يشير بهذا الكلام إلى الاستهزاء والسّخرية بمن أجاز للمميّز من القرّاء المقلّدين، أو أوجب عليه أن [يبحث عن](3) الأدلّة ويعرف نصوص السّنّة ثمّ يقلّد الأرجح من العلماء، أو يأخذ بما وافق النّصوص النّبويّة التي حكم لها نقّاد العلماء بالصّحّة وعدم النّسخ والتّخصيص والمعارضة، أو يشير بهذا الكلام إلى السّخرية بمن قال بتجزّىء الاجتهاد، وأنّ المطّلع على أدلّة المسألة، وجميع ما قيل فيها (4) يصير مجتهداً فيها، يلزمه العمل باجتهاده، وكلّ واحدة من هاتين المسألتين صحيحة القواعد، نصّ عليها من جلّة

(1) ما بينهما ساقط من (س).

(2)

تقدم تخريجه: (1/ 83).

(3)

في (أ): ((يعرف)) ، والمثبت من (ي) و (س).

(4)

في (س): ((فيه))!.

ص: 206