الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توهّمه.
وكذلك فإن هذا المعترض صنّف تفسيراً نقله من تفاسير العلماء، فتراه يروي فيه عن البخاري [ومسلم](1).
بل أغرب من هذا أنّه يقرأ كتب الحديث ويجيز روايتها عنه عن شيوخه عن أهلها، لكنّه غضب من العمل بها وظهور التّعظيم لها، وكلّ ما ذكرته يدلّ على انعقاد الإجماع على ما ذكرته. والله أعلم.
الوجه السادس:
أنّ كلام هذا المعترض مبنيّ على تحريم قبول المراسيل كلها (2) ، وما أدرى لم بنى كلامه على هذا! وهو لا يدري ما اختيار خصمه ولا ما يختاره طالب علم الحديث؟
فجواز قبول المراسيل مذهب المالكيّة والمعتزلة والزّيدية، ونصّ عليه منهم أبو طالب (3) في كتاب ((المجزي)) (4).
(1) من (ي) و (س).
(2)
في هامش (أ) و (ي) كتب ما نصه:
((والمراسيل يلزم المعترض ألا تقبل أيضاً؛ لأنّه لابد فيها من راوٍ، وهو المرسل، وراوٍ أرسل عنه، ولابد عدالتهما، وهو على رأيه متعسّر، أو متعذّر.
وظاهر عبارة المصنف رحمه الله أنه لا يرد عليه ما ذكر من الإيرادات إذا قال بقبول المرسل، وليس كذلك، فتأمّل. تمت من خط السيد العلاّمة محمد بن إسماعيل الأمير رحمه الله)
(3)
هو: يحيى بن الحسين بن هارون، أبو طالب الهادي العلوي، من أئمة الزيدية، له عدة تصانيف ت (424هـ).
انظر: ((هدية العارفين)): (2/ 518)، و ((الأعلام)):(8/ 141).
(4)
في أصول الفقه. مخطوط في حضر موت.
والمنصور (1)
في كتاب ((صفوة الاختيار)) (2).
وروى أبو عمر بن عبد البر في أوّل كتاب ((التمهيد)) (3) عن العلاّمة محمد بن جرير الطّبري: إجماع التّابعين على ذلك.
ومذهب الشافعية قبول بعض المراسيل على تفصيل مذكور في كتب علوم الحديث (4) والأصول (5) ، وهو المختار على تفصيل فيه، وهو:
قبول ما انجبر ضعفه لعلّة الإرسال بجابر يقوّي الظّن بصحته، إمّا: بمعرفة حال من أرسله وأنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة كمراسيل ابن المسيّب، وما جزم به البخاري من تعاليق ((الصّحيح)) ولم يورده بصيغة التّمريض (6)
(1) هو: عبد الله بن حمزة بن سليمان، المنصور بالله، أحد أئمة الزيدية وعلمائهم، له مصنفات كثيرة ت (614هـ).
انظر: ((الأعلام)): (4/ 83)، و ((مصادر الفكر الإسلامي في اليمن)):(ص/592).
(2)
كتاب في أصول الفقه، أكثر المؤلف من النقل عنه، هنا وفي الأصل. وذكره زيارة في ((أئمة اليمن)):(ص/109).
(3)
(1/ 4).
(4)
انظر: ((علوم الحديث)): (ص/207 - 211)، و ((جامع التحصيل)):(ص/23 وما بعدها)، و ((النكت)):(2/ 540)، و ((فتح المغيث)):(1/ 155)، و ((توضيح الأفكار)):(1/ 284).
(5)
انظر: ((الأحكام في أصول الأحكام)): (2/ 349)، و ((شرح الكوكب المنير)):(2/ 578)، و ((إرشاد الفحول)):(ص/64).
(6)
في هامش (أ) و (ي):
((لا حاجة إليه بعد قوله: جزم به. تمت السيد محمد الأمير رحمه الله).
وما صنّفه المتأخرون الحفّاظ في كتب الأحكام (1) واقتصروا على نسبة الحديث إلى مخرّجه من غير إسناد من المصنّف إلى مخرج الحديث، وغير ذلك من المراسيل المعضودة بما يقوّيها.
بل مراسيل الصّحابة والتّابعين وأئمة الحديث المعروفين مقبولة إذا لم يعارضها مسند صحيح، إلا مرسل من عرف منهم بالإرسال عن الضّعفاء (2) ، وأدلّة وجوب قبول خبر الواحد تتناول ذلك.
وموضع بيان الحجّة على جواز ذلك كتب الأصول، والمسألة نظريّة لا يجوز الإنكار فيها على من ذهب إلى أحد المذاهب. ومن أحسن ما يحتجّ به [في ذلك](3) الإجماع على قبول اللّغة والنّحو مع بناء تفسير الحديث عليهما بغير إسناد صحيح على شرط أصحاب الحديث.
إذا عرفت هذا؛ فاعلم أنّ أقوى المراسيل ما أرسله العلماء من
(1) في هامش (أ) و (ي) ما نصه:
((كأنه يريد مثلاً، وإلا فإنّ الذي الذي جمعه ابن الأثير في ((جامع الأصول)) ومن نقل منه، ومن اختصره، -وإن كان عامّاً للأحكام وغيرها- حكمه.
ومراده أنّ وجود الحديث في هذه الكتب التي ينسب فيها الحديث إلى مخرجه من غير إسناد من المصنف إلى مخرج الحديث، جابر للمرسل إذا وجد فيها! تمت. السيد الأمير)).
أقول: وجود الحديث في هذه الكتب لا يقويها، بل ينظر في كل حديث، هل يصلح للتقوية أم لا.
(2)
أعدل الأقوال في المرسل ما اشترطه الشافعي فيه، انظر الإحالات السابقة على كتب علوم الحديث.
(3)
من (ي) و (س).
أحاديث هذه الكتب، وذلك لوجوه:
أولها: أنّ نسبة الكتاب إلى مُصنِّفه معلومة في الجملة بالضّرورة، فإنّا نعلم بالضّرورة أنّ محمد بن إسماعيل البخاري ألّف كتاباً في الحديث، وأنّه هو الموجود في أيدي المحدّثين/، وإنما يقع الظّنّ في تفاصيله، وما عُلِمت جملته وظنّت تفاصيله أقوى مما ظنّت جملته وتفاصيله.
وثانيها: أنّ أهل الكذب والتّحريف قد يئسوا من إدخال الكذب في هذه الكتب، فكما أنّه لا يمكن أحداً أن يدخل على الفقهاء في المذاهب الأربعة غير مذاهب أئمتهم، فَيُدخل في ((المنهاج)) (1)
للنّووي أنّ الشّافعي لا يشترط النّصاب في زكاة ما أخرجت الأرض، ويدخل على الحنفية مثل ذلك. وكذا لا يستطيع أحد أن يدخل على الزّيدية في كتاب ((اللّمع)) (2) الذي هو مَدْرَسهم (3) مسألة للفقهاء وينسبها إلى أئمة الزّيدية، ولا يستطيع أحد أن يدخل على النّحاة في كتبهم المدروسة ما ليس فيها.
(1) وهو مختصر مشهور في فقه الشافعية، اختصره النووي من ((المحرر)) للرافعي. ثم لا يحصى كم شارح له، أو مختصر أو محشّي، وطبع مرات.
وانظر ((كشف الظنون)): (ص/1873 - 1876).
(2)
في فقه أهل البيت للأمير علي بن الحسين بن يحيى بن الناصر، أحد أئمة الزيدية ت (656هـ).
منه نسخ كثيرة في ((مكتبة الأوقاف)) بالجامع الكبير بصنعاء. انظر: ((الفهرس)): (3/ 1155 - 1159).
(3)
أي: دائمي الدراسة له.
فكذلك يتعذّر أن يدخل في البخاري أحاديث ((الشّهاب)) (1) ونحوه ويمضي ذلك على الحفّاظ، ولو تقدّر ذلك في حق بعض الضّعفاء لا نكشف الحقّ عن قريب، وكان ذلك المغرور غير مؤاخذ عند الله، بل لابد أن يكون عاملاً على بعض مذاهب العلماء غالباً، كما سيأتي بيان ذلك عند تذكر كثرة الطّرق في الرّاوية، واتّساع كثير من العلماء في ذلك واعتمادهم على العمل بالظّنّ.
وثالثها: أنّ النّسخ المختلفة تنزّل منزلة الرّواة المختلفين، فاتفاقها يدلّ على صحة ما فيها عن المصنّف قطعاً أو ظاهراً.
فإنك إذا وجدت الحديث منسوباً إلى البخاري في نسخة نسخت باليمن، ووجدته منسوباً إليه في نسخة غربية أو شاميّة أو عراقية، ووجدت ذلك الحديث كذلك في شرح البخاري، ومصنّفه كان في بلاد أخرى أو زمان آخر ووجدته في الكتب المستخرجة من كتب الحديث والمختصرة منها، فتجده في ((جامع الأصول)) لأبي السّعادات ابن الأثير و ((المنتقى)) لعبد السلام (2) ، و ((أحكام عبد الحق)) (3) ،
(1) ألّفه القاضي محمد بن سلامة القضاعي ت (454هـ) ، جمع فيه ألفا ومئتي حديث في الوصايا، والآداب، والمواعظ، ثم أفرد لأسانيد الكتاب كتاباً آخر هو ((مسند الشهاب)) مطبوع.
(2)
ابن تيمية، مجد الدين أبو البركات ت (621هـ).
(3)
في (س): ((وأحكام عبد الحق الحميدي)) وهو خطأ، وعبد الحق هو: أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأندلسي الأشبيلي المعروف بابن الخرّاط.
قال الذّهبي: ((سارت بـ ((أحكامه الصغرى)) و ((الوسطى)) الرّكبان. وله ((أحكام كبرى)) قبل: هي بأسانيده، فالله أعلم)) اهـ. انظر:((السير)): (21/ 199).
أقول: طبعت الصغرى، والوسطى، أما الكبرى فمنها نسخة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم (7961 - حديث) وهي بالأسانيد جزماً، وكذلك صحر ابن القطان في ((بيان الوهم)):(2/ 15، 40).
و ((الإلمام)) للشيخ تقي الدين (1) ، ونحوها، وتجده في كتب الفقه البسيطة (2) المشتملة على ذكر المذاهب والحجج. وتجده في شواهد الفقه المجرّدة مثل:((شواهد المنهاج)) لابن النّحوي (3) ، و ((شواهد التنبيه)) (4) لابن كثير ونحوها، ونحو هذه الكتب قد توجد كلها ويوجد الحديث فيها، وقد يوجد كثير منها ويوجد الحديث في كثير منها.
ولا شكّ أنّ النّاظر فيها إن لم يستفد العلم الضّروري باستحالة تواطؤ مصنّفيها على محض الكذب والبهت؛ لأنه يستحيل اجتماعهم واتفاقهم على ذلك لتباعد أغراضهم وبلدانهم وأزمانهم ومذاهبهم، فأقلّ الأحوال أنّ ذلك يفيد من الظّنّ ما يفيده الإسناد إلى المصنّف مع السّماع على الثّقة ولكن بغير إسناد، فإذا كان الجمّ الغفير من الأئمة من فرق الإسلام قد نصّوا على وجوب قبول المرسل، وادّعى ابن جرير وغيره الإجماع على ذلك مع خلوّ المرسل عن مثل هذه القرائن،
(1) وهو ابن دقيق العيد ت (702هـ).
(2)
أي: المطوّلة. يقال: أرض بسيطة، أي واسعة.
(3)
هو: عمر بن علي أبو حفص، سراج الدين ابن الملقّن ت (804هـ).
وكتابه هو: ((تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج)) طبع في مجلدين.
(4)
واسمه: ((إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلّة التنبيه)) طبع في مجلدين عن مؤسسة الرسالة، عن نسخة خطية واحدة، وللكتاب أكثر من نسخة.